في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشرت شبكة نيتفليكس حلقة كوميديا خاصة للفنان مو عامر Mo Amer أو محمد عامر، وهو فنان ذو أصول فلسطينية من مواليد الكويت (1981)، وقضى أغلب سنين حياته في الولايات المتحدة الأميركية، مواجهاً الكثير من العوائق التي حالت دون حصوله على الجنسية الأميركية إلا بعد 20 سنة من وصوله هناك، في عام 2010.
كوميديا الهُوية؟
لو لاحظنا صفة مُشتركة بين أغلب فناني الستاند أب كوميدي المعروفين عالميًا، مؤخرًا، فسنجد أنهم ليسوا "بِيضاً"، بل غالبًا ستجدهم إما هنودًا أو عربًا أو أفارقة أو من أميركا اللاتينية، وهو ما يعطي لهم مادة دسمة لإضحاك الجمهور على الوصفات العنصرية التي يواجهونها في حياتهم، وأيضًا لأن لكناتهم عند الحديث باللغة الإنكليزية تعطيهم طابعًا كوميديًا أصليًا، حتى لو عاشوا أغلب حياتهم في بلادٍ تتحدث الإنكليزية. هل شيوع هذا النوع من الكوميديا يجعلها مُبتذلة؟ يمكن لأي مشاهد أن يجيب عن هذا السؤال: "ليس بَعد"، فما دام هناك تعامل مع المواطنين في العالم الغربي على أساس اللون أو العرق أو الدين، سيبقى هذا الموضوع مادة غنية للضحك والنكات، خصوصًا أن الكوميديا في مثل هذه العروض تقوم في المقام الأول على الاختلافات بين البشر (اللون/العرق/اللكنة/الجنس/الدين/اللغة). أي أن هذه العروض تكسر جدار العنصرية بجعله محلًا للسخرية.
اغتراب؟
عند بداية مشاهدتك للعرض الكوميدي، فستجد في ملابس محمد عامر ما يدلل على فلسطينيته، وهو الثوب المنتهي بنفس تصميم الكوفية الفلسطينية، وميوله لارتداء ما يشبه الجلابية فوق البنطال، وهو قريب من اللبس التراثي الفلسطيني، ولكن عند بداية مشاهدتك للعرض نفسه، ستجد أن العرض في النصف الأول كاملًا يبدو وكأن الفنان يحاول التنصل من أصوله، فتجده يتحدث بدون لكنة مثلًا (ولا نقول إنه يجب أن تكون لديه لكنة)، ولكن ضمن المادة نجد ما يدلل على ذلك، ما يجعل النصف الأول من عرضهِ غير مضحك.
فلسطيني الأصل
لكنه، وفي النصف الثاني، يعود إلى فلسطينيتهِ (عروبتهِ)، والضحك على المشاكل التي تواجهه مع دائرة المواطنة والهجرة في الولايات المتحدة مثلًا، خصوصًا تأخر إصدار جنسيته لحوالي 20 سنة، أو عند الحدود وقت السفر بسبب عدم امتلاكه لجواز وإنما لوثيقة سفر، أو حتى بسبب اسمه (محمد). وفي نهاية العرض يتحدث بلغة عربية طليقة وبلفظه لحرفي العين والحاء (التي لا يستطيع الغرب لفظها عادةً). وتجده يستخدم أسماء أكلات فلسطينية مثل الملوخية. ويستمر في هذا بالحديث عن أصالة العلاج الشعبي الفلسطيني بزيت الزيتون لأغلب الأمراض، وكيف أن الأمهات الفلسطينيات دائمًا ما يعزين أغلب المشاكل الصحية إلى "لفحة الهواء".
يظهر الفنان بفلسطينيته وجرأته أكثر، عندما يتحدث عن موقف حصل معه في أحد المطارات البريطانية لعدم امتلاكه جواز سفرٍ سواء أميركي أو كويتي أو فلسطيني، وكيف أن موظفة المطار سببت له المشاكل طالبة منه جواز سفر محدد لأي من الدول التي يدعي الفنان أنه ينتمي إليها أو التي وُلد فيها أو التي يعود أصله إليها (فلسطين)، ما يدفعه للقول إن بريطانيا، هي أساس كل المشاكل التي يواجهها الفلسطينيون الآن بسبب الانتداب، وبسبب وعد بلفور الذي أعطى لدولة الاحتلال الحق في احتلال فلسطين، من دون خوف أو تردد من أن هذا قد يخالف أي سياسات أو قد يسبب له أي مشاكل لاحقًا، وهو هنا استخدم منصة عالمية ولو لثوانٍ ليوضح حقًا المشكلة التي يقع فيها الفلسطينيون عمومًا.
مادة متنوعة
قدّم محمد عامر مادة متنوعة المواضيع تضمنت السيرة الذاتية والانتقاد السياسي والاجتماعي للولايات المتحدة وفلسطين والعالم العربي، وهو ما يعطيه صبغة خاصة عند الحديث عن المشاكل التي واجهته مثلًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بسبب اسمه وعن اقتحام "إف بي آي" لبيتهم وكيف أن عمه يسميهم (فيبي)، وكيف واجه مشاكل في النداء على ابن أخيهِ، أسامة، حينما ضاع منه في أحد الأسواق هناك، وعن أخيه عمر الذي يعمل كطيّار وأخيه الآخر عامر المتخصص في الكيمياء البيولوجية. ينتقل بين هذه المواضيع التي قد يواجهها أي شخص غير أبيض في أميركا إلى مواضيع أكثر خصوصية مثل نقل أوراق الملوخية من فلسطين إلى أميركا التي قد يظنها بعضهم حشيشًا، ومواقف الأمهات، وصولًا إلى مواقف شكلت جزءًا من كونه أميركيًا، كأن يذهب في رحلات للترفيه عن الجنود الأميركيين في القواعد العسكرية حول العالم.
كما ذكرنا، فإن العرض في النصف الثاني كان سلسًا ومُضحكًا، إلى أن عرّج الفنان إلى موضوع قد يسبب المضايقة للمشاهد الفلسطيني غالبًا، وهو سفره عبر مطار تل أبيب (غالبًا بعد حصوله على الجنسية الأميركية)، والذي وبعد البحث تبين أنه استخدمه لينظم عرضًا كوميديًا في رام الله. وقد لاقت عروض الكوميدي الفلسطيني - الأميركي محمد عامر رواجاً جماهيرياً واسعاً في الأراضي الفلسطينية، بعد جولة نظمتها القنصلية الأميركية العامة في القدس على مسرح "القصبة" في رام الله. وشدّد عامر خلال العرض على أنه سيبقى فلسطيني العقل والقلب والروح، بصرف النظر عن أي ظروف.