نادية مراد وترامب

08 اغسطس 2019

ترامب يصافح نادية مراد في البيت الأبيض (17/7/2019/Getty)

+ الخط -
انتبه العالم للمحاورة التي جرت بين الناشطة العراقية الأيزيدية الحائزة على جائزة نوبل للسلام نادية مراد، مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في المكتب البيضاوي قبل أيام. تركز الاهتمام على الطريقة الغريبة التي أدار بها ترامب الحوار، خصوصا عندما أخبرته نادية عن إخوتها وأقاربها الذين قتلهم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ليسألها مباشرة: وأين هم الآن؟ أدى ذلك إلى تشتت الاهتمام عن الرسالة التي أرادت نادية طرحها، وهي أن الوضع المأساوي لأبناء طائفتها مستمر مع عدم معرفة مصائر كثيرين منهم، وعدم استطاعة من هربوا من النزاع المسلح العودة إلى ديارهم ومدنهم التي عاشوا فيها مئات السنين في محافظة نينوى شمالي العراق، وخصوصا مدينة سنجار بسبب الخلاف بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق. 
ما قالته نادية مراد أمام ترامب كانت تقوله وتردده في مناسبات عديدة، لكنها حاولت أن تناشد الرئيس الأميركي التدخل والتأثير على حكومتي بغداد وأربيل من أجل إيجاد الحلول. لا يبدو أن لدى واشنطن ــ ترامب النية أو القدرة على التدخل في تفاصيل الخلافات بين القوى التي تدعمها في العراق، فقد ردد ترامب بإصرار وتكرار أمام نادية، وهي تحدثه عن معاناة ما بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أن التنظيم قد هزم.
يركز التعامل الأميركي على مسلحي هذا التنظيم فقط. كأن وجوده ليس مرتبطا بظروف وأسباب موضوعية أدت إلى صعوده وسيطرته على أراض واسعة ومدن عديدة في العراق وسورية. واحد من أهم تلك الأسباب كان النزاع بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق. وبالإضافة إلى قوات الجانبين، فإن المنطقة التي تتحدث عنها نادية تنتشر فيها وحولها قوى متعدّدة، أهمها قوات الحشد الشعبي العراقية المدعومة إيرانيا ووحدات الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (التركي).
كانت قوات البيشمركة الكردية قد تمدّدت بسرعة، وانتشرت في كل الأراضي المتنازع عليها 
مع الحكومة المركزية مع انهيار الجيش العراقي السريع أمام مسلحي تنظيم داعش عام 2014. أما بغداد، فكانت حينها أضعف من أن تفعل شيئا. عمل الطرفان معا متمتعين بدعم أميركي كبير في العمليات العسكرية ضد "داعش". ولكن ما أن انتهت تلك الحرب، حتى أعلن الكرد توجههم نحو استفتاء لتقرير المصير، على عكس نصيحة واشنطن، وفي تحدٍّ لإدارة إيران وتركيا القوتين الإقليميتين الكبريين. ردت حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، مدعومة من طهران وواشنطن بالتحرّك لاستعادة كل المناطق المتنازع عليها، وأهمها مدينة كركوك التي تمت السيطرة عليها بعد انسحاب قوات البيشمركة الكردية منها من غير قتال تقريبا.
تحسّنت العلاقة بين بغداد وأربيل مع تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، المعروف بعلاقاته القوية تاريخيا مع الكرد، ولكن ذلك لم يتبلور إلى صيغ جديدة في العلاقات تحل جذور المشكلات والنزاع، فقد صرح عبد المهدي أخيرا بأن الكرد لم يلتزموا بتعهداتهم بأن يسلموا عائدات بيعهم للنفط المنتج في الاقليم، على الرغم من أنه أوقف السياسة التي اتبعها سلفه العبادي في تقييد تحويل التخصيصات المالية اللازمة لدفع مرتبات موظفي إقليم كردستان.
لا يبدو مصير منطقة سنجار التي تحدثت عها نادية مراد واضحا، فهي تقع قرب الحدود العراقية السورية. لذلك فهي محل اهتمام من أطراف عديدة، أهمها حكومة بغداد والحشد الشعبي الذي تهمه قضية السيطرة على الحدود مع سورية من أجل ضمان التواصل الجغرافي بين إيران وسورية عبر العراق. كما أن المنطقة مهمة لحزب العمال الكردستاني وجناحه السوري، وحدات حماية الشعب الكردية التي لها حضور هناك، بالإضافة طبعا إلى حكومة إقليم كردستان، وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تقوده عائلة البارزاني، لأن المنطقة محاذية للجزء الذي تسيطر عليه قوات الحزب من إقليم كردستان العراق.
وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في إجراء لا علاقة له بحديث نادية مراد مع ترامب، عقوبات على شخصيات عراقية من محافظة نينوى، مدعومة من الحشد الشعبي وإيران، 
أبرزهم وعد القدو الذي يتزعم مليشيا مكونة من طائفة الشبك، وريان الكلداني زعيم مليشيا بابليون المسيحية التي لم تحظ قط بمباركة الكنيسة الكلدانية، وهي الكنيسة المسيحية الأكبر في العراق. كما وشملت العقوبات محافظ نينوى السابق، نوفل العاكوب. ليس واضحا إن كان هؤلاء سيتأثرون فعلا بالعقوبات الأميركية التي صدرت وفق قانون ماغنسكي الذي يسمح للحكومة الأميركية بفرض عقوباتٍ على أشخاص أو كيانات غير أميركية بتهم انتهاك حقوق الإنسان. الشخصيات التي صدرت ضدها العقوبات كانت تطاردها اتهامات عديدة، وهي محل سخط شعبي بسبب شبهات الفساد والانتهاكات، لكن الإجراءات الأميركية جاءت في سياق المواجهة مع إيران. ولأن ترامب لا يريد الحرب مع إيران، فإن مظاهر التوتر والنزاع مرشحة للاستمرار والتصاعد في نينوى، وفي مناطق أخرى متوترة أصلا في العراق الذي يمثل ساحة بديلة للمواجهات بالوكالة. وعلى الرغم من أن الحكومتين، العراقية والكردية، ترتبطان بعلاقات وثيقة مع طهران وواشنطن، إلا أن النزاعات بينهما مستمرة، ما يفسح المجال لجهاديي تنظيم الدولة الإسلامية لتخطيط وتنفيذ عمليات تستغل تلك البيئة، وهي بيئة تجعل من الصعب على نادية مراد وطائفتها، والعراقيين من كل الأصول والمذاهب، أن يحلموا بالأمن والحياة الطبيعية، حتى لو فهم ترامب فعلا ما كانت نادية مراد تتحدّث عنه.
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
رافد جبوري

كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.

رافد جبوري