نظرية التحول الديمقراطي بوصفها حاجة

11 يوليو 2019
+ الخط -
"أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً". جاءت ترجمة كتاب (محددات التحول الديمقراطي) ليان تيوريل 2019، الصادر مؤخراً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن مشروع ترجمان الذي يعكف عليه المركز منذ سنوات بعد صدور الكتاب بلغته الأصلية عام 2010. لعلّي أعتبر ترجمة الكتاب نقلة نوعية في حقل دراسات التحول الديمقراطي لما يفتحه من قراءات نقدية للتراث النظري، وتبصرات لهذا الحقل من خلال إجابته عن السؤالين المركزيين؛ ما هي محددات التحول الديمقراطي؟ وهل العوامل التي تدفع بلداناً نحو الديمقراطية تساعدها أيضاً في وقف الردّة نحو الأوتوقراطية؟ بالإضافة إلى أسئلة ثاقبة نجدها في بطن الكتاب تهم الباحثين العرب المنشغلين بالتحول الديمقراطي. إلا أن الحالة الفريدة التي يتميز بها الكتاب، أنه يعتمد على المؤشرات والدراسات التجريبية لـ165 بلداً من أصل 196 بلداً مستقلاً موجوداً في العالم، في أكثر من نقطة زمنية واحدة خلال فترة الرصد الواقعة 1972-2006، من خلال اعتماده على لوغاريتمات حسابية متعددة، مستنداً إلى حكمة تقليدية لـ إيڤان ليبرمان القائلة: "اختر حالة على خط الانحدار". إن هذا النوع من الدراسات يبدو أكثر نجاعة وصوابية في استشراف التحول الديمقراطي حول العالم، إذ إن الدراسات السابقة تمت صياغتها بعيداً عن حيز المحاججة بالأرقام مقارنة بعمل تيوريل، فيظهر أحياناً من خلال تجارب التحول الديمقراطي المتكررة، أن نظريات تثبت ضعفها في أحيان ونظريات تبدو على الصواب في أحيان أخرى، لكنها طبيعة العلوم الاجتماعية إذ تتغير وتضاف وتعاد صياغة النظريات بموجب التحولات السوسيولوجية والسياسية في العالم.

يقوم الكاتب في المقدمة بتلخيص استنتاجاته التي توصل لها موضحاً نماذجه الإحصائية التي ارتكز عليها، مضيفاً بعض الملاحظات الثاقبة مثل قوله أنه لا تنساق دراما التحول الديمقراطي من أعلى فحسب أي بفعل فاعلين نخبويين، بل يتوقف بشكل حاسم على التعبئة الشعبية من أسفل. وللسخرية حين خرجت الجماهير العربية إلى الميادين مطالبة بالحد الأدنى من حقوقها السياسية والاقتصادية، قامت النخب في الأعلى بخذلانها مسجلة وصمة عار على جبينها للتاريخ، ونسترجع من الذاكرة الخالدة عام 2011 الثورة المصرية والسورية، ولعل الاطلاع على كتاب (عطب الذات) الصادر هذا العام عن الشبكة العربية للأبحاث للمفكر السوري برهان غليون، الذي عمل رئيساً للمجلس الوطني السوري، يكشف جزءاً كبيراً من الخيبات التي ألحقتها النخبة السياسية بمستقبل الثورة السورية.

أولاً: "تفسير التحول الديمقراطي": يستعرض الكاتب التراث النظري في حقل التحول الديمقراطي، بدءاً من المقاربة البنيوية لسيمون مارتن ليبست، والمقاربة الاستراتيجية عند دانكوارت روستو، وتراث القوى الاجتماعية لبارينغتون مور، والمقاربة الاقتصادية لرائديها ستيفان هاغارد وروبرت كاوفمان، مضيفاً على بعضها ومعرياً بعضها الآخر من جوانب الخلل، ليوضح في ما بعد مفهومه للديمقراطية والتحول الديمقراطي وقياسهما، مستخدماً مفهوم التحول الديمقراطي في كافة مراحل الكتاب، للدلالة على الحركة من السلطوية إلى الديمقراطية.


