منظومة التأمين على المرض التي انطلق العمل بها في تونس منذ عشر سنوات تثير غضب جميع المعنيين بخدماتها من مستفيدين وأطباء وصيادلة على حدّ سواء. وذلك بسبب إفلاس صندوق التأمين على المرض وعدم إيفائه بتعهداته، بالإضافة إلى الفساد الذي يسمح باستغلال أسماء موتى لتحقيق أرباح.
في بهو مكاتب فروع الصندوق الوطني للتأمين على المرض عادة ما تصطف جموع من المواطنين المشمولين بهذا الصندوق، في انتظار استرجاع أموال طبابة أنفقوها، خصوصاً ذوي الأمراض المزمنة. التذمر المستمر سمة المكان، خصوصاً من ينتظرون أموالهم منذ ستة أشهر أو من جرى استدعاؤهم لسداد دفعة مفاجئة.
بحسب آخر إحصائية صدرت عن الصندوق عام 2014، فقد بلغ عدد المشمولين في منظومة العلاج الخاص (من يتلقون العلاج في القطاع الخاص) نحو 579 ألفاً، فيما بلغ عدد المشمولين بمنظومة العلاج العمومي مليوناً و754 ألفاً.
محمد الحافظي أحد الذين ينتظرون استرجاع مصاريف العلاج منذ أشهر عدّة. يشير إلى أنّ زوجته مصابة بمرض السكري ولم تسترجع مصاريف علاجها منذ نحو ثمانية أشهر. وفي كلّ مرّة يتوجه فيها إلى صندوق التأمين يعلمونه بالأزمة المالية التي يمرّ بها الصندوق وأنّ المطلوب منه فقط الانتظار بعض الوقت. طول مدّة الانتظار سيراكم تلك الأموال أكثر لأنّه يشتري دواء السكري كلّ شهر، وهو خائف من عدم الحصول على كلّ تلك النفقات.
في المقابل، فإنّ عمران علية أحد المستفيدين من الصندوق، مطالب بدفع 700 دولار أميركي لأنّه تجاوز سقف المداواة. وقد استاء من توجيه الصندوق رسالة إليه بعد قرابة ثلاث سنوات تطالبه باسترجاع تلك الأموال كقيمة إجمالية على تجاوزه سقف النفقات لسنتي 2013 و2014. كذلك استغرب عمران من انتظار الصندوق حتى يتجمع ذلك المبلغ ويطالبه بدفعه مرة واحدة من دون مراعاة عدم قدرته على ذلك.
اقــرأ أيضاً
وبين مطالب باسترجاع مصاريفه وآخر مطالَب بسداد مبالغ للصندوق، تبقى منظومة التأمين على المرض تثير سخط المشمولين فيها، أو المتعاقدين معها، شأن الصيادلة الذين هددوا أكثر من مرّة بقطع تعاقدهم مع صندوق التأمين على المرض بسبب تراكم ديونه تجاههم، والتي بلغت قرابة 25 مليون دولار، وفق ما أشار إليه رشيد قارة، وهو الكاتب العام للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات لـ"العربي الجديد". يؤكد قارة أنّ نسبة كبيرة من فواتير الأدوية تتعلق بموزعي الأدوية وأصحاب المصانع.
كذلك، هدّدت نقابة أطباء الممارسة الحرة (عيادات خاصة) بتجميد كامل للعمل بالاتفاقية التي تربطها بصندوق التأمين على المرض بسبب تراكم الديون لدى الصندوق التي لم تدفع منذ خمسة أشهر.
أمام كل تلك المشاكل والمخاوف من الإفلاس، يشير صندوق التأمين على المرض إلى أنّه تكفل ومن دون وجه حق بمصاريف علاج أمراض خطيرة ومزمنة لفائدة مضموني المنظومة العلاجية العمومية، وتمكين المضمونين الاجتماعيين الذين لم يجدوا الدواء في المستشفيات العمومية، بهدف المحافظة على صحتهم وعدم تعريضهم للخطر، في انتظار إيجاد الصيغة القانونية لهذه المصاريف مع وزارة الصحة. وهو ما حمّل الصندوق مصاريف إضافية، علاوة على المبالغ التي يدفعها إلى وزارة الصحة بعنوان تغطية مصاريف العلاج في الوظائف العامة، والتي قدرت بنحو 260 مليون دولار عام 2015. ولو وفرت وزارة الصحة الدواء في المستشفيات العمومية لما اضطر الصندوق إلى خرق القانون. كذلك بيّن المسؤولون عن الصندوق أنّه يشكو عجزاً من سنة إلى أخرى بسبب تكاليف العلاج المرتفعة وازدياد عدد المرضى.
