من جيرونا إلى مانشستر..قصة الدجاجة التي تبيض ذهباً لغوارديولا

27 يونيو 2017
بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي (Getty)
+ الخط -
"ليست بالسهولة التي تظنونها. الأمر معقد للغاية هنا، ولا يرتبط بفكرة الدوري الأقوى كما يفضل معظمكم سماع ذلك، فالفريق الرديف يضم مجموعة مواهب مميزة لكن لا توجد تنافسية، لأن بطولات الشبان ضعيفة ولا تقارن أبدا بقوة البريميرليغ، ولا حتى تقترب منه على كافة المستويات. بالتالي من الصعب الدفع بالأسماء الصاعدة في التشكيلة الأساسية للسيتي بالدوري والكأس، إنها معادلة صعبة للغاية تحتاج إلى عمل مضاعف لفك طلاسمها"، هكذا جاءت تفاصيل المحادثة، التي دارت بين بيب غوارديولا وأحد الصحافيين الإنكليز خلال مؤتمر صحافي سابق، ودار النقاش حول مدى استفادة مانشستر سيتي من قاعدة الناشئين في أكاديميته الكروية.

بطولات الرديف
يضع ملاك السيتي اهتماماً مضاعفاً بفرق الشباب، ويدفع المدراء بسخاء للتعاقد مع المواهب الصاعدة في إنكلترا وأوروبا، لدرجة أن النادي بات يهدد المنافسين في هذا المجال. وتتمتع الفئات السنية داخل المجموعة بمستوى معقول، ففريق 23 سنة يحتل المركز الثاني في ترتيب البريميرليغ 2 لمجموعات تحت 23 و21 وما هو أدنى.

تعتبر هذه المسابقة ضعيفة بعض الشيء، لأنها تخص اللاعبين الصغار الذين يفتقرون إلى الخبرة والنجاعة، لذلك هي أقرب إلى النسخة الودية منها إلى الرسمية، ويحتاج لاعبو السيتي إلى قدرات مضاعفة حتى يتكيفوا مع الفريق الأول ومتطلبات بيب، لتحدث الفجوة بين الطموح والواقع هنا، ويجد الجهاز الفني نفسه أمام مأزق حقيقي في كيفية استغلال الموهبة دون الإخلال بموقع الفريق بمختلف البطولات.

يختلف الأمر كثيراً في إسبانيا على سبيل المثال، ففرق الرديف بالليغا تشارك بسهولة في مسابقات السيغوندا، وصعد برشلونة ب مؤخراً إلى دوري الدرجة الثانية، البطولة التي يتواجد فيها من الأسباب إشبيلية ب، ويمكن لكل فرق الرديف في الدوري الوصول إليها في حالة الصعود من الدرجات الأقل. ويشارك في هذا الدوري ليفانتي وخيتافي ورايو فاليكانو وسرقسطة والبقية، أي توجد تنافسية عالية مقارنة بفئات الشباب في إنكلترا، حيث أن اللعب مع الكبار سناً وخبرة يختلف عن مواهب تحت 23 سنة بالنسبة لأي مدير فني.

يعتقد بعض المحللين الإنكليز أن الطاقم الفني في مانشستر سيتي غير مقتنع بمعظم اللاعبين الشبان بالنادي، بسبب قلة الدقائق التي حصلوا عليها هذا الموسم، لكن غوارديولا نفى تماماً هذه المعلومة، لأنه يتابع تدريبات الأكاديمية كلما سنحت له الفرصة، ويضع أكثر من مساعد لرصد كل كبيرة وصغيرة تحدث، مع إعطائه تقريراً شهرياً عن ذلك.

كل ما في الأمر أن التنافسية ضعيفة بالنسبة لهؤلاء الصغار، يقولها بيب دون تردد أو تجميل، "إنهم لا يتنافسون، يلعبون مع فرق في نفس معدلهم العمري، يصل اللاعب إلى سن 20-22 سنة دون أن يسمع صوت الجمهور ويرى بعينه الضغط داخل الملعب وخارجه، وبالتالي لا أعلم هل يستطيع التألق عندما يلعب داخل ستامفورد بريدج أو الأولد ترافورد أو ملعب بريطانيا؟!".

الإبن الضال
يملك ريال مدريد علاقة وطيدة مع إسبانيول، الابن العاق أو الضال في كتالونيا كما يحلو لمشجعي برشلونة تسميته، والفريق الذي يكن كل العداء لسحرة الكامب نو. يفتخر مشجعو البرات حتى الآن بهدف راؤول تامودو في ليغا 2007 التي حسمت في الدقائق الأخيرة، حينما أهدى قائدهم بطولة الدوري للملكي على طبق من ذهب، ولا يعتبر التعاون بين الجانبين إعلامياً أو جماهيرياً فقط، بل يستخدم الميرينغي هذا النادي كمساعد رئيسي له في عملية الحفاظ على المواهب الصغيرة.