ثانياً: "ظلال الماضي: المحددات الاجتماعية": يفكك الكاتب الأدبيات السابقة المتعلقة بالإرث التاريخي ومنها:

أ- التاريخ الاستعماري: استنتج الكاتب أن التراث الاستعماري البريطاني مُفض إلى الديمقراطية أكثر من تأثيرات المستعمرين الآخرين من الفرنسي والإسباني وحتى البرتغالي، إذ يفترض في معظم الروايات أن البريطانيين أفضل في رعاية الحكم الذاتي ومجتمع مدني أكثر استقلالاً في مستعمراتهم، ولكنه في النهاية لم يُبدِ الكاتب لأصل القوة الاستعمارية أهمية كبيرة.

ب- الإسلام والديمقراطية: بناءً على النماذج الإحصائية التي اتبعها الكاتب، يتوصل إلى نتيجة مفادها أن ازدياد نسبة المسلمين في بلد ما مرتبط سلباً بالديمقراطية، مضيفاً أن نتائجه تكاد تنحصر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتؤكد إلى حدٍ بعيد زعم ألفرد ستيبان وغريام روبرتسون أن "الفجوة المُسلِمة" هي في معظمها "فجوة عربية"، يأتي ذلك بعد سنوات من كتاب (في المسألة العربية) للمفكر العربي عزمي بشارة، الذي توصل إلى أن الاستثناء الديمقراطي هو عربي لا إسلامي، مبيّناً أن هنالك العديد من الدول الإسلامية الكبرى، والأكبر حجماً من الدول العربية من ناحية عدد السكان المسلمين فيها؛ تحقق انتقالات إلى الديمقراطية، وأطلق عليها بشارة "المسألة العربية". في ذات الوقت، يقول الكاتب إن ما ذُكر سابقاً عن عوائق دينية أمام التحول الديمقراطي جاء التاريخ ليدحضه في لحظة زمنية لاحقة.

ج- البلدان الصغيرة: يطرح الكاتب تساؤلاً: لماذا يرجح احتمال التحول الديمقراطي في البلدان الصغيرة؟ يجيب عن هذا السؤال من خلال نظرية رونالد روغوفسكي المستندة إلى حركية الأصول، أن "رأس المال البشري" أي إن سكان البلد الصغير أميَل إلى أن يكونوا منتمين إلى مجموعات لغوية صغيرة فمن المرجح معرفتهم لغات أجنبية أكثر، فيمكن أن ينتقلوا إلى الخارج بسهولة أكبر. وما دام الخروج خياراً أسهل لهؤلاء السكان، متى كانوا غير راضين عن حكومتهم، فثمة احتمال أكبر لأن يمنحهم الحكام انتخابات، أي أن يتحولوا ديمقراطياً.

ثالثاً: "قوة الازدهار: المُحددات الاقتصادية": يلخص الكاتب وبتبسيط غير مخل بالمحاججات السابقة في المحددات الاقتصادية، موضحاً أن الأنظمة السلطوية تسقط تحت ضغط الأزمات الاقتصادية. ويستشهد بحجة هاغارد وكاوفمان، القائلة بأن احتمالات التحول الديمقراطي في الأنظمة السلطوية تكون أكبر عندما تعاني من أزمات انكماشية، يتطرق الكاتب إلى الثروات الطبيعية مثل النفط إذ اعتبره مضادّاً للديمقراطية. ولسان حال العربي يقول إن النفط قد لا يكون معادياً للبلد ذاته فقط، إنما لمحيطه أيضاً إذ برهن ربيع العرب أن المال الإماراتي-السعودي ضُخ لإحباط أي انتقال ديمقراطي في الجوار. أذكرُ قولاً للسوسيولوجي حليم بركات في كتابه (حرب الخليج)، "وجدت الشجرة العربية ميتة في ظروف تاريخية غامضة، ولما دقق الباحثون في أسباب الموت اكتشفوا نفطاً في مسام أوراقها".

