مهرجان الفجر السينمائي في إيران: جدل ونساء وانتقادات

08 فبراير 2019
تعلن النتائج يوم الأحد (فرانس برس)
+ الخط -

منذ عام 1983، يتخلّل احتفالات الذكرى السنوية للثورة الإسلامية في إيران حفل سينمائي ضخم، لا يتّسق كثيرًا مع بقية الحفلات التي تقام في هذه المناسبة، شكلاً ومضمونًا. تعكس هذا انتقادات سنوية لأنصار الثورة تجاهها، تتّخذ أحيانًا طابعًا هجوميًا على بعض الأفلام المعروضة، وعلى مخرجيها والعاملين فيها.
هذا الحفل هو أبرز حدث فني يشهده البلد، ويعرف بـ"مهرجان الفجر السينمائي"، الذي تُقام دورته الـ37 حاليًا في طهران.
أُقيم الافتتاح مساء الثلاثاء، 5 فبراير/ شباط الحالي، انطلقت فعاليات مهرجان الفجر السينمائي، بحضور نجوم السينما الإيرانية ومسؤولين إيرانيين، في قصر "ملت" السينمائي شمال العاصمة الإيرانية.
شهد الافتتاح حدثين مثيرين للجدل: الأول، قيام مغنية إيرانية بالغناء منفردة أمام الحضور، إذْ يحظّر في إيران غناء المرأة وحدها، ويُسمح لها بذلك مع مجموعة رجال، كي يتداخل صوتها مع أصواتهم ولا يعلو وحده. هذا أثار ردود فعل واسعة من التيار الديني المحافظ، إذْ نقلت وكالة "فارس" للأنباء عن المرجع الديني الشيعي آية الله نوري همداني قوله إن افتتاح "مهرجان الفجر السينمائي" شهد "سلوكيات لا تتوافق مع قيم الثورة الإسلامية"، مؤكّدًا على المعنيين "ألا ينتهكوا هذه القيم تحت ذريعة الاحتفال بالثورة".
في تعليق له على الحدث، نقلته وكالة "إيسنا"، قال رئيس منظمة "باسيج المستضعفين" إن "تصرّفات مناهضة لقيمنا الأخلاقية" تخلّلت الافتتاح، مُطالبًا القائمين على المهرجان بـ"الاعتذار" من الشعب الإيراني.
أمام هذه الردود الغاضبة، قدّم وزير الثقافة الإيراني عباس صالحي، الذي حضر الحفل، رواية أخرى عن الحدث، مؤكّدًا ـ في تغريدة له على صفحته في "تويتر" ـ على أنه يسمع أصواتًا مشتركة من فريق الغناء من دون غناء منفرد لامراة. وبرّر "مكتب العلاقات العامة" في المهرجان ما حدث بالقول إن خطأ فنيًا في البثّ التلفزيوني حصل، إذْ لم يغط أصوات أعضاء الفريق جميعهم.

أما الحدث الثاني، فتمثّل بكلمة الممثلة الإيرانية فاطمة معتمد آريا، انتقدت فيها السياسات الرسمية تجاه السينما في العقود الأربعة الماضية، أي بعد انطلاق الثورة الإسلامية في إيران، قائلة "إني أينما ذهبت خلال 40 عامًا، أوقفوني ووضعوا عقبات أمامي، لأني أقول إن للمرأة قيمة سامية. لكن هذه العراقيل دفعتني إلى إحداث طفرة في حياتي".
أثار التصريح حفيظة التيار المحافظ، فهاجمت صحف ومواقع شخصيات محافظة الفنانة معتمد آريا، وفي مقدمتها الصحيفة المتشدّدة "كيهان"، التي وصفتها بـ"العجوز" و"غير المنصفة"، مضيفة أن هذه الممثلة "نالت النصيب الأكبر في السينما الإيرانية، في الأعوام الـ40 الماضية"، لكنها في حفل "يتظاهر بأنه لأجل الثورة"، تطرح "هذه المزاعم السخيفة".