يذكر أنّ عجز الصناديق الاجتماعية الثلاثة، وهي الصندوق الوطني للتأمين على المرض، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني للتقاعد، بلغ 500 مليون دولار، وهو ما فاقم بالتتابع العجز في التوازنات المالية للدولة. وقد بدأت المؤشرات السلبية لهذه الصناديق منذ عقد على الأقل حين حذّرت الأطراف المعنيّة من تواصل العجز المسجّل، والذي شهد تفاقماً بالتوازي مع انخفاض نسب النمو في السنوات الأخيرة. كذلك، فإنّ أكثر من مائتي ألف مضمون في الصندوق الوطني للتأمين على المرض تجاوزت مصاريف التكفل بأمراضهم السقف المسموح به في إطار منظومة طبيب العائلة.
من جهتها، أصدرت دائرة المحاسبات تقريراً في يوليو/ تموز الماضي ذكرت فيه أنّ قيمة صرف أدوية لمضمونين موتى بلغت نحو 5.5 ملايين دولار. كذلك، سجل تقرير دائرة المحاسبات ضعفاً في إجراءات تنفيذ الوصفات الطبية، ما أدى إلى ارتفاع مخاطر صرف الأدوية بطرق غير مشروعة تتصل أساساً بعدم تسجيل المرضى.
على صعيد الفساد الداخلي، أذنت النيابة العامة منذ أكثر من شهرين، بالتحفظ على اثنين وعشرين موظفاً يعملون في إحدى المصحات الخاصة بتهمة الاستيلاء على مبالغ مالية مهمّة من الصندوق الوطني للتأمين على المرض عن طريق الاحتيال. كذلك، جرى رفع عشرات القضايا الأخرى التي لها علاقة بصندوق التأمين على المرض، والتي تتعلق بفوترة عيادات طبية وبافتعال بطاقات استرجاع مصاريف، وبتحرير شهادات طبية وهمية وباستعمال ملصقات أدوية غير أصلية وبإجراء فحوص طبية وهمية.
اقــرأ أيضاً
في بهو مكاتب فروع الصندوق الوطني للتأمين على المرض عادة ما تصطف جموع من المواطنين المشمولين بهذا الصندوق، في انتظار استرجاع أموال طبابة أنفقوها، خصوصاً ذوي الأمراض المزمنة. التذمر المستمر سمة المكان، خصوصاً من ينتظرون أموالهم منذ ستة أشهر أو من جرى استدعاؤهم لسداد دفعة مفاجئة.
بحسب آخر إحصائية صدرت عن الصندوق عام 2014، فقد بلغ عدد المشمولين في منظومة العلاج الخاص (من يتلقون العلاج في القطاع الخاص) نحو 579 ألفاً، فيما بلغ عدد المشمولين بمنظومة العلاج العمومي مليوناً و754 ألفاً.
محمد الحافظي أحد الذين ينتظرون استرجاع مصاريف العلاج منذ أشهر عدّة. يشير إلى أنّ زوجته مصابة بمرض السكري ولم تسترجع مصاريف علاجها منذ نحو ثمانية أشهر. وفي كلّ مرّة يتوجه فيها إلى صندوق التأمين يعلمونه بالأزمة المالية التي يمرّ بها الصندوق وأنّ المطلوب منه فقط الانتظار بعض الوقت. طول مدّة الانتظار سيراكم تلك الأموال أكثر لأنّه يشتري دواء السكري كلّ شهر، وهو خائف من عدم الحصول على كلّ تلك النفقات.
في المقابل، فإنّ عمران علية أحد المستفيدين من الصندوق، مطالب بدفع 700 دولار أميركي لأنّه تجاوز سقف المداواة. وقد استاء من توجيه الصندوق رسالة إليه بعد قرابة ثلاث سنوات تطالبه باسترجاع تلك الأموال كقيمة إجمالية على تجاوزه سقف النفقات لسنتي 2013 و2014. كذلك استغرب عمران من انتظار الصندوق حتى يتجمع ذلك المبلغ ويطالبه بدفعه مرة واحدة من دون مراعاة عدم قدرته على ذلك.