يذهب بنا تيوريل إلى التحديث الاجتماعي - الاقتصادي والاستعصاء الديمقراطي، مستحضراً مقالة ليبست المؤسِّسة:

أ- تؤثر التنمية في طبيعة الصراع الطبقي في المجتمع، والأكثر أهمية أن التنمية تساعد في تطور طبقة وسطى حيوية، فهذه الطبقة الكبيرة تؤدي دوراً ملطفاً في تخفيف حدة الصراع الطبقي، لأنها قادرة على إثابة الأحزاب المعتدلة والديمقراطية ومعاقبة المجموعات المتطرفة.

ب- استمراراً لفكرة التنمية الاقتصادية أنها تعزز المجتمع المدني، الذي يساعد في ضبط وموازنة سلطة الدولة، كما تعمل على تدريب الناس على المهارات السياسية وإشراكهم في المجال السياسي، في ذات الصدد يقول بشارة في كتابه "المجتمع المدني"، أن العدوّ الأكبر للديمقراطية هو بُعد الناس عن المجال السياسي.

ج- ومن خلال حجة ليبست في أن التنمية تساعد في تعضيد الديمقراطية، من خلال تقوية قيم سياسية معينة، وأن هذه الثقافة تتسم أولاً بالتسامح مع الرأي المعارض وثانياً بأسلوب عقلاني أكثر اعتدالاً وضبطاً للنفس، فيفضل لديهم الإصلاح التدريجي على التغيير الجذري والثورة الاجتماعية.

د- ويتصل بما سبق، بحسب زعم ليبست، أن أحد مكونات متلازمة التحديث العام، التعليم تحديداً، إذ يستنهض حظوظ الديمقراطية عبر تأثيره في القيم الديمقراطية.

لا يكاد يتفق الكاتب كثيراً مع ليبست، إذ إنها ظواهر تصعب مراقبتها تجريبياً في عينة كبيرة من البلدان، وأضاف الكاتب ملاحظة حول انتشار وسائل الإعلام، معتبراً إياها في سياق سلطوي لا تقود إلى تحول ديمقراطي، لأن المنافذ الإعلامية المنتشرة يمكن أن تكون أداة فاعلة في يد النظام السلطوي، ومن زاوية أخرى يشكل الإعلام - إذا كانت حريته مصونة - ترياقاً ضد الانقلابات العسكرية أو يؤجلها.

ويمكن للقارئ استحضار محاولة الانقلاب 2016 في تركيا، لما شكله الإعلام من أهمية في وقف امتداد الجيش في الساحات وتصدي المجتمع لهم. ثمة طرفة في هذا الباب يذكرها الكاتب، استناداً إلى أحد الباحثين حين قال: "يمكن أن يكون الصحافيون المتعطشون للفضائح سباقين إلى اشتمام رائحة أي مؤامرة انقلابية جديدة". ولصدف القدر أني التقيت في ذات اليوم الذي قرأت فيه هذه السطور، بمجموعة من الأصدقاء من مُعدّي البرامج الوثائقية لقناة الجزيرة، إذ كان هؤلاء الصحافيون قد أعدوا حلقة "الكيان الموازي" المعروضة على شاشة الجزيرة، والتي كانوا يعملون عليها منذ عدة أشهر سبقت المحاولة الانقلابية الفاشلة، وانتهوا من إعدادها قبل محاولة الانقلاب في تركيا بعدة ساعات، فقد كانوا مدركين أن انقلاباً سيحصل خلال الفترة القادمة.

رابعاً: "قوة الدفع الخارجية: المحددات الدولية": تفتقر مسألة التحول الديمقراطي وارتباطها بالمحددات الدولية إلى فقر في المرجعية النظرية، لأن أهمية هذا العنصر أخذت تزداد في السنوات الأخيرة - الربيع العربي نموذجاً - إلا أن الكاتب يناقش عدة قضايا منها: أ- أن حجم التبادل التجاري عوّق التحول الديمقراطي إبان الموجة الثالثة. ب- العضوية في منظمات إقليمية ديمقراطية تبدو مُعززة للتحول الديمقراطي. ج- تأثير التدخل الخارجي عبر إحداث عقوبات اقتصادية كـ: وقف المساعدات أو التمويل. ويشكل التدخل الخارجي بالنسبة للكاتب نجاحاً أحياناً، ولا ينجح في أحيان أخرى، إذ يبدو الحافز من الخارج جلياً للوهلة الأولى؛ إلا أن طرائق عمله الباطنة تبدو زوّاغة تحت النظر المدقق. يتطرق الكاتب إلى التنشئة الاجتماعية للجيش، عبر التعاون مع بلدان أخرى أكثر ديمقراطية في المنظمات الأمنية الإقليمية أو الحلفاء العسكريين، والتفاعل مع نخب عسكرية من تلك البلدان لإقناع الضباط بأن دور القوات المسلحة ليس دور شرطة محلية، بل إن دوره هو حماية الدولة من أعداء خارجيين. لكن الضباط العرب الذين أرسلوا إلى بعثات خارجية للغرب أثبتوا أنهم عادوا بقيم أكثر تسلطلاً ورضوخاً للأعداء الخارجيين.

