موت بأشكال مختلفة يحاصر الحويجة العراقية: "داعش" وقصف وجوع

عثمان المختار (العربي الجديد)
عثمان المختار
صحافي عراقي متخصص بصحافة البيانات وتدقيق المعلومات. مدير مكتب "العربي الجديد" في العراق.
19 اغسطس 2016
AD0009D9-EE1A-4241-B6D7-71DF1CD05BC2
+ الخط -
على ناصية الشارع الرئيسي المؤدي إلى السوق الكبير وسط مدينة الحويجة (شمالي العراق)، كتب أحدهم عبارة كانت كفيلة بأن يعدمه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، إذ جاء فيها "مر على العراق مثلكم كثيرون، سيبقى العراق وترحلون كما رحل الآخرون". اعتبرت العبارة ردة عن الإسلام ومحاربة "دولة الخلافة". وبمثل هذه الحالة، لا بد من الموت عقوبة تنفذ في ساحة عامة وسط المدينة. بموازاة ذلك، يستمر مستشفى المدينة الذي تحوّل إلى أشبه ما يكون بورشة بدائية بجمع أشلاء الأطفال والنساء والرجال على حد سواء، الذين يقضون بالقصف اليومي لطيران الجيش العراقي أو غارات التحالف الدولي.

وأطلقت منظمات محلية عراقية، أخيراً، مصطلح المدينة المنسية على الحويجة الواقعة بمحافظة كركوك، بسبب ما تتعرض له من عمليات وصفتها المنظمات بـ"إبادة منظّمة" لسكان المدينة الذين يفرض عليهم التنظيم إقامة جماعية ويمنع خروجهم منها. ويأتي ذلك، في الوقت الذي يستمر فيه القصف على المدينة، ويسقط، باستمرار، عشرات الضحايا، فيما تعلن الحكومة العراقية ببيان أن قواتها قتلت العشرات من تنظيم داعش.

وتعد مدينة الحويجة رابع أكبر قضاء إداري بالعراق، وتقع في محافظة كركوك إلى الجنوب الغربي منها. يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، وفقاً لتقارير وزارة التخطيط العراقية للعام 2011، وهم من العشائر العربية السنية ومنها؛ شمر، وعبيد، وعنزة، وجبور، وطي، والحديديون، ودليم. يعيش أغلب سكانها على الزراعة، ومنها يمر نهر دجلة وفرعه الرئيسي نهر الزاب. تعتبر الحويجة ثاني أكبر مصدر للمنتجات الزراعية في العراق، وتضم عدداً من المدن والبلدات التابعة لها أبرزها؛ العباسي، والرياض، والرشاد، والزاب، وعرضة، والبسل.

سيطر تنظيم داعش على المدينة بعد يومين فقط من سقوط الموصل بيده، إذ ترك الجيش العراقي مواقعه على مشارف الحويجة من دون قتال في 13 يونيو/حزيران 2014، وفقاً لمتابعين. وبحسب إفادات مسؤولين عراقيين تواصلت معهم "العربي الجديد"، فإن ما لا يقل عن 100 ألف مواطن، معظمهم معدومو الحال، لم يتمكنوا من الخروج من المدينة كونهم لا يملكون ثمن الانتقال، بالإضافة إلى منعهم من قبل التنظيم.

وفي أول تصريح له، قال الطبيب الوحيد في مدينة الحويجة محمد غانم لـ"العربي الجديد" إن القصف الجوي والصاروخي على المدينة أحدث مجازر لا تشبه إلا بما نشاهده في مدينة حلب (شمالي سورية) اليوم. لكن الفرق أن الأخيرة تصل إليها وسائل الإعلام، أما نحن فلا يمكن لأحد الدخول أو الخروج".





