مهرجان القاهرة السينمائي: آمال على عتبات الختام

17 نوفمبر 2014
من "باب الوداع" لـ كريم حنفي
+ الخط -

لا يختلف اثنان من متابعي السينما المصرية على أنها تمرّ في أزمة. إنها، بكلمة أخرى، في حالة توقف شبه تام، منذ ثورة 25 يناير، لولا إنتاجات بعض الشركات الخاصة. هذا الحال المتردّي تزيده سوءاً تدخلات الدولة، بين حين وآخر، لتمنع فيلماً لا يوافق مزاجها المتقلب هنا، وتسحب آخر من صالات العرض هناك.

وسط هذا المشهد المأزوم الذي يمر به الفن السابع في المحروسة، انطلقت، الأسبوع الماضي، الدورة 36 من "مهرجان القاهرة السينمائي"، بعد توقف دام ثلاث سنوات. عودة إلى المهرجان عُلقت عليها آمال كثيرة، وواجهتها، في الوقت نفسه، صعوبات أكثر، أبرزها تلك التساؤلات حول دوره في إخراج الفن السابع في البلد من أزمته، وكذلك قدرته على استعادة مكانته الريادية في السينما العربية أمام تقدم مهرجانات أخرى، سخية في تمويلها وبرامجها وجذبها للإنتاجات الأجنبية، كمهرجاني دبي وأبو ظبي.

تضاف إلى هذه التوقعات والآمال السينمائية، آمال مصرية، أو حكومية، خاصة، كتلك المتعلقة بالسعي إلى إعادة تنشيط السياحة في البلد من باب هذه الفعالية السينمائية، وتقديم صورة أخرى عن الوضع في البلد.

بين هذا الأمل وذلك التشاؤم، انطلق المهرجان مساء التاسع من الشهر الجاري، في قلب القاهرة، قلعة صلاح الدين الأيوبي، وسط تفاوت الآراء بين مستاء من ضعف التنظيم، ومدافع عن ضرورة الفعالية كأحد عوامل حرب النظام الحالي على ما يسميه الإرهاب.

السجادة الحمراء ازدحمت بالنجوم والصحافيين الذين تسابقوا إلى اقتناص الأحاديث من هذا أو تلك، حتى وقعت مناوشات ومشاجرات بين بعضهم. ورغم روعة المكان، فإن التنظيم لم يضع في حسبانه برودة الجو وتيارات الهواء التي اضطرت بعضهم إلى مغادرة حفل الافتتاح باكراً، وصعّبت الاستماع إلى ما يُقال على المسرح، رغم تجهيزات الصوت الجيدة نسبياً. هذه المشاكل التقنية اضطرت قناة "نايل سينما"، التي نقلت الاحتفال على الهواء، إلى الاعتذار لمشاهديها عن رداءة الصوت، محمّلة الإخراج المسرحي عواقب هذا الخطأ.

كان الافتتاح، على أي حال، متخماً بالكثير من التكريمات والاحتفاءات التي جعلت منه حفلاً "نوستالجياً". هكذا، احتفى، عبر شريط تسجيلي، بالمخرج الراحل هنري بركات، وكرّم كلاً من نادية لطفي (التي لم تحضر، واكتفت بنقل صورتها عبر فيديو مسجل، دون إعلان أسباب واضحة لعدم الحضور هذا)، والناقد والكاتب المغربي نور الدين صايل، الرئيس السابق لـ"المركز السينمائي المغربي". كما كرم المهرجان المخرج الألماني فولكر شلوندورف، صاحب "شرف كاترينا بلوم الضائع" و"طبل الصفيح" (مقتبس من رواية بالعنوان نفسه للنوبليّ، الألماني الآخر، غونتر غراس) الذي حصد سعفة "كان" الذهبية، وأوسكار أفضل فيلم أجنبي، عام 1979.

وإذا كانت هذه التكريمات قد مرّت بـ"سلامة"، إلا أن الاحتفاء بجاك لانغ، السياسي الفرنسي ورئيس "معهد العالم العربي" في باريس، قد أثار نوبة اعتراض لدى مجموعة من الصحافيين. وعلّق رئيس لجنة المشاهدة في المهرجان، عصام زكريا، على الموضوع بالقول إن كل ما شغل بعض الصحافيين، من بين أخبار دورة المهرجان الجديدة، كان تكريم لانغ الذي "لا يستحق التكريم في رأيهم، ولا زيارة مصر من الأساس، لأنه شاذ ومنحرف جنسياً".

