نجيب محفوظ.. حكاية زواج تقليدي سعيد

27 اغسطس 2017
+ الخط -

لزواج الأديب الراحل نجيب محفوظ (1911 - 2006) قصة غريبة نوعًا ما؛ فالرجل بعد أن تجاوز الأربعين بقليل، في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، تزوّج من عطية الله إبراهيم، وعُقد القران في منزل شقيقه، وذهب الزوجان لعش الزوجية في عوّامة على النيل. كل هذا دون أن يخبر نجيب أمه أو شلة أصدقائه بخبر زواجه! قبل أن يُفشى سر الزيجة عن طريق الصدفة، ويعرف به أول من يعرف من وسط الكُتّاب والفنانين صلاح جاهين، وينتشر الخبر.

ليس هذا بالغريب على رجل فرض سياجًا من السرية على حياته الشخصية، وبالخصوص أسرته الصغيرة المُكوّنة من زوجته وابنتيه، قبل أن يُنتهَك سياج السرية هذا قليلًا رُغمًا عنه، تحت أضواء كاميرات الصحافة والتليفزيون، التي دخلت لمنزل صاحب "اللص والكلاب"، بعد أن أصبح أول كاتب عربي يفوز بجائزة نوبل للآداب، والأخير حتى الآن. هنا فقط بدأت تنتشر لأديب نوبل صور تجمعه بزوجته، وابنتيه، وهو يبتسم في رضا، أو يضحك في سعادة.

كانت السعادة هي ما كان يبحث عنه محفوظ وهو يقرر الزواج من عطية الله. لم تكن سعادة مبنية على تحقيق نشوة مأمولة منذ زمن، ولا تتويج لقصة حب طويلة بالزواج السعيد، بل سعادة أساسها السعي للاستقرار في بيت هادئ، وبيئة يحتاجها الأديب الصاعد بقوة -في حينها في بداية الخمسينيات- ليضع اللبنة فوق الأخرى في صرح مشروعه الأدبي العملاق.

"إن كان لأحد فضل في المكانة التي وصلت إليها  -بعد الله- فهي لزوجتي عطية الله، فهي بالفعل عطية من الله إليّ". هكذا، اعتبرها محفوظ عطية الله إليه؛ وبرر هذا بأنها "حاولت بقدر طاقتها أن تبعدني عن كل ما يعطلني ويشغل تفكيري؛ فهي تفهم أنني لست كائنًا اجتماعيًا، ولا أحب أن أزور أحدًا، أو يزورني أحد، وأني وهبت حياتي كلها للأدب".

بحثتُ كثيرًا عن أي معلومات تخص السيدة عطية الله، غير أنها زوجة أديب نوبل وأم ابنتيه؛ فلم أجد. صورها تبرز وجهًا يحمل ملامحًا مصرية هادئة، لا جمال ولا قبح مميز فيها، وابتسامة الرضا تُزيّن معظم صورها، والتي تحولتْ لابتسامة أكثر اتساعًا؛ فخرًا وابتهاجًا بزوجها في مرحلة "ما بعد نوبل".

حتى أحاديث صاحب "أولاد حارتنا" عنها محصورة في جانب أنه رأى فيها الزوجة التي تُهيئ له المناخ الذي كان يحتاجه. والمتتبع لسيرة محفوظ يُدرك أنه ليس من السهل أن تجد امرأة تتحمل طباع رجل عُرف من شدة انضباط نظام حياته بـ "رجل الساعة"، كما لقّبه صديقه الكاتب محمد عفيفي. فليس سهلًا أن تعيش المرأة في ظل مُبدع كرّس حياته لإبداعه، في المقام الأول، إلا إذا كان هذا هو أساس علاقتهما منذ البداية، كما فعل نجيب محفوظ.

وهنا تطالع حياة الأستاذ نجيب الأسرية؛ فتجد نهرًا هادئًا، لا دراما فيه. لكنه كان سعيدًا! استطاع أن يُنشئ لنفسه حياة زوجية سعيدة، لها قواعد مُتفق عليها منذ البداية. كان زواجًا من نوع "زواج الصالونات"، كما نسميه في مصر، زواج يقوم على تقدير المصلحة والمنفعة، قبل أي شيء آخر؛ فهل يعيب الإنسان أن يجد سعادته فيه؟

لا أعتقد. أساس الزواج هو السعادة والرضا؛ أن تجد سكنًا لروحك وبدنك. فلو وجد اثنان سعادتهما في زواج "تقليدي"؛ فلماذا ينظر بعضهم لزواجهما بدرجة أقل من الزواج الذي ينشأ عن قصة حب طويلة؟ كنتُ واحدًا ممن يمارسون هذا النقد، كنتُ مخطئًا؛ أحاول فرض رؤيتي الخاصة للسعادة، وكأن الجميع مطالب بأن يرى الحياة بمنظوري أنا! وهو ما أراه الآن منتهى الديكتاتورية. لا أظن أن للزواج كتالوجًا محددًا، أو وصفة سحرية إن اتبعتها ربحت؛ فالبشر مختلفون تمامًا في نظرتهم التفصيلية لأشياء مثل السعادة والرضا والاستقرار. المهم أن تعرف ما تريد، ولماذا تتزوج، وتجد شريكًا يماثلك في هذه الاحتياجات؛ فمشاركة ما تبقى من حياتك مع شخص آخر ناضج غريب عنك ليس بالقرار السهل.

المهم أن تكون سعيدًا، لا يهم الطريقة التي تحقق بها سعادتك، طالما لم تظلم غيرك، لا يهم أن تعجب كل الناس، خاصة في قرار قد تدفع ما تبقى من عمرك ثمنًا له مثل "الزواج". وصور الأستاذ نجيب وزوجته تشي بسعادة حقيقية، سعادة هادئة لن تجذب كُتّاب الدراما، لكنها سعادة أرضت قلوب أصحابها، وهذا يكفي.

 

المساهمون