16 نوفمبر 2024
ميركل... حارسة ألمانيا
بات أمام اليمين الصاعد في أوروبا، الوسطي منه والمتطرّف، حاجز أخير وأساسي، إذا تجاوزه يمكنه حكم المفاتيح الأساسية في القارة العجوز فترة طويلة. الحاجز هو ألمانيا. التاريخ الأوروبي مفصلي دائماً. يعود في كل دورةٍ زمنيةٍ إلى ألمانيا. النقطة المحورية التي تدور حولها خطوط المواصلات الأساسية في القارة القديمة، والبلاد التي تتسيّد الحراك الديمغرافي دائماً. في ألمانيا أنجيلا ميركل، المرأة التي يقع على عاتقها الدفاع عن آخر المعاقل الأوروبية الأساسية الصامدة في وجه اليمين.
لم يكن قرار ميركل، أخيراً، المشاركة في الانتخابات التشريعية الألمانية بين شهري أغسطس/ آب وأكتوبر/ تشرين الأول المقبلين، مجرد قرار حاكمٍ يسعى إلى التمسك بالسلطة، بل قراراً يتعدّى ذلك إلى التحوّل إلى متراس مواجه لنموّ التيارات اليمينية، في بلدان مجاورة، من النمسا إلى فرنسا وهولندا، وصولاً إلى إيطاليا. تدرك المستشارة الألمانية أن أوراقها ليست قويةً كما كانت من قبل، لكنها تبقى قوية ومستعدة للرهان عليها. بالنسبة إليها، باتت الأزمة المالية اليونانية في عهدة التزامات أثينا أمام مجموعة بروكسل. وفي الخروج البريطاني من أوروبا، لم تصب ميركل بالصدمة، بل على العكس، دعت البريطانيين إلى "تنفيذ تعهّداتهم والخروج سريعاً من الاتحاد". أما تركيا رجب طيب أردوغان فمدركة تماماً أي ألمانيا تواجه، في ملفات اللاجئين وحزب العمال الكردستاني والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة إلى روسيا فلاديمير بوتين، فإن ميركل هي "الشخص الوحيد الذي يُمكن الركون إليه في الغرب، ولو كانت خصماً".
لم تكن السنوات الـ11 في السلطة، منذ عام 2005، مجرد لعبةٍ أتقنتها ميركل، بل مساراً خطته لألمانيا، شبيهاً بمسار عصر النهضة والثورة الصناعية. ربما هذا ما كانت تبحث عنه البلاد، بعد انتهاء الحرب الباردة (1947ـ 1991)، وسقوط جدار برلين (1989)، وتوحيد الألمانيتين الشرقية والغربية (1990). دائماً ما يعلمنا التاريخ أن من يخلف "المؤسّس" هو أساس أي تطوّر، لا المؤسس بحدّ ذاته. والمستشار هلموت كول الذي شهد عهده (1982ـ 1998) كل التحوّلات الألمانية والإقليمية والعالمية، وبات مؤسّساً لألمانيا جديدة وموحّدة، لا يمكنه الذهاب إلى أبعد من ذلك. كما أن خلفه غيرهارد شرودر (1998ـ 2005) لم يتمكّن من أداء الدور المفترض أن يؤديه من يرث "المؤسس". بالتالي، كانت ميركل "الخيار الألماني" الذي يسمح بمواكبة تطوّر البلاد، وتكريس قيمتها المضافة في أوروبا.
ومن المفترض، أيضاً، أن التاريخ يصنع طرفاً ثالثاً، يرث "المؤسس" ثم "المطوّر". وهو الفريق المفترض أن يخلق تحدياتٍ جديدة، لكي لا يُصاب المجتمع بالترهّل والكسل، بفعل المكتسبات السابقة المُفترض أن تكون قد أمّنت الرفاهية إلى حدّ الرخاء. هنا، يأتي دور أحزاب اليمين في ألمانيا، مثل حركتي بيغيدا والبديل من أجل ألمانيا. ولألمانيا أن تتخيّل كيف يمكن مقارنة النهضة مع ميركل، مع ما يعد به اليمين الألماني، مما سيفضي حتماً إلى عدم إمكانية أدائه دور "الطرف الثالث"، في هرمية التطوّر، بل سيعود بالبلاد إلى عصور مظلمة.
خيارات اليمين الألماني "عادية" ومشابهة ليمين مجاور: "لا للأجانب، لا لأوروبا موحّدة". فخطورة إمساك اليمين بالسلطة في برلين تُضاهي مرحلة إمساك الفوهرر أدولف هتلر بالسلطة في النصف الأول من القرن العشرين، لناحية تحوّل ألمانيا إلى دولةٍ منغلقةٍ ومعادية للجميع، مع نموّ موجةٍ مشابهةٍ لموجة "العرق الآري الجرماني". لا يعني كل ما سبق أن حرباً ما على شفير الاندلاع في قلب القارة العجوز، لكن سقوط ميركل سيُشرّع الأبواب أمام أوروبا مختلفة عن كل ما بُني منذ اتفاقية روما (1958) حتى اليوم.
