لم يكن الناشط الفلسطيني محمد القروي في مكان الاعتصام المفترض بميدان المنارة في رام الله وسط الضفة الغربية، الذي حاصرت مكانه الأجهزة الأمنية الفلسطينية في التاسع عشر من الشهر الجاري، حين اعتقل الأمن الفلسطيني 19 من زملائه نشطاء الحراكات الفلسطينية، التي حاولت تنظيم وقفة في التاريخ المذكور ضد الفساد تحت عنوان "طفح الكيل".
ورغم أن القروي كان في الحجر المنزلي بعد أخذ طواقم وزارة الصحة الفلسطينية مسحة له لاكتشاف إصابة زميله في العمل بفيروس كورونا، إلا أن ذلك لم يشفع له.
يروي القروي لـ"العربي الجديد" ظروف اعتقاله، فقد ظهرت نتيجة فحصه سالبة، وحضر إلى مكان عمله مساء اليوم التالي لأخذ بعض الحاجيات، ليعتقله جهاز المخابرات العامة الفلسطيني.
يقول القروي: "جرى اعتقالي ولم أكن موجوداً في شارع أو اعتصام، لا أتنكر، ولكن لو كنت في تجمهر أنا أتشرف ولي الفخر بأن أكون في مكان يناهض الفساد ويحاربه، لكن المخابرات اعتقلتني من مكان عملي اليوم التالي من الوقفة التي لم تحصل، إنه اعتقال تعسفي على النية".
تم اعتقالي ولم أكن متواجدا في شارع أو اعتصام
يتابع الناشط قائلاً إنه عرض في اليوم التالي للاعتقال على النيابة العامة بذات تهم نشطاء الحراك الذين اعتقلوا قبل تمكنهم من تنظيم وقفتهم في رام الله، وتهم التجمهر غير المشروع، ومخالفة قانون الطوارئ (الذي كان قد أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في شهر مارس/ آذار الماضي، ضمن جهود مكافحة كورونا، ويجري تمديده منذ ذلك التاريخ بشكل شهري رغم انتقادات مؤسسات حقوقية).
في الثاني والعشرين من الشهر الجاري عُرض النشطاء، ومنهم محمد، على محكمة الصلح التي مددت توقيفهم 15 يوماً على ذمة التحقيق، وهي المدة الأقصى المسموح بها قانوناً، لكن القروي يصف المحاكمة بأنها صورية حسب تعبيره، ويقول: "طلبت من النيابة إحضار شهودي على أنني كنت في منزلي يوم الاعتصام".
لم تحضر النيابة، بحسب فريق الدفاع عن النشطاء "مجموعة محامون من أجل العدالة" الملفات التحقيقية لهم في المحاكمة، وتأخرت في الرد على طلب المحكمة الأحد 26 يوليو/تموز الجاري، بإحضار الملفات، لتحضرها أول أمس الثلاثاء، وتقرر الإفراج عن القروي والنشطاء بكفالة مالية شخصية، ويوضح القروي أن التحقيق توقف معه بعد أولى جلسات النيابة، مفنّداً سبب التوقيف بأنه من أجل استكمال التحقيق.
ظروف التوقيف كانت صعبة، كما يروي القروي، فقد كان في غرفة رقم 6 في نظارة حيّ البالوع في مدينة البيرة: "قمنا بقياس الغرفة بالخطوات، فهي لا تتجاوز مترين عرضاً، و3.5 أمتار طولاً، وكنا فيها في أول يوم 11 شخصاً، وفيها فقط أربع فرشات، واحدة منها قرب المرحاض، وكنا نتناوب على الفراش".
يكمل القروي حديثه عن الظروف، بأن النظارة في النيابة العامة (توقيف مؤقت حين نقل المتهمين للتحقيق) أسوأ من ذلك، فهي متران عرضاً، وثلاثة أمتار طولاً، لكن فيها أكثر من عشرين شخصاً حسب روايته، وشعر القروي هناك بألم بالرأس وهزال واسترجاع، ليطلب نقله للفحص لشكه في إصابته بفيروس كورونا، ولينقل وتظهر نتيجته سالبة.
أضرب القروي وعدد من رفاقه عن الطعام حتى مساء الاثنين الماضي، مشيراً إلى أنه لا ضمانات لعدم إعادة ملاحقة النشطاء.
وسيواجه القروي والنشطاء الآخرون جلسات محاكم تبدأ في 17 أغسطس/ آب، أمام محكمة الصلح الفلسطينية في رام الله.
رسالة القروي حول هدف الحراك والفساد لم يُخفها، ليقول: "هناك متنفذون من الفاسدين لا يريدون أن يتحدث أحد عن الفساد، لا يريد أن يُزال عنه الغطاء، لا يريد أن تعلو الأصوات للمطالبة بأن لا يعيّن ابنه أو ابنته أو ابن شقيقه أو شقيقته في وظيفة عمومية، لكننا مستمرون، وأي دليل نجده عن أي فاسد سنقدمه لهيئة مكافحة الفساد، نقول للمتنفذين: نحن تحت القانون، ولكن لا يجوز أن يكون القانون مجزّأً، وأن يكون هناك مكيالان".