مهدي عباس: تأسيس أرشيف علميّ عراقي

12 ديسمبر 2018
"الأوديسيه العراقية" لسمير: ذاكرة سينما وتاريخ بلد (فيسبوك)
+ الخط -
تشكو الذاكرتان البصرية والثقافية في العراق ضعفًا وعدم امتلاك استراتيجية مُحدّدة في التوثيق، فضلاً عن تخلّفٍ في استيعاب الوسائل التكنولوجية الحديثة في هذا المجال. بفضل مبادرات فردية لم تحظَ بدعم مؤسّساتي، وثَّق البعض هاتين الذاكرتين، أبرزهم الباحث والمؤرّخ السينمائي مهدي عباس، الذي أصدر ـ منذ أكثر من ربع قرن ـ 20 كتابًا متخصّصًا في توثيق الذاكرة البصرية العراقية، بجهدٍ فردي. 

عن طبيعة عمله في هذا المجال رغم افتقاد العراق خطّة كهذه، قال عباس: "للأسف، لم تكن هناك أي استراتيجية ثابتة ومحدَّدة لتوثيق الذاكرة الثقافية في العراق، خصوصًا في المجال السينمائي. عندما أردتُ الاستعانة بأرشيف "دائرة السينما والمسرح" ووثائقها في تسعينيات القرن الـ20، وكنتُ حينها مسؤولاً عن صفحة السينما في جريدة "الجمهورية"، صُدمت صدمةً كبيرة إذْ لم أعثر على أية وثيقة عن أي فيلم أبحث عنه، بل مجرّد صُوَر لبعض ما نشرته في الجريدة. عندما استفسرت عن الموضوع، قيل لي إنّ الراحل أحمد فياض المفرجي أخذ كلّ أرشيف السينما ووثائقها إلى بيته. وبسبب خلافٍ ما، أحرق الأرشيف والوثائق كلّها. هذه مأساة حقيقية يعرفها مهتمّون كثيرون بالموضوع".

أضاف عباس: "استمرّ الإهمال إلى الآن، إذْ لا توجد ملفات خاصة بالأفلام العراقية، ويصعب على أي باحث العثور على معلومات أو صُوَر عنها. هناك عشرات الطلبة الباحثين، وبعضهم يعمل على رسائل جامعية عن السينما العراقية، لجأ إليّ للاستفادة من أرشيفي الخاص ومؤلّفاتي". وعن الخطوات والأدوات والإجراءات التي استعان بها في لملمة الذاكرة السينمائية، أشار إلى أنه منذ السبعينيات الماضية يواظب على توثيق كل ما يعرض وينتج من أفلام: "كنتُ دقيقًا في توثيق هذه الأعمال، بما فيها تاريخ عرضها (اليوم والشهر والعام) ودار العرض، وتوثيق المعلومات الخاصة بالفيلم. لتوثيق الأفلام المنتجة قبل تلك الفترة، استعنت بصحف ومجلات قديمة، وبفنانين عاملين فيها. كنتُ أبحث في الأسواق والمكتبات القديمة عن ملصقات و"فولدرات" الأفلام لتكوين أرشيف دقيق ومتكامل عنها".

وعمّا إذا أثّرت الفوضى وسرقة الوثائق في أحداث عام 2003 على عمله، أجاب: "كما قلتُ سابقًا، لم يكن لـ"دائرة السينما والمسرح" أرشيفٌ وثائقي وبصري لمعظم الإنتاج السينمائي العراقي قبل ذاك العام. لكن هناك أرشيف للأفلام العراقية سُرِق معظمه للأسف، ففُقِدَت أفلام عراقية كثيرة تمّ استرجاع بعضها لاحقًا".

يقول البعض إنّ مهدي عباس يعمل وحده لكن بـ"روح مؤسّسة متخصصة"، لكن الراحل أحمد فياض المفرجي سبقه في هذا، وإنْ عمل بدعم "دائرة السينما والمسرح". قال عباس: "لا أحد ينكر الجهود الكبيرة للمفرجي في توثيق الفنون العراقية، ومنها السينما. أنا استفدتُ كثيرًا من معلومات كان ينشرها هنا وهناك، ومن مؤلّفاته، كـ"فنانو السينما في العراق" و"وثائق السينما العراقية". هو بلا شك رائد التوثيق السينمائي في العراق من دون منازع، لكنه لم يُنجز "فيلموغرافيا" الأفلام العراقية، بل توزّعت معلوماته في كلّ مكان، وبعضها غير دقيق، حاولتُ تصحيحه في مؤلّفاتي بعد مشاهدتي أفلامًا عراقية موجودة في الدائرة".



أضاف عباس: "منذ أعوام عديدة، أعمل منفردًا في هذا المجال. كما تعرف، التوثيق عملٌ مؤسّساتي يحتاج إلى قسم متكامل لتوثيق كلّ ما له علاقة بالسينما العراقية. لكن مؤسّساتنا الفنية، خصوصًا "دائرة السينما والمسرح"، تفتقد أقسامًا كهذه، وتفتقد خطة ممنهجة لتوثيق الإنتاج السينمائي العراقي". أضاف أنه "لمتابعة الحركة السينمائية في العراق بشكل دقيق، يجب متابعة كل ما يُنتج من أفلام، وكلّ نشاط سينمائي في كلّ المحافظات كما في إقليم كردستان، بالإضافة إلى سينمائيي المهجر. هذا ما أفعله وحدي لإصدار دليل سنوي للسينما العراقية"، وأشار إلى أن هناك أفلامًا ومهرجانات تنظّمها كليات ومعاهد السينما في العراق يجب متابعتها ورصدها وتوثيقها: "أحيانًا، أشعر بتعب شديد من المتابعة الكثيرة، وأفكّر في التخلّي عن هذا الموضوع نهائيًا، فلا أحد يتعاون معي، وحين تُنهي كتابك السنوي يُفترض بوزارة الثقافة أن تتبناه وتطبعه طباعة راقية، فهذا دليل سنوي للسينما العراقية. لكن لا أحد في القطاع الخاص يطبعه، بحجة عدم وجود مخصّصات مالية، ما يضطرني أحيانًا إلى طبعه بمساعدة مهتمّين، ومنهم مدير "شركة السينما العراقية" زيد فاضل".

وعمّا إذا كان له تصوّر لحفظ الوثائق، خاصة الفنية منها، قال: "كلّ مؤسّسة ثقافية متخصّصة في الأدب أو المسرح أو الموسيقى أو السينما، يجب أن يكون لها قسم للتوثيق. في السينما مثلاً، يجب أن تكون هناك ملفات كاملة للأفلام العراقية كلّها، تضمّ صورًا ووثائق وكلّ ما يُكتب ويقال عنها، وتوثيق عروض كلّ فيلم ومشاركاته الداخلية والخارجية، والجوائز التي يحصل عليها. هذا يشمل أفلام عراقيي المهجر وإقليم كردستان والمحافظات والمؤسّسات الفنية. القسم لا يحتاج إلى موظفين عاديين، بل ذوي خبرة ووعي بالموضوع، كونه موضوعًا مهمًّا يتعلّق بالتاريخين الفني والثقافي للبلد".
المساهمون