19 نوفمبر 2024
من كانت كليوباترا فعلاً؟
من ذا الذي سيصدّق أن الملكة المصرية كليوباترا (69 - 30 ق.م)، المرأة الأكثر شهرةً في العالم الهلليني - الروماني، التي قيل جمٌّ لا يُحصى عن جمالها وجاذبيتها وسطوتها، فحوّلها إلى أسطورة يعرفها القاصي والداني، ليست على الشيء الكثير مما يروج عنها وتوصف به، في حين تُثبت الوقائع، وعدة بحوث ودراسات من بينها كتابا بيوغرافيا، الأول بعنوان "كليوباترا - حياة"، من تأليف الكاتبة الأميركية ستايسي شيف (جائزة بوليتزر)، والثاني بعنوان "كليوباترا ملكة مصر الأخيرة" للباحثة الأثرية والمختصة بتاريخ مصر، الإنكليزية جويس تيلديسلي، أن كلّ ما ذاع عنها عارٍ من الصحة ومغلوط.
بدايةً، لم تكن كليوباترا من أصول مصرية، وإنما يونانية، بوصفها الوريثة الأخيرة للسلالة التي أسّسها بطليموس الأول، أحد قادة الإسكندر الكبير المقرّبين، عام 305 ق.م. وكانت تحكم من مقرّها في مدينة الإسكندرية اليونانية. والحال أن كل الأساطير التي حيكت عن جمالها الأخّاذ لم تكن أكثر من ترّهات، إذ يُظهر رسمٌ وحيدٌ منقوشٌ على إحدى القطع النقدية امرأة ذات أنفٍ معقوفٍ وذقنٍ بارزٍ وملامح صارمة. ويرجّح أن تكون كأسلافها، مكتنزة الجسد مائلة إلى السُمنة، هي التي كانت أمّا لأربعة أطفال. كذلك ذاع صيتها امرأةً مستخفّة، شغوفة وولعة بالجنس، هي التي تزوجت مرتين من أخويها اللذيْن يصغرانها سنّا لتتخّذ لها لاحقا عشيقيْن اثنين، هما يوليوس قيصر ومارك أنطونيو، في حين أنها كانت سيّدة محنّكة، ذات حسّ سياسي وثقافة عالية في أكثر من علم ومجال، تعمل باستمرار وتسوس بذكاء، هي التي تمكّنت من مقاومة روما والحفاظ على استقلاليتها فترة طويلة.
كليوباترا، كما تصفها الكاتبتان، مقدامة، جريئة، ذكية، خبيرة بقوانين الضرائب، وبليغة تتحدّث، بحسب ما ذكر المؤرّخ بلوتارك، ثماني لغات على الأقل، إضافة إلى المصرية القديمة التي كانت أوّل من أتقنتها من ضمن سلالة بطليموس التي امتد حكمها ثلاثمائة عام. حكمت مصر بحكمة، على الرغم من استيلائها على نصف الضرائب لنفسها، واغتيالها أهلها (عند الضرورة فقط، وكانت تلك عادةً جاريةً آنذاك). وكانت ذات إرادة قوية، وقد لجأت إلى الصحراء السورية حين انقلب عليها زوجها/ شقيقها، بمساعدة الرومان، وعادت إلى قصرها الذي احتلّه يوليوس قيصر، داخل كيس، لا ملفوفةً في سجادة كما هو شائع. والحقيقة أننا لا نعرف الكثير عن طبيعة علاقتها بالقيصر، وهل كان بينهما اتفاقُ مصالح أم علاقة عاطفية. بيد أنها، بعد فترة، انتقلت إلى روما، حيث أقام لها تمثالا مذهّبا في معبد فينوس، وأنجبت له صبيا اعترف بأبوّته له، فكانت علاقتهما أمرا صادما ومغويا في الآن نفسه، في روما حيث لم تكن النساء يتمتّعن بأي استقلالية، يحتللن مواقع خلفّية، ويبقين رهنا لمشيئة رجالهن.
وبقدر ما علا شأن الملكة المصرية إثر علاقتها بيوليوس قيصر، تدهورت مكانتُها حين ارتبطت بعشيقها أنطونيو الذي تطلّق من زوجته أوكتافيا (شقيقة أوكتاف/ الإمبراطور أوغست المقبل، الذي كتب ضدها وشوّه صورتها ولقبها بالمصرية) ليسقط وعشيقته في شرك المكائد التي كانت تُحاك في روما، فينجب منها أطفالا ثلاثة، يعد بوهبهم أقاليم رومانية، وبلدانا كاملة حتى. وفي النهاية، وبعدما وقعت في أيدي الرومان، قرّرت أن تنتحر، لا بوضع ثعبان سام على صدرها على ما روي عنها، وإنما بسمّ من السموم التي كانت تختبر أنواعها على خدمها وعبيدها.