ويضيف أنّ "نحو 21 ألف قتيل وجريح بالمدينة غالبيتهم نساء وأطفال ورجال مدنيون. أما الجماعة، فهم قادرون على تدبر أمورهم وحماية أنفسهم من القصف". ويستخدم سكان المدينة عبارة "الجماعة أو الربع"، في إشارة إلى التنظيم الذي يفرض عقوبات على من يُطلق عليه اسم "داعش". ويوضح أنه " تمّ بناء ثلاث مقابر جديدة بالمدينة"، واصفاً الوضع الإنساني والصحي للسكان بالمزري وغير المعقول، "فلا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات ولا طعام ولا أدوية".

وتفرض مليشيات "الحشد الشعبي" ووحدات من الجيش العراقي حصاراً خانقاً على المدينة من محاورها الأربعة، وتمنع دخول المواد الغذائية أو المساعدات. وأعلنت منظمة السلام العراقية لحقوق الإنسان (أحد أبرز المنظمات الناشطة في البلاد)، على لسان مديرها محمد علي، أن الجيش اعتدى بالضرب على قافلة مساعدات متوجهة للمدينة، وصادرها، الشهر الماضي،
مبيناً أنها كانت تحوي على حليب أطفال، ومعكرونة، وخبز، وأكياس نودلز، وفقاً له.

وفشلت ثلاث حملات عسكرية بين العامَين الماضي والحالي في استعادة المدينة، بسبب حقول الألغام التي ينشرها التنظيم حول المدينة وضواحيها، وصعوبة تضاريس المنطقة التي تحد من حركة الدروع والدبابات. وبحسب شهادات سكان محليين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن عمليات القصف الجوي تنحصر بين الساعة السابعة مساءً حتى السادسة فجراً، بينما الصواريخ والقذائف لا وقت محدداً لها، فهي تسقط بين ساعة وأخرى باستمرار، وفقاً لهؤلاء.

ومطلع الأسبوع الحالي، قتلت عائلة أستاذ اللغة العربية، شهاب (65 عاماً)، في وسط المدينة، والمكوّنة من تسعة أشخاص؛ هو زوجته وأطفاله ووالدته المقعدة، بسقوط صاروخ أطلقته طائرة حربية تابعة للحكومة العراقية على حي سكني وسط المدينة.

ويقول علي خالد، اسم مستعار، (29 عاماً) من سكان المدينة لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك حالات كثيرة مشابهة لما حدث مع عائلة شهاب، عائلات أبيدت بالقصف ونحن نتحدث عن العشرات، فضلاً عن الذين يقتلون، بشكل فردي، أمّا الذين أصيبوا بإعاقات فلا يمكن إحصاؤهم". ويضيف أنّ "ساحة المدينة الرئيسية تحولت هي الأخرى إلى ميدان إعدام لداعش بطرق عدة؛ حرق، وتفجير، وقطع رؤوس، ورجم وغيرها الكثير، بحجج مختلفة يدخلونها في حكم الردة عن الإسلام، وتتفاوت بين العمالة والتجسس والكره لدولة الإسلام، فيما يقبع المئات في سجون تابعة للتنظيم، لم يصدر بحقهم أحكام بعد.

ويروي عدد من أهالي الحويجة الذين تمكنوا من الهرب أنهم تعرضوا لمضايقات كثيرة من قبل التنظيم، وقُتل العديد من المدنيين على يد عناصره. يقول أحمد الجبوري أحد الناجين من رحلة الموت من قضاء الحويجة، والذي هرب بأسرته نحو كركوك، إن "الأوضاع الإنسانية في الحويجة صعبة ومأساوية بسبب الجوع وبطش التنظيم والحصار الحكومي".





ويوضح الجبوري لـ"العربي الجديد" أن "أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل غير مسبوق ووصل سعر كيس الأرز إلى 200 ألف دينار، ما يعادل (160 دولارا أميركيا) بعدما كان بـ35 ألف دينار فقط. فيما وصل سعر حليب الأطفال إلى 50 ألف دينار بعدما كان لا يزيد عن 5 آلاف دينار". ويبيّن أن" البلدة باتت خراباً مقفرة، فلا ماء ولا كهرباء ولا أسواق بسبب الحصار الذي فرضته القوات العراقية على المدينة وقطع طرق الإمداد".