خامساً: "القوة من الأسفل: التعبئة الشعبية": ينعطف الكاتب من مسرح المؤثرات الدولية والإقليمية إلى مسرح التظاهرات الاحتجاجية وأشكالها كـ: (التظاهرات السلمية، أعمال الشغب والإضرابات، استخدام العنف أو السلاح). بحسب المنهج المعمول به من قبل تيوريل، استنتج أن التظاهرات السلمية تحفز الديمقراطية بينما لا تحفز الإضرابات وأعمال الشغب والنزاعات الأهلية المسلحة إلى التحول الديمقراطي، مستنداً إلى حالة الفيليبين وجنوب أفريقيا ونيبال، إذ إن التظاهرات السلمية برأيه تقوم بإثارة أعداد ضخمة من الناس واحتجاج أكثر استدامة من خلال الاستفادة من مفارقة العنف حين يستخدمها النظام. لنؤكد أن الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية، التي لم تطلق فيها رصاصة من قبل المتظاهرين، في المقابل أفرط النظام في استخدام العنف فاتحاً بنادقه على المتظاهرين العزل، مفرزاً حالة سوسيولوجية مستديمة (إطلاق نار، وقوع شهداء، عملية تشييع الجثامين متحولة إلى تظاهرات).

سادساً: "الهزات خارجية المنشأ وأنماط أنظمة الحكم السلطوية: الطوارئ المؤسساتية": يعالج تيوريل في هذا الفصل المهم ما إذا كانت توقعات التحول الديمقراطي تنجح باختلاف أنواع أو بنية الأنظمة السلطوية، متخذاً مقاربة غيدس المبتكرة والمنقسمة إلى:

أ- الأنظمة العسكرية: إذ يستنتج أن فرص التحول الديمقراطي في النظم العسكرية أكبر من احتمالات التحول في أنظمة الحزب الواحد، لأن الضباط يفضلون بقاء الجيش ووحدته كمؤسسة على كل ما عداهما من قضايا، بما في ذلك هدف بقائهم في مناصبهم. أقوم هنا بالتخصيص أنه حين يكون الحاكم العسكري مولياً اهتمامه إلى الأجهزة الأمنية، من خلال ميزانية أكبر مقارنة بالجيش، وتوسيع رقعة الأفراد المجندين للأجهزة الأمنية، يقوم الضباط بإطاحتهم. ففي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان عدد أفراد المؤسسة الأمنية يفوق ثلاثة أضعاف عدد الجيش المصري، وفي ذات الوقت خلق مبارك فكرة توريث السلطة في دولة ضباط، ما أثار رد فعل الجيش بالتخلي عنه. أما تونس التي أعطى فيها الرئيس الهارب زين العابدين اهتمامه للأجهزة الأمنية لتصل ميزانية المؤسسة الأمنية أضعاف ميزانية الجيش، لذلك ليس من المستغرب أن يقوم رئيس الأركان رشيد عمار برفض أوامر بن علي بنشر قواته لسحق الثورة، بل أصدر أوامره بنشر القوات ليكونوا بمثابة درع بشرية بين قوات الأمن والمتظاهرين. واستكمل الكاتب أن الهزات ذات المنشأ الخارجي محفز مهم للانشقاق داخل النخب العسكرية، وأيضاً أثر الأداء الاقتصادي بوصف غيدس "تكون الحكومات العسكرية أشد هشاشة أمام التراجعات الاقتصادية، لأنها تسرع الانقسامات داخل السلك العسكري".