تهيمن أسطورة كليوباترا منذ ألفي عام، وإذ تسعى الكاتبتان، وآخرون كثر من قبلهما ومن بعدهما، إلى إماطة اللثام عن حقيقتها عبر تخليصها من التحريف والمبالغة، تثبت اكتشافاتٌ أثرية حديثة منذ العام ألفين، وفي مقدمتها مجموعة من نحو عشرين قطعة نقدية كانت رائجة في الإسكندرية، وفي مناطق الشرق الأدنى التي عهد أنطونيو لكليوباترا بإدارتها، أن هذي الأخيرة لم تكن تكترث لجمال شكلها، بقدر ما أرادت أن تبرز بمظهر قائدة سياسية وسيدة حديدية، تفرض رؤيتُها التهيّبَ والاحترام.
هكذا تتجلّى حقيقةُ الملكة المغوية واللافتة في آن، شديدة الذكاء والثقافة والشجاعة والحضور، التي لم تحتملها، على ما يبدو، العقلية الذكورية لمؤرخي عصرها الرومان، فكان أن حوّلوها إلى مجرّد دميةٍ جميلة، لعوبة، هي التي تمكّنت من إخضاع أهمّ قائدين كبيرين، عرفتهما روما آنذاك.
كليوباترا، كما تصفها الكاتبتان، مقدامة، جريئة، ذكية، خبيرة بقوانين الضرائب، وبليغة تتحدّث، بحسب ما ذكر المؤرّخ بلوتارك، ثماني لغات على الأقل، إضافة إلى المصرية القديمة التي كانت أوّل من أتقنتها من ضمن سلالة بطليموس التي امتد حكمها ثلاثمائة عام. حكمت مصر بحكمة، على الرغم من استيلائها على نصف الضرائب لنفسها، واغتيالها أهلها (عند الضرورة فقط، وكانت تلك عادةً جاريةً آنذاك). وكانت ذات إرادة قوية، وقد لجأت إلى الصحراء السورية حين انقلب عليها زوجها/ شقيقها، بمساعدة الرومان، وعادت إلى قصرها الذي احتلّه يوليوس قيصر، داخل كيس، لا ملفوفةً في سجادة كما هو شائع. والحقيقة أننا لا نعرف الكثير عن طبيعة علاقتها بالقيصر، وهل كان بينهما اتفاقُ مصالح أم علاقة عاطفية. بيد أنها، بعد فترة، انتقلت إلى روما، حيث أقام لها تمثالا مذهّبا في معبد فينوس، وأنجبت له صبيا اعترف بأبوّته له، فكانت علاقتهما أمرا صادما ومغويا في الآن نفسه، في روما حيث لم تكن النساء يتمتّعن بأي استقلالية، يحتللن مواقع خلفّية، ويبقين رهنا لمشيئة رجالهن.
وبقدر ما علا شأن الملكة المصرية إثر علاقتها بيوليوس قيصر، تدهورت مكانتُها حين ارتبطت بعشيقها أنطونيو الذي تطلّق من زوجته أوكتافيا (شقيقة أوكتاف/ الإمبراطور أوغست المقبل، الذي كتب ضدها وشوّه صورتها ولقبها بالمصرية) ليسقط وعشيقته في شرك المكائد التي كانت تُحاك في روما، فينجب منها أطفالا ثلاثة، يعد بوهبهم أقاليم رومانية، وبلدانا كاملة حتى. وفي النهاية، وبعدما وقعت في أيدي الرومان، قرّرت أن تنتحر، لا بوضع ثعبان سام على صدرها على ما روي عنها، وإنما بسمّ من السموم التي كانت تختبر أنواعها على خدمها وعبيدها.
تهيمن أسطورة كليوباترا منذ ألفي عام، وإذ تسعى الكاتبتان، وآخرون كثر من قبلهما ومن بعدهما، إلى إماطة اللثام عن حقيقتها عبر تخليصها من التحريف والمبالغة، تثبت اكتشافاتٌ أثرية حديثة منذ العام ألفين، وفي مقدمتها مجموعة من نحو عشرين قطعة نقدية كانت رائجة في الإسكندرية، وفي مناطق الشرق الأدنى التي عهد أنطونيو لكليوباترا بإدارتها، أن هذي الأخيرة لم تكن تكترث لجمال شكلها، بقدر ما أرادت أن تبرز بمظهر قائدة سياسية وسيدة حديدية، تفرض رؤيتُها التهيّبَ والاحترام.
هكذا تتجلّى حقيقةُ الملكة المغوية واللافتة في آن، شديدة الذكاء والثقافة والشجاعة والحضور، التي لم تحتملها، على ما يبدو، العقلية الذكورية لمؤرخي عصرها الرومان، فكان أن حوّلوها إلى مجرّد دميةٍ جميلة، لعوبة، هي التي تمكّنت من إخضاع أهمّ قائدين كبيرين، عرفتهما روما آنذاك.