مواجهة "حزب الله" ــ إسرائيل: أي دور للدولة اللبنانية؟

03 سبتمبر 2019
جنود الاحتلال يعاينون موقع القصف (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -

لطالما اعتمد لبنان الرسمي سياسة واضحة في التعامل دولياً مع الموقف من "حزب الله". كان دوماً يردد حق لبنان في الدفاع عن نفسه بكل السبل، معطوفاً على الفصل الدائم بين لبنان-الدولة وبين "حزب الله"، واستناداً في ذلك إلى أولوية حماية الدولة ولبنان من الاستهداف الإسرائيلي، وكانت هذه السياسة بموافقة "حزب الله" نفسه. في الأيام الأخيرة وعقب التطورات التي حصلت جنوباً يوم الأحد الماضي، وقبلها إسقاط الطائرتين المسيّرتين فوق الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 25 أغسطس/آب الماضي، واستهداف الطيران الإسرائيلي مواقع لقوات إيرانية في عقربا قرب دمشق، ليل 24 أغسطس الماضي، والتي سقط فيها عنصران من حزب الله، بدا واضحاً أن لبنان الرسمي تخلى عن هذه السياسة لمصلحة التماهي مع "حزب الله" في الموقف، خصوصاً من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي وصف هجوم الطائرتين المسيّرتين بأنهما "إعلان حرب"، متجاوزاً حتى موقف "حزب الله"، فيما اكتفى الحريري وقتها بالقول: "لا نخاف إلا من الله".

فور شيوع خبر استهداف "حزب الله" آلية عسكرية إسرائيلية قرب الحدود في مستوطنة "أفيفيم"، يوم الأحد، غاب الموقف الرسمي للدولة. لم يرصد أي تصريح لأي من المسؤولين، باستثناء بيانات الجيش اللبناني التقنية. في هذا الوقت سارعت قيادات لبنانية إلى محاولة الاتصال بالحزب، وفق ما كشفت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، لتبيان ما يحصل، وطبيعة العملية وأفقها، ومدى احتمال تطور الأمور، على الرغم من أن الحزب كان قد أوصل بعد تصريح أمينه العام حسن نصرالله، الذي تلى إسقاط الطائرتين المسيّرتين، تطمينات إلى الحكومة مفادها أن أي رد سيكون محصوراً وليس الهدف منه حرب جديدة. وسُجل فور حصول العملية غياب أي اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع، وكذلك للحكومة اللبنانية، وكأن ثمة تسليماً بأن الدور منوط بالحزب، وكذلك قرار الحرب والسلم. استدرك الحريري الأمر لاحقاً ببيان يتيم أشار فيه إلى أنه اتصل بوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والمستشار الرئاسي الفرنسي إيمانويل بون، طالباً منهما التدخل لضبط الأوضاع في الحدود الجنوبية مع الإسرائيليين.



عملياً، أعاد بيان الحريري شكلياً إلى لبنان-الدولة الدور الذي عادة ما كانت تؤديه في مثل هذه الظروف، وهو الدور الدبلوماسي الذي عرف به يوماً رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، خصوصاً في عام 1996 إبان عملية "عناقيد الغضب"، وكان نتيجته تفاهم نيسان، وكذلك في حرب يوليو/تموز 2006، عندما تولى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة المهمة الدبلوماسية، والتي كان نتيجتها القرار الدولي رقم 1701، على الرغم من تحفّظ "حزب الله" لاحقاً على هذا الدور. الفارق خلال الساعات الأخيرة أن الدور الدبلوماسي اللبناني بدا مترهلاً، خصوصاً أنه حصل الكثير من التغيرات بين عامي 2006 و2019. قبل الثورة السورية (2011)، كان الصراع بين لبنان و"حزب الله" من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، فيما بات اليوم بين المحور الإيراني وبين إسرائيل.

الصفعة التي تلقاها الحراك الدبلوماسي اللبناني الذي تولاه الحريري جاءت من قصر الإليزيه تحديداً، إذ أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن "فرنسا تكثف الاتصالات في المنطقة منذ حوادث 25 أغسطس بهدف تفادي التصعيد"، لافتة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "تشاور مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الإيراني حسن روحاني في الأيام الأخيرة". يعني البيان الفرنسي أن ثمة إدراكاً دولياً لما يحصل في المنطقة، وأن لبنان-الدولة، لم يعد حتى صاحب كلمة أو تأثير، لفرض معادلات وقف الحرب، التي كان يقوم بها بغطاء من "حزب الله"، وانتقلت بعد الثورة السورية إلى اليد الإيرانية مباشرة، خصوصاً أن السنوات الأخيرة شهدت تغيراً واضحاً في قواعد الاشتباك، ولم يكن للبنان أي موقف أو تعليق منها، إذ أنها المرة الثانية التي يرد فيها "حزب الله" على عمل عدائي ضده وضد إيران في سورية من لبنان، بعد عملية في مزارع شبعا في عام 2015، التي جاءت رداً على استهداف ستة من عناصر "حزب الله"، بينهم القائد العسكري محمد عيسى، وجهاد مغنية، نجل القائد العسكري عماد مغنية، وأيضا الجنرال في الحرس الثوري الإيراني محمد علي الله دادى في منطقة القنيطرة في سورية. مع العلم أن العملية الأخيرة جاءت رداً على الاستهداف الذي حصل في دمشق وليس بسبب الطائرتين المسيّرتين. وهو ما ظهر في إصدار الحزب بياناً يتبنّى فيه العملية باسم "مجموعة الشهيدين حسن زبيب وياسر ضاهر".

عملياً، فرض "حزب الله" معادلات جديدة تتخطى الدولة اللبنانية. وقال الحريري مراراً ذلك، في سياق سياسة مهادنة الحزب داخلياً، مستنداً إلى تحول ملف "حزب الله" إلى ملف إقليمي ودولي، وبالتالي لم يعد للبنان قدرة على التأثير فيه. كما أنه من جملة ما يمكن رصده في الساعات الأخيرة، غياب الموقف المعتاد لبعض القوى السياسية التي عادة ما تتحدث في مثل هذه الظروف عن ضرورة الاستراتيجية الدفاعية، وعن قرار الحرب والسلم، وعن حصره بيد الدولة، باستثناء موقف حزب الكتائب، ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، في ظلّ تكرار إسرائيل معزوفة استهداف لبنان في الفترة الأخيرة، وتحميل لبنان-الدولة مسؤولية أي عملية لـ"حزب الله". ووسط غياب المواقف السياسية وللدولة اللبنانية، يبقى الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية، وكأنه "مضى عليه الزمن"، وفق تعبير أحد قيادات قوى "14 آذار" السابقة، وذلك لجملة من الاعتبارات، أولها أن هذه الاستراتيجية كان الهدف منها حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، فيما دور "حزب الله" اليوم بات أكبر بكثير في ظلّ الصراع الأميركي-الإيراني، مع إمساكه بالقرار السياسي اللبناني.


المساهمون