من وحي الخيال..نصائح محرز لصلاح

21 مارس 2018
محمد صلاح ورياض محرز (Getty/العربي الجديد)
+ الخط -

الساعة تشير إلى السابعة صباحاً، كعادته يجلس رياض محرز أمام حاسوبه، حتى يطالع ما ورد في الصحف، والشاي الساخن أمامه، فكل الثقافات المحيطة به الجزائرية، المغربية والهندية، الشاي شيء مقدس، مع كل رشفة يطالع عنواناً، سواء أكانت عناوين كلاسيكية أو مستحدثة، تمتزج فيها المعاني والحروف، وتخلق من خلالها كلمات جديدة في قواميس اللغة الإنكليزية.

كل شيء في الصحف يمجّد صلاح، "سوبر هاتريك" وأرقام "البريميرليغ" تتساقط أمام الفرعون الصغير، كلام عن اهتمام ريال مدريد، وعرض بيريز الذي يطبخ على نار هادئة، إضافة إلى الدخول ضمن أجندة باريس سان جيرمان، هذا الكلام جلب لمحرز عزفا من الحنين أطرب مسامعه، فعادت به عجلة الزمن إلى العام قبل الماضي، واستحضرت ذاكرته كل المانشيتات العريضة التي دونت اسمه، وكل الغزل الذي رسم حبرا أسود على بياض صحف إنكلترا، حتى أصوات المعلقين تَردد صدى أصواتهم في أذنه.

نفس الوضعية، نفس التهليل، نفس المديح لكن في ناديين مختلفين، عند اسم النادي، عاد محرز  إلى واقعه، فتلألأت عيناه حزنا ظل يكظمه في قلبه لعدة شهور، منذ اللحظة التي رفضت فيها إدارة نادي ليستر سيتي عرض نادي مانشستر سيتي في الوقت بدل الضائع، وحرمانه من تحقيق ثاني ألقابه كبطل للبريميرليغ، ومواصلة حلم تحقيق دوري الأبطال.

أخذ محرز رشفة شاي، حتى يزيل الغصة التي سكنت حنجرته وسرقت منه صوته، ثم قرر التكلم بقوة ليخرج كل ذلك الأسى من خلال نبرة صوته، ليمسك هاتفه ويقرر مكالمة صلاح، فقام بطلب الرقم من أحد..

الهاتف يرن..

صلاح: ألو

محرز: مرحبا صديقي

صلاح: معذرة لم أعرفك، هل أنت صحافي؟ أعتذر منك لا يمكنني إجراء أي تصريح قبل المرور على وكيل أعمالي.

محرز: (يضحك) مهلا "صلاا" (بنبرة إنكليزية) أنا محرز.

صلاح: (يصمت قليلا) معذرة رياض لم أعرف رقمك وأعتذر مرة أخرى.

محرز: لا عليك لقد اتصلت بك لأبارك لك نجاحك، ما تقدمه شيء مبهر.

صلاح: شكرا لك "كلو من زوقك" بنبرة مصرية، لا يمكنك أن تتصور كم أنا سعيد بمكالمتك.

رياض: هل تعلم لماذا طلبت رقمك من أحد الصحافيين واتصلت بك؟

صلاح: كيف يمكنني معرفة ذلك، لكن أعرف أخلاقك الطيبة وأصلك الطيب، ربما لتشجعني، فالأمر ليس غريبا عنك يا صديقي؟

محرز: نعم، لكن هناك أمر آخر، أتمنى أن تسمعني جيدا، وأن تأخذ كلامي على محمل الجد، ففي الوقت الذي كنت أعانق فيه السماء، تمنيت لو اتصل بي أحدهم، لاعبا كان أم صحافيا، حتى من الجمهور أو من متابعي على شبكة التواصل الاجتماعي، تمنيت لو آلمني كلام أحدهم وقتها ومنحني طوق النجاة من طوفان العواطف الذي أغرقني.

صلاح باستغراب: لم أفهمك!!

محرز: لا عليك يا صديقي، ستفهمني عندما أنهي كلامي، لقد كنت مكانك يوما ما، لقد كان اسمي يدوي في كل الملاعب، يزين كل العناوين، ويدغدغ الحناجر، يحضر في كل الأمثلة، يرشح في كل الجوائز، حتى التقارير ربطته بأكبر النوادي في العالم، نفس الأمر الذي يجري معك الآن، وقتها جرفتني العاطفة، كنت أنظر إلى الوراء، لم أفكر، أنظر من أين أتيت، كيف بدأت، فأرى ما أعيشه حلما لا أريد أن أستفيق منه، بالنسبة لي وقتها كنت قد بلغت عنان السماء، وفتح لي المجد ذراعيه، فظننت أن القدر كتب لي هذا اللقاء هنا ولن أرحل منه، لقد كنت عاطفيا أكثر من اللزوم، لم أجد من ينبهني، أن كرة القدم لا تعترف إلا بالمستقبل، أعرف أن ملعب الأنفيلد سيغني لك أنك لن تسير وحيدا، لكن سيأتي يوم وتجد نفسك كذلك، ستسمع أصواتاً كثيرة تقول إن ليفربول نادٍ كبير، نعم هو كذلك ولكن في أوروبا هناك من هو أكبر منه.

قاطعه صلاح: اعذرني صديقي، لكن أنا لم أكن يوما عاطفيا، لقد تركت تشلسي وعدت إلى الصفر، تركت فيورنتينا الذي أنقذني من جحيم مورينيو، ثم تركت روما الذي أعادني إلى الواجهة أوروبيا من جديد بعد سنوات بازل.

محرز: أعرف كل هذا، لكن الأمر سيختلف الآن، في ناديك سيقنعونك أنك أساس مشروع العودة أوروبيا، لا تحمل هذا على عاتقك، سيتعبك كثيرا.

صلاح: حسب رأيك ماذا أفعل؟

محرز: المجد أمامك ينحني، أنت ستكون في المونديال، أكمل الموسم بقوة، اخطف كل الجوائز، ثم ركز كثيرا مع ناديك، لا تجدد عقدك قبلها، امنح أوراقك لوكيل كبير، يجعل ملفك ضمن رفوف الكبار، فيهابه المفاوضون وحتى إدارة ناديك، وبعد المونديال لا تتردد في قبول عروض الكبار، لربما نلتقي مرة أخرى، لكن في صراع كبير في بطولة أكبر مع ناديين كبيرين، لا نعرف ما الذي يخبئه لنا القدر، فكل ما أعرفه، أننا نملك كل شيء لنكون الأفضل.

ما كتبته هو من وحي خيالي، لكنها الحقيقة الدامغة التي أنا متيقن منها، متيقن من طيبة رياض وغياب الحسد من قلبه، ومتيقن من أخلاق صلاح التي شهد بها الجميع، متيقن من حسرة محرز الكبيرة، ومتيقن من حاجة صلاح لها، ومتيقن أن كل من محرز وصلاح يمثلان نموذجاً لنجاح اللاعبين العرب، وأن الاحترام بينهما كبير جدا أكبر من الحرب الضروس التي تقام هنا وهناك بين مشجعيهما.

 

المساهمون