مولاي إبراهيم... ثورة شباب لأجل بلدتهم

12 يوليو 2016
(في مولاي إبراهيم، تصوير: روجر دي لا هاربيه)
+ الخط -

كانت تدعى في السابق باسم "كِيْك"، ليطلق عليها في ما بعد اسم مولاي إبراهيم نسبة إلى الوالي الصالح، والذي هاجر إليها في حدود القرن العاشر هجري في عهد الحكم السعدي لبلاد المغرب قادماً إليها من مدينة مراكش؛ منطقة أضحت اليوم تتميز بإمكانات سياحية هائلة يحج إليها الزوار من كل حدبٍ وصوب، إلا أن أموراً أخرى لطخت سمعة المكان وأخفت كل ما هو جميل وحولته في أذهان البعض من مكان مقدس إلى مدنس. 


ثورة شبابية
رغم جمالية الصورة وروعة المنطقة، إلا أن الشائعات لطخت سمعة المكان، الشيء الذي استفز شباب المنطقة ليقرّروا شن حملة شرسة ضد الفنادق التي تحولت إلى أوكار للدعارة، وتكتلوا على شكل جمعيات مجتمع مدني ورفعوا شكايات متعددة راسلوا من خلالها رئيس ووالي الجهة، بالإضافة إلى عامل الإقليم ووزير العدل والحريات، مطالبينهم بالتدخل من أجل وضع حد للأنشطة المشبوهة التي تضرب في العمق سمعة المنطقة، حسب قول يوسف البركة.

يضيف يوسف، أحد أبناء المنطقة ورئيس جمعية شعلة شباب المستقبل، أن شباب المنطقة يرفضون بشدة كل ما يُشاع حول البلدة، متسائلين عن سبب التركيز على السلبيات وإغفال كل ما هو جميل؛ ما دفعهم إلى الخُروج في مسيرات ووقفات احتجاجية تعبيراً عن رفضهم لهذه الممارسات ومراسلة الجهات المعنية، ما جعل السلطات الأمنية تدخل على الخط.

في وقت قال مصدر أمني مسؤول في المنطقة لـ "جيل العربي الجديد" إن السلطات الأمنية بتنسيق مع السلطات المحلية، نجحت في مداهمة فنادق كان يشتبه في مزاولتها أنشطة غير قانونية، وتكوين شبكات متخصصة في استغلال فتيات قاصرات والاتجار بِهنَّ في سوق الدعارة، وتم إلقاء القبض على المسؤولين وتقديمهم إلى المحاكمة.


صور نمطية وأشياء أخرى
دعارة وفساد أخلاقي بالإضافة إلى الشعوذة هي من الأمور التي يشاع انها منتشرة بشكل كبير في المنطقة، حتى أضحى اسمها مرادفاً لكلمة فساد، ما أفسد الصورة الجميلة لهذه البلدة القابعة في قمة جبال الأطلس، وهو الشيء الذي دفعنا إلى البحث والتقصي بغرض التحقق مما إذا كانت فعلاً مولاي إبراهيم قد تحولت من مكان مقدس إلى مدنس بأوكار الدعارة وطقوس الشعوذة.

في حديثنا إلى رشيد، شاب من أبناء المنطقة وباحث في تراثها، أكد لـ "جيل العربي الجديد" أن المنطقة فعلاً تعرف ممارسات لها علاقة بالشعوذة؛ حيث يعتقد أن بركة المكان قادرة على تخليص الفرد من الأمراض وتمنح المال والولد، وهي قبلة لعدد من النساء العوانس بحثاً عن الحظ في الزواج، ما يجعلهن فريسة سهلة للمشعوذين والنصابين.

وأضاف: "إلا أن التعامل مع الموضوع بشكل مطلق يُعتبر حيفاً في حق المنطقة، خصوصاً أن هذه الظواهر تبقى نسبية ولا يمكن تعميمها، وهي ممارسات تشيع في فترة عيد المولد النبوي نظراً لاعتقادهم بأن تلك الأيام تُفتح فيها أبواب السماء وتُحقق كل الأماني".

وأردف المتحدث قائلاً إن عدد الفنادق التي تشتغل في مجال الدعارة قليلة بالمقارنة مع الفنادق التي تقدم خدمات فندقية محضة بعيداً عن الشُبْهة، مشيراً إلى أن للبلدة مميزات وجب التركيز عليها، دون إغفال مجهودات أبناء المنطقة من أجل تحسين صورة بلدتهم وحمايتها من كل الشائعات".


روحانية ونصب باسم الضريح
للمكان قُدسيته لدى الزوار، روحانية المنطقة تدفع العديد من الأشخاص إلى زيارة الضريح قصد التَضّرُعِ إلى الله وتقديم الصَدقات؛ يقول مولاي العربي مولاي إبراهيم رئيس جمعية الخير للتراث الروحي.

ويضيف مقدم الزاوية، في حديثه لـ "جيل العربي الجديد"، أن هذه الرُقعة تساعد زائريها على التأمل ما يبعث الراحة والطَّمأنينة في نفوسهم، وهذا ما يجعلهم يتوافدون على المنطقة بأعداد كبيرة، خصوصاً في فترة الاحتفالات بعيد المولد النبوي الشريف، رغبةً منهم في إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشاركة في الاحتفال السنوي الذي يتم فيه ترديد أذكار مدح الرسول وقراءة القرآن الكريم تقرباً من الخالق.

دون أن يُخفي وجود عدد من المشعوذين والنصابين في محيط الضريح، والذين يستغلون سذاجة بعض الزوار من الذين يعتقدون بأن بعض الممارسات كفيلة بتخليصهم من الأمراض وجلب الرزق، حيث يتم النصب عليهم باسم ضريح مولاي إبراهيم.

ويشير إلى دور شباب المنطقة في التوعية ومحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى البلدة التي ارتبط تاريخها بمولاي إبراهيم أحد رجال المغرب الصالحين الذي عرف بالزهد والإكثار من العبادة تقرباً إلى الله دون غيره.


روعة المكان
تتوفر منطقة مولاي إبراهيم ضواحي مراكش، على مؤهلات سياحية هائلة نظراً لموقعها الاستراتيجي بين جبال الأطلس وواد غِيْغَاية الذي يقسمها إلى قسمين في لوحة ربانية فريدة، ما يجعلها القبلة المفضلة لعدد من هواة السياحة الجبلية. كما أن المشاهد التي توفرها هذه الرقعة أغرت العديد من المخرجين السينمائيين، إذ عرفت تصوير مجموعة من المشاهد لأفلام وطنية وأجنبية.

وتُعتبر منطقة مولاي إبراهيم من المناطق السياحية الاقتصادية نظراً لبساطتها وبساطة الخدمات التي توفرها، ما يجعلها المكان المفضل للباحثين عن أجواء طبيعية بتكلفة مناسبة، بالإضافة إلى أن هدوء المكان يشجع على التأمل والاختلاء بالذات.

وتَعرف البلدة توافد أعداد هائلة من الزوار في مناسبات الأعياد والعطل الصيفية، بحثاً عن الهدوء والأجواء الروحانية وهي منطقة تدخل ضمن المنتزه الوطني لتوبقال، والمعبر الرئيس لكل من يرغب في المرور إلى امليل السياحية ومنها إلى قمة جبل توبقال، وهي أعلى قمة جبلية في المملكة.


(المغرب)