21 نوفمبر 2024
نبوءة عبد الرحمن منيف
"في مواجهة ما يحدث في وطننا، أيّ سكوتٍ هو تواطؤ. أيّ هروبٍ غير مبرّر. ما عاد هناك إنقاذ شخصي، ولا أحد يستطيع أن يقول؛ لا علاقة لي بما يجري. السكّين قادمة، وعمليات المحو والتدمير مستمرة، وما حصل في بيروت سيحصل في كل مكان عربي. والعرب البعيدون عن إسرائيل يظنون أنهم في منجى، ولكن هذا مستحيل. كلنا في النار.. إننا في مواجهة حذف مادي ومعنوي، قد نتعرّض له خلال السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة".
إذا ما عرفنا أن الكلام أعلاه قيل في حوار صحفي نشر بداية الثمانينيات من القرن الماضي، نعرف أن السنوات العشرين أو الثلاثين المعنية قد مرّت فعلا، وأننا نعيش الآن، كما يبدو، مرحلة المحو أو الحذف المادي المعنوي.
صاحب النبوءة هو الروائي الراحل، عبد الرحمن منيف، الذي يبدو أنه كان يستشرف مستقبل الأمة، من خلال كتاباته الروائية التي اعتبرها نوعا من المواجهة بدلا من السكوت المتواطئ.
ترى.. لو قدّر لمنيف أن يعيش حتى يومنا، ولو قدّر له أن يرى ثورات الربيع العربي على سبيل المثال، وكيف بدأت وكيف انتهت، (إن كانت قد انتهت)، هل سيظل على قناعته المريرة بالمصير الذاهب إلى النار تحت وطأة الصمت والخذلان؟
عموما، لا يبدو أن هناك كثيرا من الجديد تحت الشمس، والتشاؤم الذي كان يتحدّث عنه عبد الرحمن منيف، في كل حواراته الصحفية الصادرة في كتاب عنوانه "الكاتب والمنفى"، أصبح سمة الحوارات كلها على سبيل الواقع المعاش عربيا.
في مكان آخر من الحوار الصحفي الذي كانت مجلة الكرمل قد أجرته مع منيف، ونشرته في العام 1983، يقول إن علينا أن ننتظر ألف هزيمة، إذا أردنا أن نتخلص من هذا كله ونجابهه، علينا معالجة المشكلة جذريا على المستوى الداخلي.
ومن الواضح أن المستوى الداخلي الذي يعنيه منيف، وهو يتحدث عن إمكانية حل للمشكلة أو المشاكل الكبرى التى تواجه الأمة، وتهدّدها في معناها الوجودي كله، هو المستوى الفردي، فهذا الكاتب الروائي الذي ولج بوابة عالم الرواية بعمرٍ متقدم نسبيا، كان يرى في الكتابة، الإبداعية الروائية، أحد أهم الحلول التي قد يساهم بها المبدع العربي، في تشخيص المرض المزمن، والذي أسلم العرب إلى الوهن والتواكل واليأس. ومن ثمة الانطلاق إلى البحث عن علاج ناجع، حتى يتجاوزوا الهزائم الألف، إن قدّر لهم ذلك، ويبدأوا بعدها في رحلةٍ جديدة مع الحياة.
رحل مؤلف "عالم بلا خرائط"، قبل سنواتٍ قليلة من اندلاع الثورات في الخريطة العربية، على امتداد معظم مدن الملح التي سبق وأن خطط حدودها بقلمه الروائي الحاد، فلم يتسنّ له أن يواصل رحلة الاستشراف الإبداعي، ولا إحصاء مزيدٍ من الهزائم والخيبات التي سبق، وأن أشار إليها عندما أهدى روايته البديعة "حين تركنا الجسر" إلى بعض أصدقائه قائلا؛ "ذكرى خيبات كثيرة مضت، وأخرى على الطريق ستأتي".
نعم.. مضت خيبات كثيرة فعلا، ومضت غيرها مما أتى بعدها من الخيبات، وما زالت النبوءة صالحةً لأن تكون عنوان مرحلةٍ راهنةٍ ومراحل قادمة.
