لعلّةٍ في الإعلام فإنه لا يكترث ببلد يراه هامشياً مثل موريتانيا، وإن تناولها فإنه يصرّ على التعامل مع المشهد الثقافي كأنه أقل مرتبة بالضرورة، بعيداً عن الفهم بشكل موضوعي لاستيعاب الثوابت والمتغيّرات في المجتمع وما يقدّمه من تعبيرات أدبية وفنية.
في عام 2017، وفي تتبّع وسائل الإعلام ذاتها تناولت تقاريرها الجدل حول تغيير النشيد الوطني لموريتانيا وعلمها بعد استفتاء شعبي جرى في آب/ أغسطس الماضي، ولم تخرج التحليلات الدائرة عن مربع السياسة واستقطاباتها في البلد الأطلسي البعيد.
لم ينتبه كثيرون إلى أن رفض بعض الموريتانيين إلغاء النشيد الذي وضعه الشاعر والفقيه باب ولد الشيخ سيدي (1860 – 1924)، يتشابه مع حالات عربية مثل اعتراض العراقيين على العلم الذي صمّمه المعماري العراقي رفعة الجادرجي عام 2004، ولم يجر تقبّله لخلوه من الألوان التقليدية، وفي السودان حيث تتواصل دعوات رسمية وشعبية إلى تغيير العلم والنشيد منذ العام الماضي.
وأتت الأسباب لرفض العلم والنشيد في موريتانيا متشابهة أيضاً مع محطيها، إذ لم تزد نسبة المؤيدين لتغييرهما عن النصف إلا بقليل، الأمر الذي تكرّر في العراق كذلك.
ليس بعيداً عن الخلاف حول رموز الهوية، عبّر عدد من الشعراء الموريتانيين في إبريل/ نيسان الماضي عن اعتراضهم على تصريحات لرئيس بلادهم محمد ولد عبد العزيز اعتبروها مسيئة، حين قال إن تخريج الآلاف من حملة الشهادات الأدبية "يشكّل عبئاً على الوطن".
الجدل حول "التهاء" الموريتانيين بالشعر ليس جديداً، ولكنه يدلّ على ردّة فعل لدى هؤلاء الشعراء على ما يرونه تغريباً للتعليم وشكل الإدارة، وتجلّى ذلك في إطلاقهم حينها #ثورة_الشعراء كوسم لـ"معلّقات الغضب" التي أطلقوها ضد الرئيس.
ورغم أن كثيراً منهم لا يتدخّل في شؤون السياسة، إلا أنهم قرّروا في تلك اللحظة إخراج ما في "صدورهم" بانتقاد القمع المتزايد في عهد ولد عبد العزيز، وهيمنة السلطة على المشهد الثقافي برمته.
وكما عبّر الشعر عن مستوى آخر من صراع المجتمع حول هويته، فإن حدثاً ثالثاً لم يثر ضجة حوله، غير أنه جاء في السياق ذاته، مع الإعلان عن افتتاح "مجلس اللسان العربي" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. التساؤل الأبرز عن المشروع الذي لم يموّل حكومياً كان حول قدرة المؤسسة الوليدة على أن تقاوم الفرنكوفونية التي تهيمن على المؤسسات الرسمية في موريتانيا منذ استقلالها عام 1960، بعد استعمار فرنسي دام نحو ستّة عقود.
أهداف كثيرة طرحها المجلس تتعلّق بالتدريس باللغة العربية واستخدامها في المعاملات الرسمية، لكن الصورة الكاريكاتورية لم تكتمل إلا بحضور وزير الثقافة حفل الافتتاح وإلقائه كلمة دعا فيه إلى الحفاظ على العربية ودعمه كلّ الجهود المبذولة، بينما يفتخر هو في جميع المناسبات التي تنظّمها مراكز فرنكوفونية بـ"ثقافته الفرنسية الخالصة".