نتنياهو يحلم بحكومة مقبلة مع الحريديم

29 أكتوبر 2014
خصّص نتنياهو 90 كلمة بخطابه للقضايا الاجتماعية والسكن (الأناضول)
+ الخط -

يتّفق محللون في الشؤون الحزبيّة في إسرائيل، على أن خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أمس الأول، مع افتتاح الدورة الجديدة للكنيست، لم يأتِ بجديد، وإنّما جاء تكراراً للمواقف المعلنة ذاتها، عن الترتيبات الأمنيّة والدولة اليهوديّة والخطر الإيراني. وبالتالي، يواصل نتنياهو عملياً التركيز في حديثه على كلّ ما يمكن له أن يغذّي المخاوف والقلق في نفوس الإسرائيليين، ممّا يخبئه لهم المستقبل، من دون أن يطرح حلولاً، يُفترض به كرئيس حكومة أن يقدّمها.

على هذا الأساس، يعتبر محلّل الشؤون الحزبيّة في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، أنّ نتنياهو وهو على عتبة العام السابع المتوالي له في الحكومة، "قد فقد عامل الخوف من اهتزاز ائتلافه أو إسقاط حكومته الحالية". ويقول إنّ الأخير "بات يحلم علناً بائتلافه الحكومي المقبل مع أحزاب الحريديم، مستخدماً حزبي ييش عتيد بقيادة زير المالية يئير لبيد، وهتنوعاه بقيادة تسيبي ليفني، بمثابة عكازتين توصلانه للعام السابع في ولايته، مطلع العام المقبل، علماً أنّ استناده على هذين الحزبين مرتبط بعدم قدرتهما على المغامرة لضرب الحكومة أو الخروج منها إلى معترك انتخابي قد يفقدهما قوّتهما السياسيّة".
ويتوقّف فيرتير عند اللهجة الغاضبة، التي اتّبعها نتنياهو في خطابه اليميني، و"التي توحي وكأنّ من أعدّ خطابه هو وزير الإسكان من حزب "البيت اليهودي"، وراعي الاستيطان أوري أريئيل، وكلّ ذلك بعد تلقّي نتنياهو صفعة وهزيمة نكراء، مع نجاح ليفين بالتعاون مع لبيد وليبرمان، بتمرير قانون "التهويد" الجديد، الذي أعلن نتنياهو معارضته إرضاءً للحريديم و"البيت اليهودي"، لكنّه فشل بإسقاط القانون، الذي حظي بموافقة غالبية في لجنة الدستور والقضاء والقانون".

ويرى الصحافي باراك رابيد، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، أنّ "خطاب نتنياهو يذكّر بالبرامج التلفزيونيّة التي تعيد نشر مقاطع سابقة وقديمة"، معتبراً أنّ "خطاب نتنياهو لا يتعدى كونه ترجمة لخطابه أمام الأمم المتحدة إلى اللغة العبريّة". واللافت أن رابيد، وربّما للمرة الأولى في الصحافة الإسرائيلية، وفي معرض اتهامه لنتنياهو، بأنّه يهرب من المشاكل الحقيقية التي يريد الإسرائيليون حلاً لها، شبّهه بأنه ينحو منحى زعماء إيران وحركة حماس "الذين لا يقترحون على شعوبهم عند الأزمات الاقتصادية سوى الدعوة للصبر والصمود".

وكان نتنياهو خصّص نحو 90 كلمة من خطابه، وفق المصدر ذاته، للقضايا الاجتماعية وأزمة غلاء المعيشة والسكن، فيما تحدّث بإسهاب عن "التحدّيات والأخطار الأمنيّة التي لا يمكن حلّها هي الأخرى، لكنّها تساعده في لفت أنظار الشعب إلى الأخطار والأعداء الخارجيين".
ويتابع رابيد في مقاله: "مع أنّ نتنياهو رسم بدقة المسار الفلسطيني الرامي لفرض انسحاب إسرائيلي من الضفّة الغربيّة، وفق شروط سيئة لا تستوفي احتياجات إسرائيل الأمنيّة، إلا أنّه لم يقترح حلاً ذكياً أو خطوات لإحباط المسعى الفلسطيني". ويقول إنّ "نتنياهو كرّر على مسامع أعضاء الكنيست خطته للتوصّل إلى تسوية إقليميّة، تقفز عن الفلسطينيين مباشرة إلى حلّ مع الدول العربيّة، من دون أن يذكر عن أي تسوية يتحدث ولا كيف يمكن التوصّل إليها، وما هو الثمن الذي تقبل اسرائيل بدفعه". ويخلص رابيد إلى القول: "الحقيقة أنّه لم يولد بعد الزعيم العربي، الذي يمكن أن يوافق على التحرّك عن موقفه ميلمتراً واحداً للتجاوب مع نتنياهو، طالما كانت هذه هي مواقفه تجاه الفلسطينيين".

وفي السياق ذاته، يوضح رئيس الموساد السابق، إفرايم هليفي، في مقالة في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنّه "لا يمكن للحكومة الحالية أن تواصل الحديث عن دولتين لشعبين، وأن تعمل في الوقت ذاته على تقويض احتمالات تحقيق هذا الحلّ، لأنّ ذلك لن يخدم أيّاً من مصالح إسرائيل، بل سيعزّز ادعاءات المشككين بصدقيّة الحكومة أمام العالم وأمام مواطنيها".

ويخلص هليفي إلى القول إنّ "خط نتنياهو الذي يتحدّث عن "صفر مجازفات"، ويُترجم عند الفلسطينيين والرئيس محمود عباس بـ"صفر فرص"، يعني أنّه لا فائدة ترجى في الظروف الحالية من تجديد المفاوضات بين صاحب مقولة "صفر مجازفات"، وصاحب مقولة "صفر فرص"، لأنه آن الأوان لأن تحسم إسرائيل طبيعة رؤياها المستقبليّة، وأن تحدّد سبل وآليات تحقيق هذه الرؤية، وإلا فإنّ أحداً لن يتعامل معها بجديّة ولن يصدق الجمهور في إسرائيل الحكومة".

ويمكن القول عملياً، استناداً إلى ما يقوله المحللون الإسرائيليون أعلاه، في ظلّ رهان نتنياهو على عجز الإدارة الأميركيّة الحالية، خصوصاً مع احتمال فوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس، عن اتخاذ خطوات فعلية ضد إسرائيل، إنّ العام المقبل، سواء جرت انتخابات نيابية جديدة في إسرائيل أم لا، لن يحمل أي جديد في الموقف الإسرائيلي العام.
ويبقى هذا الاستنتاج قائماً ما دام اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه نتنياهو هو الذي يشكّل الحكومة الإسرائيليّة المقبلة، بل إنّ احتمالات تشكيل الحكومة المقبلة مع الحريديم من دون حزبي لبيد وليفني، سيمنح نتنياهو حريّة أكبر في مشروع تكثيف الاستيطان في القدس والضفّة المحتلتين، وكذلك تعطيل أيّ مفاوضات حقيقية مع المقاومة في قطاع غزة على شروط وقف إطلاق النار. ويستفيد نتنياهو في ذلك، من الانشغال العالمي بالحرب على تنظيم "داعش" من جهة، ومن ارتداد دول "محور السنّة المعتدل"، وعلى رأسها السعودية ومصر على المقاومة في القطاع، ومساعي مصر الانقلابيّة لاستغلال حادثة سيناء الأخيرة، لاستنساخ نمط التعامل الإسرائيلي في لبنان، من خلال بناء شريط أو حزام أمني مصري يفصل بين غزة ومصر.

المساهمون