مهرجان "الكيركبينار"... والبهلوانات

09 يوليو 2016
أصول المهرجان تعود إلى سنة 1346 (Getty)
+ الخط -
منذ نحو 700 سنة والعديد من المصارعين (البهلوانات) يفدون سنوياً في شهر يوليو/ تموز إلى مدينة أدرنة الحدودية التركية لحضور "الكيركبينار" Kırkpınar، أو مهرجان المصارعة بالزيت، حيث يُقبِل المصارعون بمختلف الأحجام والأوزان، لا يرتدون سوى سروال طويل من الجلد الأسود، وقد غطوا أجسادهم كلها بزيت الزيتون، حيث يتصارعون رجلاً لرجلٍ، إلى أن يبقى منهم مصارع واحد فقط لم يهزم؛ ليحصل على لقب "البهلوان الرئيس" وينال الحزام الذهبي للمهرجان.
تستمر الفعاليات التي يحضرها آلاف الزائرين لمدة أسبوع، وهو من الأحداث التي يدرجها اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي. ويقال إن هذا الحدث هو الأطول عمراً في تاريخ العالمن وإن أصوله تعود إلى سنة 1346م، عندما شعر المغيرون العثمانيون بالملل والحاجة إلى الترويح والتغيير، فبدأوا أولا في ممارسة المصارعة ضمن مجموعات من أربعين رجلاً. وكان اثنان منهم قد ظلا يتصارعان طوال الليل حتى توفيا أثناء المسابقة، فدفنهما رفاقهما تحت شجرة تين، وعندما وصل بعض الناس إلى المكان بعد ذلك وجدوا نبع مياه رائقة شفافة حول الشجرة، ويجري النبع باتجاه المكان المسمى "كيركبينار" أي: "الأربعون نبعاً" باللغة التركية.
واليوم تواصل كيركبينار ذلك التقليد بمهرجان أسطوري تنافسي، ومن حسن حظ المصارعين أنهم لا يواجهون خيار "حتى الموت"، ومع ذلك يأخذون الأمر على محمل الجد تماماً، ومعظمهم يتدرب لسنوات عديدة مع مدربين محترفين، كي يكونوا جاهزين في يوم الاحتفال السنوي.
مصارعة الزيت، اليوم، مفتوحة أمام الرجال من كل الثقافات والمناطق والأعمار دون تمييز في الدين أو العرق أو اللغة. وينظر المجتمع هناك إلى البهلوانات كشخصيات نموذجية لها سمات نبيلة كالكرم والصدق والاحترام والتمسك بالتقاليد والأعراف؛ فهم أبطال بكل معنى الكلمة في الثقافة التركية.
يعطي راعي المهرجان، ويسمى "أغا الكيركبينار"، إشارة البدء في حفل يضم 40 فرقة من عازفي الطبول. وجائزة المسابقة حزام ذهبي يطاف به في المدينة بموكب مهيب، يليه إقامة الصلاة في مسجد "السليمية". تقام حلقات المصارعة عادة في ملعب الرجال في أدرنة. قائد الاحتفالات والذي يمكن أن يكون مذيع الحفل ومطلق الشعارات والمشجع خلال المباريات (وهو نفس المعلق خلال الخمسين سنة الماضية) يقدم البهلوانات للمشاهدين، ويتلو أسماءهم وألقابهم ومهنهم بطريقة نثرية وشعرية. أما الرجل المسؤول عن الزيت فيقوم بإغراق المصارعين به، ويساعده حامل المنشفة قبل القيام بتمارين الإحماء وتحية الخصم.
تبدأ المصارعة؛ فتعزف فرقة الطبول وفرق "الشوام" اللحن التقليدي للمهرجان؛ فتشعرُ كأنك داخل فيلم عن العصور الوسطى. ثم يبدأ صياح الجماهير، وضرب المتنافسين على الأفخاذ والخطوات العالية، وتحية المتنافسين بعضهم بعضاً في لقطات تمثيلية، ثم انحناؤهم بسرعة للإمساك بسيقان منافسيهم لإيقاعهم أرضاً.
وعندما يتصارع عشرون زوجاً من الرجال في وسط الحلبة فإن المباريات تبدأ بأن يشبك الرجال أذرعهم ويحافظوا على رؤوسهم قريبة من أجسادهم، فمن الشائع في اللعبة ضرب المنافس على رأسه بصفعة قوية، لإصابته بالدوار وتشويشه، من أجل القضاء عليه.

المساهمون