كتب عبد الرحمن منيف ذلك الإهداء في منتصف السبعينيات، عندما كان احتمال توقيع اتفاقية صلح منفرد مع الكيان الصهيوني هو منتهى الهزيمة وغاية المحو.. ولم يكن يعلم أن لمعاني المفردات مدىً أوسع مما يبدو، فهناك ما هو أقسى من الهزيمة، وهناك ما هو أوجع من المحو.. وهناك المزيد.
إذا ما عرفنا أن الكلام أعلاه قيل في حوار صحفي نشر بداية الثمانينيات من القرن الماضي، نعرف أن السنوات العشرين أو الثلاثين المعنية قد مرّت فعلا، وأننا نعيش الآن، كما يبدو، مرحلة المحو أو الحذف المادي المعنوي.
صاحب النبوءة هو الروائي الراحل، عبد الرحمن منيف، الذي يبدو أنه كان يستشرف مستقبل الأمة، من خلال كتاباته الروائية التي اعتبرها نوعا من المواجهة بدلا من السكوت المتواطئ.
ترى.. لو قدّر لمنيف أن يعيش حتى يومنا، ولو قدّر له أن يرى ثورات الربيع العربي على سبيل المثال، وكيف بدأت وكيف انتهت، (إن كانت قد انتهت)، هل سيظل على قناعته المريرة بالمصير الذاهب إلى النار تحت وطأة الصمت والخذلان؟
عموما، لا يبدو أن هناك كثيرا من الجديد تحت الشمس، والتشاؤم الذي كان يتحدّث عنه عبد الرحمن منيف، في كل حواراته الصحفية الصادرة في كتاب عنوانه "الكاتب والمنفى"، أصبح سمة الحوارات كلها على سبيل الواقع المعاش عربيا.
في مكان آخر من الحوار الصحفي الذي كانت مجلة الكرمل قد أجرته مع منيف، ونشرته في العام 1983، يقول إن علينا أن ننتظر ألف هزيمة، إذا أردنا أن نتخلص من هذا كله ونجابهه، علينا معالجة المشكلة جذريا على المستوى الداخلي.
ومن الواضح أن المستوى الداخلي الذي يعنيه منيف، وهو يتحدث عن إمكانية حل للمشكلة أو المشاكل الكبرى التى تواجه الأمة، وتهدّدها في معناها الوجودي كله، هو المستوى الفردي، فهذا الكاتب الروائي الذي ولج بوابة عالم الرواية بعمرٍ متقدم نسبيا، كان يرى في الكتابة، الإبداعية الروائية، أحد أهم الحلول التي قد يساهم بها المبدع العربي، في تشخيص المرض المزمن، والذي أسلم العرب إلى الوهن والتواكل واليأس. ومن ثمة الانطلاق إلى البحث عن علاج ناجع، حتى يتجاوزوا الهزائم الألف، إن قدّر لهم ذلك، ويبدأوا بعدها في رحلةٍ جديدة مع الحياة.
رحل مؤلف "عالم بلا خرائط"، قبل سنواتٍ قليلة من اندلاع الثورات في الخريطة العربية، على امتداد معظم مدن الملح التي سبق وأن خطط حدودها بقلمه الروائي الحاد، فلم يتسنّ له أن يواصل رحلة الاستشراف الإبداعي، ولا إحصاء مزيدٍ من الهزائم والخيبات التي سبق، وأن أشار إليها عندما أهدى روايته البديعة "حين تركنا الجسر" إلى بعض أصدقائه قائلا؛ "ذكرى خيبات كثيرة مضت، وأخرى على الطريق ستأتي".
نعم.. مضت خيبات كثيرة فعلا، ومضت غيرها مما أتى بعدها من الخيبات، وما زالت النبوءة صالحةً لأن تكون عنوان مرحلةٍ راهنةٍ ومراحل قادمة.
كتب عبد الرحمن منيف ذلك الإهداء في منتصف السبعينيات، عندما كان احتمال توقيع اتفاقية صلح منفرد مع الكيان الصهيوني هو منتهى الهزيمة وغاية المحو.. ولم يكن يعلم أن لمعاني المفردات مدىً أوسع مما يبدو، فهناك ما هو أقسى من الهزيمة، وهناك ما هو أوجع من المحو.. وهناك المزيد.