وبين مطالب باسترجاع مصاريفه وآخر مطالَب بسداد مبالغ للصندوق، تبقى منظومة التأمين على المرض تثير سخط المشمولين فيها، أو المتعاقدين معها، شأن الصيادلة الذين هددوا أكثر من مرّة بقطع تعاقدهم مع صندوق التأمين على المرض بسبب تراكم ديونه تجاههم، والتي بلغت قرابة 25 مليون دولار، وفق ما أشار إليه رشيد قارة، وهو الكاتب العام للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات لـ"العربي الجديد". يؤكد قارة أنّ نسبة كبيرة من فواتير الأدوية تتعلق بموزعي الأدوية وأصحاب المصانع.
كذلك، هدّدت نقابة أطباء الممارسة الحرة (عيادات خاصة) بتجميد كامل للعمل بالاتفاقية التي تربطها بصندوق التأمين على المرض بسبب تراكم الديون لدى الصندوق التي لم تدفع منذ خمسة أشهر.
أمام كل تلك المشاكل والمخاوف من الإفلاس، يشير صندوق التأمين على المرض إلى أنّه تكفل ومن دون وجه حق بمصاريف علاج أمراض خطيرة ومزمنة لفائدة مضموني المنظومة العلاجية العمومية، وتمكين المضمونين الاجتماعيين الذين لم يجدوا الدواء في المستشفيات العمومية، بهدف المحافظة على صحتهم وعدم تعريضهم للخطر، في انتظار إيجاد الصيغة القانونية لهذه المصاريف مع وزارة الصحة. وهو ما حمّل الصندوق مصاريف إضافية، علاوة على المبالغ التي يدفعها إلى وزارة الصحة بعنوان تغطية مصاريف العلاج في الوظائف العامة، والتي قدرت بنحو 260 مليون دولار عام 2015. ولو وفرت وزارة الصحة الدواء في المستشفيات العمومية لما اضطر الصندوق إلى خرق القانون. كذلك بيّن المسؤولون عن الصندوق أنّه يشكو عجزاً من سنة إلى أخرى بسبب تكاليف العلاج المرتفعة وازدياد عدد المرضى.
يذكر أنّ عجز الصناديق الاجتماعية الثلاثة، وهي الصندوق الوطني للتأمين على المرض، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني للتقاعد، بلغ 500 مليون دولار، وهو ما فاقم بالتتابع العجز في التوازنات المالية للدولة. وقد بدأت المؤشرات السلبية لهذه الصناديق منذ عقد على الأقل حين حذّرت الأطراف المعنيّة من تواصل العجز المسجّل، والذي شهد تفاقماً بالتوازي مع انخفاض نسب النمو في السنوات الأخيرة. كذلك، فإنّ أكثر من مائتي ألف مضمون في الصندوق الوطني للتأمين على المرض تجاوزت مصاريف التكفل بأمراضهم السقف المسموح به في إطار منظومة طبيب العائلة.
من جهتها، أصدرت دائرة المحاسبات تقريراً في يوليو/ تموز الماضي ذكرت فيه أنّ قيمة صرف أدوية لمضمونين موتى بلغت نحو 5.5 ملايين دولار. كذلك، سجل تقرير دائرة المحاسبات ضعفاً في إجراءات تنفيذ الوصفات الطبية، ما أدى إلى ارتفاع مخاطر صرف الأدوية بطرق غير مشروعة تتصل أساساً بعدم تسجيل المرضى.
على صعيد الفساد الداخلي، أذنت النيابة العامة منذ أكثر من شهرين، بالتحفظ على اثنين وعشرين موظفاً يعملون في إحدى المصحات الخاصة بتهمة الاستيلاء على مبالغ مالية مهمّة من الصندوق الوطني للتأمين على المرض عن طريق الاحتيال. كذلك، جرى رفع عشرات القضايا الأخرى التي لها علاقة بصندوق التأمين على المرض، والتي تتعلق بفوترة عيادات طبية وبافتعال بطاقات استرجاع مصاريف، وبتحرير شهادات طبية وهمية وباستعمال ملصقات أدوية غير أصلية وبإجراء فحوص طبية وهمية.