يلعب إسبانيول بقوة بدنية كبيرة في الدوري الإسباني، ويقدم أداء متوازناً إلى حد كبير، لا يدافع باستماتة ولا يهاجم بضراوة، مع حفاظه على قيمة تواجد في وسط الجدول على طول الخط، ويتمتع بإدارة تراهن دائماً على المدربين المميزين، كماوريسيو بوكيتينو سابقا وكيكي فلوريس في الوقت الحالي، لذلك يعتبر بيئة مناسبة لصغار السن، حيث يوفر لهم دقائق كافية، ويعطيهم ميزة التكيف مع أجواء البطولة وقوة المنافسات.

استفاد الريال من تعاونه مع إسبانيول في الحصول على أفضل نسخة ممكنة من أسينسيو، النجم الذي سجل الهدف الرابع في نهائي كارديف الأخير ضد يوفنتوس. حصل ماركو على الثقل المطلوب في ملعب الكورنيلا معقل إسبانيول، وشارك أمام فرق الليغا الدفاعية منها والهجومية، لتساعده هذه التجربة في تطوير قدراته البدنية وتحسين الشق التقني لديه، مما جعله مؤهلاً لخوض تجربة أعلى مع فريق زيدان بالدوري والشامبيونزليغ.

عرف بيريز جيداً أن هذه الطريقة هي الحل السحري لتقوية دكة الفريق، فنادي العاصمة يعمل باستمرار على تقوية قاعدة الناشئين الخاصة به، لكن هذه الخطوة غير كافية مع شدة المنافسة، ليلجأ إلى عملية "الإعارة المقننة" بإرسال اللاعبين المميزين إلى فرق أخرى يحتفظ معها بعلاقة جيدة، ومن ثم يستعيدها من جديد في الوقت المناسب بعد عام أو اثنين، وبالتالي نجح المدراء في مدريد في القفز فوق حاجز التنافسية، وابتعاد فريقهم الرديف "كاستيا" عن منافسات دوري الدرجة الثانية، لوجوده في السيغوندا ب وفشله في الصعود إلى المرحلة الأعلى.

التجربة البافارية
تحدث توم جيربراندز، المدير العام لنادي أيندهوفن الهولندي، عن اتفاقية الشراكة الجديدة بين فريقه وبايرن ميونخ الألماني، والتي تنص على تبادل الخبرات الفنية بين الجانبين واستعارة بعض لاعبي بايرن في السنوات المقبلة. لم يكشف الرجل عن تفاصيل أكثر لكنه قال إن النادي الألماني سيرسل لاعبيه الشبان أصحاب المهارة إلى هولندا، للحصول على دقائق أكبر في الدوري، ومساعدة أيندهوفن في مختلف المسابقات، بسبب قلة الفرص المتاحة لهم داخل الفريق الأول لبايرن، مشدداً على عدم وجود أي بند لتفعيل خاصية الإعارة إلى بيع في المستقبل.

ينافس "بي إس في" على الدوري الهولندي كل عام، ويشارك في دوري الأبطال أو الدوري الأوروبي، ويعتبر من فرق الصف الثاني أو الثالث بين كبار القارة العجوز، لذلك رأت إدارة بايرن أن نادياً بهذه المواصفات يمثل كنزاً حقيقيّاً لتطوير ناشئيه، ووضع الأسماء المميزة بالأكاديمية تحت ضغط أقوى في مكان جديد، خصوصا أن قائمة الفريق الأول بها عدد محدود من الأماكن، لتكون الكلمة الأولى في إعارة الشبان إلى فرق أخرى، وإعادتهم من جديد في الوقت المناسب إذا حانت الفرصة.

هي علاقة تشبه ما يقوم به تشلسي مع فيستيه أرنهيم الهولندي، الفريق الذي يرسل له النادي اللندني عدداً كبيراً من المعارين، ثم يقوم بإعادتهم من جديد عندما يحصلون على الخبرة اللازمة، لدرجة أن الاتحاد الهولندي لكرة القدم فتح تحقيقات رسمية عامي 2010 و2015، للبحث عن شبهة تلاعب في الأوراق بين الناديين، خصوصا أن الملاك من نفس البلد، روسيا، أبراموفيتش مع تشلسي وألكسندر تشيغرنيسكي في أرنهيم، لكن في النهاية لم يجد المفشتون أي دليل رسمي يثبت التحايل على قوانين اليويفا للمنافسة الشريفة في الكرة.