ويضيف زكريا أنه "وبغض النظر عن الاتهامات العشوائية، فإن أحداً من هؤلاء لم يشغل باله لحظة ليبحث اسم جاك لانغ وتاريخه السياسي والثقافي والدور الذي لعبه في توطيد العلاقات العربية الفرنسية". وعلى أي حال، فإن لانغ لم يحضر المهرجان، في ما اعتبره بعض الصحافيين، كما قال زكريا، تصديقاً لاتهاماتهم!

بعيداً عن هذه الأجواء الموتورة التي سبقت افتتاح المهرجان ورافقته، فإنه يمكن الحديث عن برنامجه والأفلام التي اختارها لدورة هذا العام، والتي عبّرت، إلى حد بعيد، عن رغبة القائمين عليه، وعلى رأسهم الناقد سمير فريد، مدير هذه الدورة، في النهوض بحاله والخروج من عثرته.

وضمّت قوائم الأقسام الرسمية في هذه الدورة 64 فيلماً طويلاً من 30 دولة، بحضور أوروبي تمثل بـ 28 فيلماً، مقابل ستة من دول أميركا اللاتينية، وخمسة أفلام من الولايات المتحدة وكندا. ومن بين هذه الأفلام 48 شريطاً يُعرض للمرة الأولى في العالم العربي وأفريقيا، إضافة إلى 5 أفلام تعرض للمرة الأولى خارج بلد الإنتاج، وأربعة أفلام تُعرض للمرة الأولى عالمياً.

ويسجل على دورة هذا العام غياب صنّاع السينما المصريين الشباب، باستثناء كريم حنفي، الذي شارك بفيلمه الروائي الطويل الأول، "باب الوداع"، في المسابقة الرسمية، وأحمد عبد الله، الذي عُرض فيلمه "ديكور" على هامش المسابقة.

في حديثه مع "العربي الجديد"، يقول كريم حنفي إن "أي مهرجان جيد يعني، بالضرورة، صناعة سينما أفضل، ويساهم بشكل أكبر في التواصل بين العاملين المصريين في السينما، والآخرين. ليس من السهل على السينمائي المصري، الذي يشتغل فناً غير تجاري، السفر لمقابلة سينمائيين وموزعي أفلام ونقاد أجانب وممولين، يساعدون في منح هذا السينمائي فرصة ما. ولهذا، فإن المهرجان مناسبة جيدة للالتقاء بكثير من هؤلاء هنا، في مصر".

ويرى حنفي أن تنظيم المهرجان جيد. لكنه يشير إلى أن "الحفلات المبهرة ليست العنصر الوحيد الذي يمكن من خلاله الحكم على مهرجان. اختيارات أفلام هذه الدور هي التي تجعل منها دورة قوياً وجيدة، يضاف إليها الجهد الذي بذله فريق عمل المهرجان، بدءاً من سمير فريد ومروراً بمحمد سمير ومنى أبو هيبة ودينا حرب وجوزيف فهيم". لكن حنفي يستدرك أن "علينا ألا ننسى أن وزارة الثقافة هي التي تنظم المهرجان، وبالتالي، فإنها لا تستطيع تجاوز ترهل الجسد الوظيفي والهرمي التابع لها، ولا سوء أداء بعض العاملين في حقل السينما والصراعات الشخصية بينهم، والتي لا يمكن تفاديها ولا تفادي تأثيرها السيئ على تنظيم المهرجان".

تفصلنا ليلة واحدة عن ختام المهرجان، وإعلان الأفلام الفائزة. ورغم كل التحفظات التي رافقت تفاصيله التنظيمية، أو التكريمات، أو حتى مشاهد بعض الأفلام (كالاعتراض الواسع على مشهد "الشذوذ الجنسي" في فيلم "خرائط إلى النجوم" لديفيد كروننبرغ)، إلا أن ذلك لم يمنع الناس من الوقوف في صفوف طويلة أمام أبواب قاعات العرض التي غالباً ما كانت مملوءة عن آخرها.

المساهمون