ب- الأنظمة الملكية: قد أرست النظم الملكية قواعد لاستخلاف القيادة عبر توافق العائلة المالكة، من خلال توزيع أعلى المناصب في الدولة بين عدد من أفراد الأسرة، مستشهداً بوصف مايكل هيرب للأسر الملكية في الشرق الأوسط، في أن هذا التوزيع للسلطة الملكية يحول دون فرط "الشخصنة" لأنهم بهذا يقيمون رقيباً على الأهواء المطلقة للحاكم.

وتجدر الملاحظة لأهمية النظر إلى التوازنات داخل المملكة العربية السعودية، وطبيعة النظام الموزعة بين آل سلطان وآل نايف وبقية العشائر، عبر تمثيلهم في الحرس الوطني وبين رجال أعمال وسلطة دينية، لكن التحولات الانقلابية الحاصلة في العامين الأخيرين على يد ولي العهد محمد بن سلمان، وإقصاء كافة الأجنحة المشاركة في السلطة وتحويلها لمُلك شخصاني، تعطي نذير خطر لمستقبل المملكة السعودية. يتوصل الكاتب إلى استنتاج مشابه للاستنتاج السابق، في أن الأنظمة الملكية أرجح إلى التحول الديمقراطي من أنظمة الحزب الواحد، إذ تتشابه عبر الكثير من الآليات مع الأنظمة العسكرية في بنيتها، وأن الملكيات تكون أكثر استجابة للديمقراطية من خلال الهزات ذات المنشأ الخارجي. ولكنها حين تكون شخصانية، فإن احتمالات التحول تبقى ضعيفة كما هو متوقع.

ج- الأوتوقراطيات متعددة الأحزاب: يرجح الكاتب أن احتمالات التحول الديمقراطي في الأوتوقراطيات متعددة الأحزاب أرجح من أنظمة الحزب الواحد، لما تخلقه من هامش سياسي ومناورة مع النظام وانتخابات - غير نزيهة - تجعل المعارضة تعمل كـ "لعبة متداخلة" يعمد فيها أصحاب المناصب والمعارضة في آن واحد إلى قياس قوامهم في حلبة الانتخابات، ويتصارعون على القواعد الأساسية التي تشكل هذه الحلبة، واحتمالات التصدع داخل النخبة الحاكمة أكثر من نظم الحزب الواحد.

د- نظام الحزب الواحد: يرى الكاتب أن هذا النموذج هو الأكثر استعصاءً للتحول الديمقراطي، لما يشكله من نخبة حزبية حاكمة متماسكة يصعب فيها الانقسام أو الشرخ، وتمتاز بقدرة صدّ الهزات أو التدخلات الخارجية.

*بعد هذه الرحلة الطويلة والممتعة مع الكاتب تيوريل لهذا الفصل الأخير. للقارئ أن يتخيل وجود نظام متفرد من نوعه قل نظيره في العالم العربي وحتى العالمي، تكون فيه هذه النظم (العسكرية، الشخصانية، حزب واحد) متمثلة في النظام الذي شكله حافظ الأسد، ليأتي الولد مستكملاً مسيرة أبيه الدموية مُرسياً قواعد الدولة الطائفية، لذلك لا عجب حين نرى ما أصاب سورية والسوريين من قتل وتشريد ودمار.

وبرأيي، أن أي محاولة لترجمة التراث الغربي في التحول الديمقراطي لا تعفي باحثينا من الانشغال بصياغة نظرية عربية في التحول، فقد برهنت الثورات العربية أنه لا توجد نظرية شاملة تكفي لقراءة التحولات الجارية في منطقتنا، وأنها أصبحت مختبراً متفرداً بنفسه رامية بذلك ثقلاً على أصحاب الهم العربي، فالغرب يقوم بقراءاتنا من خلال عدسته مشتغلين بنا ليلاً نهاراً، لذلك وجب على باحثينا ومفكرينا أن يجعلوا نظرية التحول الديمقراطي جزءاً من مشروعهم المعرفي، "فهُم رجال ونحن رجال" كما يقول بشارة دوماً نقلاً عن أبي حنيفة.