في المونودراما المسرحية "المصوّر" التي تواصل عروضها حالياً على خشبة "مسرح عسقلان" في غزة، قدّمت فرقة "البيادر" نص الروائي الفلسطيني، عاطف أبو سيف، الذي يستحضر الأجواء الاجتماعية والنفسية في قطاع غزة منذ النكبة وصولاً إلى الحاضر بتشظيه السياسي ووقعه القاسي على الإنسان الفلسطيني.
ومن خلال شخصية المصوّر درويش (تمثيل علي أبو ياسين) تُروى حكاية العائلة الغزّية مع الحياة والموت، والتي تبدأ عندما تطلب سومة من درويش صورة ابنها عطا الله الذي استشهد على شاطئ البحر برصاص بحرية الاحتلال الإسرائيلي، فتبدأ رحلة التاريخ الشخصي للمصوّر مع رحلة البحث عن صورة، وتتداعى ذكريات درويش بين استشهاد ابن وهجرة آخر واعتقال ثالث.
لم يجد درويش الصورة، ولم يجد معها السكينة، نثر الصور لتملأ خشبة المسرح، وصرخ بهستيريا: "الصور كتار، الشهدا كتار يا سومة".
في الحقيقة، إن المضمون الذي يعدّ محور معظم الأعمال الفنية والأدبية الفلسطينية ليس جديداً بالنسبة للمتلقي والجمهور الذي عايش ويعايش هذه الأحداث بشكل واقعي حاد، لكنه يقدّم جرعة عاطفية مكثفة على امتداد خمسين دقيقة، يحرّض من خلالها على الخروج من دائرة الوجع والتعالي عليها، باتجاه العمل الموحّد والانتباه لآلام الإنسان الفلسطيني. إنه باختصار عمل واقعي مباشر يحمل رسالة واضحة.
عدم جدة المضمون طرحت على المؤلف والمخرج حسين الأسمر تحدّياً فنياً واضحاً، فذهبا باتجاه المونودراما، وهو اتجاه جديد على العمل المسرحي في غزّة، وشكل لم يعتده الجمهور، لصعوبة أدائه واحتياجه إلى ممثل قادر على ملء فراغ المسرح، وشدّ الجمهور طيلة العرض.
لقد نجح المخرج والممثل في رسم حركة دائمة وحيوية على الخشبة، استطاعا من خلالها إشغال الزمن والمكان بدراما واقعية حية تتشابك مع واقع الجمهور المعاش، وتستند إلى تقنية فلاش باك، فظهر المسرح بجمهوره الواسع والمتنوّع وخشبته، التي تحمل قصصاً متتالية لا تنقطع، واحدة واحدة، ينفعل الممثل فينفعل الجمهور، يصمت فيصمتون، ليظل الإيقاع الدرامي متصاعداً حتى لحظته المتوترة؛ صرخة درويش.
كان من المفترض إنهاء العمل عند لحظته العالية، هكذا أحس الجمهور الذي عبّر عن ذلك بعد نهاية العرض، وتساءل كثيرون عن جدوى العودة وسرد النصائح بشكل وعظي رسولي حول الانقسام الفلسطيني، وقد تضمّنها العرض منذ بدايته، الأمر الذي أدّى إلى كسر الشحنة العاطفية، والإيقاع الدرامي، وخفّف من تواصل الجمهور مع العمل.
الخمسون دقيقة التي استغرقتها المسرحية كانت طويلة على الممثل ومجهدة له، فمن جهة حملت نصاً طويلاً وثقيلاً على ذاكرة الممثل، ومن أخرى كانت مليئة بالحركة والانفعال الذي أجهده بشكل واضح في نهاية العمل، لكن أبو ياسين احتمل هذا الضغط وأظهر ذاكرة ممثل قوية، وجسداً قادراً على احتمال الحركة وجهدها.
اقرأ أيضاً: "سلون".. مرآة لأحلام منكسرة