من ناحية أخرى، يُشارك 47 فيلمًا في أقسام المهرجان الخمسة: 3 أفلام تحريك، و10 في الرؤية الحديثة، و5 وثائقيات، و7 أفلام قصيرة، و22 في فئة "سوداي سيمرغ"، وهو القسم الرئيسي. وتُعرض أفلام الدورة هذه (30 يناير/ كانون الثاني ـ 10 شباط/ فبراير 2019) في صالات سينمائية في طهران، بالتزامن مع عرضها في المحافظات الإيرانية الـ31 (صالتان في كل محافظة). ومنها: "ليلة اكتمل فيها القمر" لبرجس أبيار، و"غلامرضا تختي" لبهرام توكلي (أسطورة المصارعة الإيرانية الراحل غلامرضا المتوفى عام 1968 في ظروف غامضة)، الذي عُرض في حفلة خاصة بالمكفوفين، و"قصة منتصف اليوم" لمحمد حسين مهدوبان، و"هندي أحمر" لنيما جاويدي، و"كل متر بستة ونصف" لسعيد روستابي، و"القسم" لمحسن طايندة، و"بنفسجي أفريقي" لموناد زندي، و"التأتأة" لمحمد رضا حاجي غلامي، الذي عُرض لأطفال الشوارع، في سابقة يشهدها المهرجان.
وتُعلن لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية ـ المنتجان محمد مهدي دادغر ومحمد رضا تخت كيشان، والمخرج شهرام أسدي، والسيناريست محمد رضا هنرمند، والكاتب أكبر نبوي، والمخرج الفني إيرج رامين فر، والممثلة رؤيا نونهالي ـ بعد غد الأحد، 10 فبراير/ شباط الحالي، النتائج النهائية.
ما يميز الدورة الـ37، بحسب بعض خبراء الفن الإيرانيين، هو التنوع والزخم على مستوى الموضوعات والمضامين التي توزّعت على الاجتماعي والجنائي والرياضي والحربي والكوميدي والتاريخي والأكشن والمقاومة. كما أنها لقيت إقبالاً أكبر من سابقاتها، إذ يقول محسن دهقاني، مسؤول موقع "سينما تيكت" (أكبر موقع إلكتروني لبيع تذاكر دور السينما في إيران)، لوكالة "إيلنا" الإيرانية، إن 77 ألف تذكرة تمّ بيعها في الدقائق الـ20 الأولى على طرح التذاكر على الموقع، في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي.



إلى ذلك، ورغم الإشادة بجوانب تنظيمية وفنية مختلفة في هذه الدورة، إلا أن انتقادات مختلفة عبّر عنها نقاد فنيون في الإعلامين الإصلاحي والمحافظ، إذْ اتفقت وسائل إعلام إصلاحية، كصحيفة "آرمان"، مع الإعلام المحافظ على انتقاد نوعية أزياء الممثلين والممثلات خلال حفل الافتتاح. ومن الانتقادات الأخرى: "الانتقائية في اختيار الأفلام وأعضاء لجان التحكيم"، و"مستوى بعض الأفلام"، و"تركيز المهرجان في طهران"، و"نقص الخبرة العلمية لدى بعض النقاد للأفلام"، و"انعدام استراتيجية محدّدة للمهرجان".
وتساءلت صحيفة "اعتماد": "هل تمّ اختيار الأفلام المعروضة كلّها عبر اللجنة المعنية؟"، مضيفة أن هذا السؤال يُطرح بعد 6 أيام على بدء الدورة الجديدة، لأنها "تخلو من أفلام ترتقي إلى مستويات مقبولة ومتوسطة، ما عدا أفلام لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة". وقالت الصحيفة إن ذلك يحدث بينما السينما الإيرانية غنية، لكن "الانتقائية" حالت دون وصول بعض الأعمال لبعض المخرجين المخضرمين أو الشباب إلى المهرجان وعرضها فيه.
بدوره، قال الناقد السينمائي رضا درستكار لوكالة "فارس" المحافظة إن الدورة الحالية تنعقد من دون أن تكون لها استراتيجية وتخطيط واضحان، مضيفًا أن الدورات السابقة كانت تتّسم أهدافها وبرامجها بوضوح أكثر.

دلالات
المساهمون