قلّما يُذكَر زوربا في كتب النقد، وقلّما يَذكر النقّاد اسم هذه الرواية في أيّ سياق من سياقات الكلام عن فن الرواية، ولم أعثر في الكتب النقدية التي قرأتها على إشارات يوضَع فيها زوربا كمثال توضيحي على تفصيل ما من تفاصيل بناء الرواية، على الرغم من أنه قد يكون الشخصية الأكثر شهرة وشعبية في تاريخ الرواية الحديثة، وقد أضافت السينما في النسخة الهوليوودية التي أدّى فيها أنطوني كوين دور زوربا، مزيداً من الإعجاب والتعلّق بهذه الشخصية، وكتب الموسيقار اليوناني الشهير ميكيس ثيودوراكيس، مؤلِّف كتاب "يوميات المقاومة"، تلك القطعة الموسيقية الراقصة التي تجلب الفرح للناس أينما عُزفت، سواء في حفلات الشوارع، أو في قاعات الموسيقى. ويعرف كلّ من شاهد الفيلم تلك الرقصة المدهشة التي يؤدّيها أنطوني كوين بمهارة "زوربوية" مشبعة بالبهجة.
تُقدّم رواية "زوربا" لنيكوس كازنتزاكي حلّاً لافتاً لمسألة وعي الشخصية الأدبية واللغة أو السلوك أو نمط التفكير ومستوى عمقه في الرواية، ويمكن أن تنقض كثيراً من الآراء السائدة عن اللغة والشخصية، فزوربا شبه أُمّي، بل ربما كان أمّياً، ولكنه قادر على تمثيل أكثر الأفكار عمقاً، وأشدّ التجارب حياة ومعرفة، وتُجسّد الرواية قدرة تلك الشخصية على تقديم التجربة على العلم المجرّد من نكهة الحياة الذي يمثّله الراوي نفسه، الذي يقول عن زوربا: "فجأة حين كان يصيبه الملل وكانت الكلمات لا تتّسع لروحه، كان يقفز واقفاً ويهمّ بالرقص".
لكن من النادر أن تجد قارئاً للرواية لم يقرأ رواية "زوربا" أو لم يسمع باسم زوربا. وقد نلتقي في الحياة بأشخاص يشبهون زوربا في حبّهم للحياة والاحتفال، ونشر الفرح من حولهم، وهناك من يتمثّل شخصية زوربا ويقلّد طريقته، وبغضّ النظر عمّا إذا كان هؤلاء قادرين على الوصول إلى عمق شخصية زوربا ومعرفته وقوّة حضوره الذي تقدّمه الرواية، فإن الاحتفاء به، والإعجاب بطريقته في العيش، يعكسان ميلاً ضمنياً لدى البشر للاحتفال بالحياة. ولكن الروائيّين أنفسهم لم يتجاهلوا الرواية على صعيد العالم كلّه.
كتب جورج أمادو روايته، أو رؤيته الخاصة عن زوربا البرازيلي، وهو شخص يشبه زوربا اليوناني إلى حد بعيد، ويزيد عليه في التزاماته النضالية العامّة لتغيير العالم. وربما كان أمادو نفسه مثلاً للروائي الذي يأتي معظم أبطاله من القاع الشعبي الممتلئ بالحكمة الحياتية والمعرفة العميقة بتفاصيل العيش.
ولا أحد يشبه زوربا من بين الشخصيات الروائية الشهيرة في الأدب العربي أكثر من محمد بن زهدي الطروسي، بطل رواية حنّا مينه "الشراع والعاصفة". ويقدّم حنّا الشخصية منذ البداية بالصورة الزوربوية التي عرفناها، حيث القلب هو الذي يتلفت إلى الأشياء.
درسُ زوربا يقبع في الوجدان البشري كلّه، والراجح أن حبّ الحياة والبقاء، الذي يمثّله هذا البطل الروائي، هو درس الوجود الدائم، على الرغم من كل ما يحيط بالبشر من الكوارث والمصاعب والجرائم البشعة التي يرتَكبها أعداء الحياة من بينهم. فلا بديل لنا من أن نعرف كيف نحيا.
* روائي من سورية