نصف مدينة

16 مايو 2019
(غرافيتي في صنعاء، تصوير: محمد حمود)
+ الخط -

عندما كنت طفلاً
- بعد ثلاثة أشهرٍ من مولدي -
التهمت إحدى عينيّ جسماً غريباً
من جرعة كُحْلٍ زائدة
فاختفى نصف الأشياء
ونصف الوجود
ونصفي..

رأيت والدي كهلاً يحمل عكازاً لا فأساً
وأمّي تخيّط المساء بورق الحناء..

حين أخذني أبي إلى الطبيب لم أكن أراه!
شاهدت - في الطريق- نصف طفل
بلا رأس
يحمل بندقيّة
يلوّح بيده لنا
ويختفي ببطء.

كان نصف الطريق مظلماً
ومصابيح الشوارع نائمة
والناس يردّدون عبارات سخيفة
لم أكن بعد أفهمها..

رأيت نصف امرأة تحمل نصف رغيف
وحولها أناس بلا رؤوس
تختلف أعمارهم
وألوانهم
وتتشابه سيقانهم النحيلة
وانتفاخة بطونهم
ويرتدون أوراق الشجر..

كانت هناك نصف مدينة
فيها نصف شجرة يابسة
ومسجد كبير بنصف مئذنة
وباب واحد
ومحرابين!

العيادة ممتلئة ببشرٍ
أطرافهم مبتورة
ويشكون من عيون لم تكن معهم
وينتظرون وقت الطبيب المجاني.

كنت غريباً ووالدي
وحين نزع الطبيب ذلك الجسم
اختفى كل شيء..

اليوم،
وأنا في منتصف العمر،
أعيش بنصف أملٍ
ونصف حُلْمٍ
ولديّ نصف مرتّب
وأقيم في نصف وطن.


* شاعر من اليمن

دلالات
المساهمون