ويكشف الفارّون من الحويجة أنهم خرجوا بأسرهم من البلدة مع مهربين مقابل مبالغ مالية تصل إلى 300 دولار للشخص الواحد لتأمين وصولهم إلى مناطق بعيدة عن تلك التي زرعها التنظيم بالعبوات الناسفة. ويتحدث مازن العبيدي، أحد الفارين من البلدة، لـ"العربي الجديد" عن أنه هرب بأسرته سيراً على الأقدام لمدة يومين كاملين حتى تمكن من الوصول إلى قوات "البشمركة" الكردية، جنوب غربي مدينة كركوك. ويقول إنّ "التنظيم يحتجز مئات المدنيين الذين حاولوا الفرار من قبضته، وأودعهم في السجون وأطلق سراح النساء والأطفال، وأبقى على الرجال. وصلت وعائلتي إلى قطعات البشمركة في مكتب خالد جنوب غربي كركوك، ونقلوني إلى أحد مخيمات النازحين".

ويحذّر نائب محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري في تصريح لـ"العربي الجديد" من كارثة إنسانية في المدينة، مبيّناً أن "الدوائر العراقية سجّلت حتى الآن نزوح نحو 175 ألف مدني باتجاه كركوك، وهناك آلاف آخرون نزحوا باتجاه محافظة صلاح الدين، شمالي البلاد. نتواصل مع الأمم المتحدة لبناء ثلاثة مخيمات لإيواء النازحين في كركوك وتقديم الخدمات الإنسانية والطبية لهم".

من جهته، يقول أحد وجهاء الحويجة، الشيخ سفيان النعيمي لـ"العربي الجديد" إن "داعش يحتجز نحو 100 ألف مدني حالياً في المدينة، أي نحو ربع عدد أهالي الحويجة". ويضيف أن "التنظيم يحتجز في سجونه نحو ألفَي مدني وقد تجاوز عدد الذين تم إعدامهم على يد عناصره نحو 300 مدني بحجج مختلفة. وبلغ عدد الأطفال المتوفين بسبب نقص الحليب نحو 25، ولدينا نحو 100 امرأة وشيخ توفوا بسبب نقص الدواء والغذاء".

ويشير إلى أن "100 مدني قتلوا خلال فرارهم من الحويجة باتجاه كركوك بسبب انفجار عبوات ناسفة زرعها التنظيم على طرقات يستخدمها المدنيون للهروب". ويوضح أن "آخر تفجير بعبوات ناسفة عدة، وقع، منذ ثلاثة أيام، استهدف مدنيين قرب قرية كبيبة بقضاء الدبس، شمال غربي كركوك، أسفر عن مقتل نحو سبعة مدنيين وإصابة أكثر من 30 آخرين".

بدوره، يقول طارق العبيدي لـ"العربي الجديد" إن" الموت يحاصر أهالي الحويجة، فإنْ بقوا في بيوتهم فهم معرّضون للقتل إما على يد التنظيم الذي بات يبحث عن أصغر الحجج، أو الموت بقصف الطيران العراقي والتحالف الدولي وصواريخ المليشيات".

(شارك في إعداد التقرير: محمد سعد وبشار خالد وغادة الحمداني)


ذات صلة

الصورة
أسلحة للعراق الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

سياسة

كشفت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط إسرائيلية على دول أوروبية وآسيوية لعرقلة بيع أسلحة للعراق وأنظمةة دفاع جوي.
الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
تظاهرة في بغداد ضد العدوان على غزة ولبنان، 11 أكتوبر 2024 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

منوعات

اقتحم المئات من أنصار فصائل عراقية مسلحة مكتب قناة MBC في بغداد، وحطموا محتوياته، احتجاجاً على عرضها تقريراً وصف قيادات المقاومة بـ"الإرهابيين".
الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.