يمكن أن تصل مارين لوبان إلى الإليزيه، ولن يُشكّل الأمر "مأساة". "المأساة" الحقيقية تحصل إذا سقطت ميركل على أعتاب بوابة براندنبرغ في برلين العام المقبل.
لم يكن قرار ميركل، أخيراً، المشاركة في الانتخابات التشريعية الألمانية بين شهري أغسطس/ آب وأكتوبر/ تشرين الأول المقبلين، مجرد قرار حاكمٍ يسعى إلى التمسك بالسلطة، بل قراراً يتعدّى ذلك إلى التحوّل إلى متراس مواجه لنموّ التيارات اليمينية، في بلدان مجاورة، من النمسا إلى فرنسا وهولندا، وصولاً إلى إيطاليا. تدرك المستشارة الألمانية أن أوراقها ليست قويةً كما كانت من قبل، لكنها تبقى قوية ومستعدة للرهان عليها. بالنسبة إليها، باتت الأزمة المالية اليونانية في عهدة التزامات أثينا أمام مجموعة بروكسل. وفي الخروج البريطاني من أوروبا، لم تصب ميركل بالصدمة، بل على العكس، دعت البريطانيين إلى "تنفيذ تعهّداتهم والخروج سريعاً من الاتحاد". أما تركيا رجب طيب أردوغان فمدركة تماماً أي ألمانيا تواجه، في ملفات اللاجئين وحزب العمال الكردستاني والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة إلى روسيا فلاديمير بوتين، فإن ميركل هي "الشخص الوحيد الذي يُمكن الركون إليه في الغرب، ولو كانت خصماً".
لم تكن السنوات الـ11 في السلطة، منذ عام 2005، مجرد لعبةٍ أتقنتها ميركل، بل مساراً خطته لألمانيا، شبيهاً بمسار عصر النهضة والثورة الصناعية. ربما هذا ما كانت تبحث عنه البلاد، بعد انتهاء الحرب الباردة (1947ـ 1991)، وسقوط جدار برلين (1989)، وتوحيد الألمانيتين الشرقية والغربية (1990). دائماً ما يعلمنا التاريخ أن من يخلف "المؤسّس" هو أساس أي تطوّر، لا المؤسس بحدّ ذاته. والمستشار هلموت كول الذي شهد عهده (1982ـ 1998) كل التحوّلات الألمانية والإقليمية والعالمية، وبات مؤسّساً لألمانيا جديدة وموحّدة، لا يمكنه الذهاب إلى أبعد من ذلك. كما أن خلفه غيرهارد شرودر (1998ـ 2005) لم يتمكّن من أداء الدور المفترض أن يؤديه من يرث "المؤسس". بالتالي، كانت ميركل "الخيار الألماني" الذي يسمح بمواكبة تطوّر البلاد، وتكريس قيمتها المضافة في أوروبا.
ومن المفترض، أيضاً، أن التاريخ يصنع طرفاً ثالثاً، يرث "المؤسس" ثم "المطوّر". وهو الفريق المفترض أن يخلق تحدياتٍ جديدة، لكي لا يُصاب المجتمع بالترهّل والكسل، بفعل المكتسبات السابقة المُفترض أن تكون قد أمّنت الرفاهية إلى حدّ الرخاء. هنا، يأتي دور أحزاب اليمين في ألمانيا، مثل حركتي بيغيدا والبديل من أجل ألمانيا. ولألمانيا أن تتخيّل كيف يمكن مقارنة النهضة مع ميركل، مع ما يعد به اليمين الألماني، مما سيفضي حتماً إلى عدم إمكانية أدائه دور "الطرف الثالث"، في هرمية التطوّر، بل سيعود بالبلاد إلى عصور مظلمة.
خيارات اليمين الألماني "عادية" ومشابهة ليمين مجاور: "لا للأجانب، لا لأوروبا موحّدة". فخطورة إمساك اليمين بالسلطة في برلين تُضاهي مرحلة إمساك الفوهرر أدولف هتلر بالسلطة في النصف الأول من القرن العشرين، لناحية تحوّل ألمانيا إلى دولةٍ منغلقةٍ ومعادية للجميع، مع نموّ موجةٍ مشابهةٍ لموجة "العرق الآري الجرماني". لا يعني كل ما سبق أن حرباً ما على شفير الاندلاع في قلب القارة العجوز، لكن سقوط ميركل سيُشرّع الأبواب أمام أوروبا مختلفة عن كل ما بُني منذ اتفاقية روما (1958) حتى اليوم.
يمكن أن تصل مارين لوبان إلى الإليزيه، ولن يُشكّل الأمر "مأساة". "المأساة" الحقيقية تحصل إذا سقطت ميركل على أعتاب بوابة براندنبرغ في برلين العام المقبل.