وقام الفريق اللندني بإعارة كلٍّ من مات ميازغه ولويس بيكر وناثان إلى فيتيسيه في عام 2016-2017 فقط، مع تاريخ طويل من التعاون لتبادل أسماء مثل نيمانيا ماتيتش وتوماس كالاس وغايل كاكوتا. وبعيداً عن طبيعة العلاقة بين الفريقين، فإن تشلسي يعمل بقوة في مجال تطوير الناشئين، لدرجة أنه أعار 38 لاعباً في فترة سابقة وفق تقرير أعدته صحيفة الغارديان بتاريخ سبتمبر/أيلول 2016.

معضلة غوارديولا
بالعودة إلى كلمات غوارديولا عن مشكلته مع الناشئين في مانشستر سيتي، يجب الإشارة إلى المبالغ الكبيرة التي وضعتها إدارة الفريق لجلب الصفقات في الميركاتو الحالي، فالجهاز الفني بالتعاون مع المدير الرياضي وجدا أن الفريق يحتاج إلى الدعم في عدة مراكز، بعد الخروج من دون بطولة بالموسم الماضي. ورغم أن بيب جاء لصنع أمور أخرى كالشخصية وخلافها للسيتي، إلا أن البطولات جزء رئيسي في اللعبة، فهي في النهاية لعبة الأرقام، ولن يصبر أحد في ملعب الاتحاد على الفيلسوف في حالة الإخفاق مجدداً، خصوصاً أن المنافسة في البريميرليغ معقدة للغاية، مع قوة الناحية الشرائية لمعظم المنافسين كمانشستر يونايتد وتشلسي وحتى ليفربول.

يعاني السيتي من كبر سن معظم الأساسيين، وعدم وجود سياسة واضحة للإحلال والتجديد في حقبة مانويل بليغريني المدرب السابق، وعمل بيب هو الآخر بنفس الأدوات دون تغيير محوري خلال سنته الأولى، مع إضافة بعض الصفقات التي لم تضع بصمتها بشكل كاف، كغاندوغان للإصابة وجيسوس كذلك، مع حاجة ستونز إلى مزيد من الخبرات والعمل.

بعد تخطي ما يعرف بـ "سنة أولى بريميرليغ"، وضع المدرب الكتالوني مجموعة من المطالب الطارئة لتحسين جودة الفريق وتقوية المراكز التي تحتاج إلى تغيير جذري، لا مجرد ترقيع، مع التأكيد على صعوبة البناء من الصفر والاعتماد فقط أو "بشكل كبير" على الناشئين والأسماء الصغيرة، لأن هذا الأمر يعني بوضوح استمرار حالة "صفر" بطولات لأجل غير مسمى.

اليونايتد مع مورينيو جلب وسيجلب أسماء كبيرة، وكونتي يهدد إدارة تشلسي بالرحيل إذا لم تبرم صفقات إضافية، وفريق مثل ليفربول جاهز لدفع مبلغ 50 مليوناً فأكثر من أجل مدافع، وتوتنهام أصبح فريقاً مرعباً بسياسته الرائعة التي تختلف عن الآخرين، لكنها احتاجت إلى عدة سنوات وتحملت بسهولة دون ضجيج الخروج من دون بطولة، فتوتنهام حصل على مديح مضاعف رغم فشله في الفوز بالدوري والكأس، وخروجه مبكراً من الأبطال، لاختلاف الطموح والهدف بالنسبة لجمهورهم وإدارتهم مقارنة بالآخرين، لذلك لا تجوز أبداً مقارنة تجربة السبيرز ببقية الكبار في إنكلترا على وجه الخصوص.

الحل من جيرونا
صعد فريق جيرونا إلى الليغا هذا الموسم، وقدم هذا الفريق مستوى مميزاً للغاية مؤخراً، ويضعه الكثيرون كأحد الوافدين المميزين لمواجهة الكبار كما حدث من قبل مع لاس بالماس وإيبار وألافيس في إسبانيا. وأشارت المصادر المقربة من مانشستر سيتي إلى نية المجموعة المالكة للنادي إنهاء كافة الأمور المالية من أجل الإعلان الرسمي عن شراء هذا الفريق الصاعد حديثا إلى الليغا. وعمل السيتي وجيرونا معا منذ أكثر من عامين، لدرجة أن الفريق الإنكليزي سيرسل 7 معارين إلى جيرونا، مما يجعل فكرة شراء النادي مطروحة منذ فترة ليست بالقصيرة.

تضم مجموعة السيتي عدة فرق في مختلف دوريات العالم، مانشستر سيتي في إنكلترا، نيويورك سيتي في أميركا، ملبورن سيتي الأسترالي، وعدة ممثلين في اليابان وشيلي وأخيراً في إسبانيا. وتبدو هذه الخطوة مثالية بالنسبة لغوارديولا وتشيكي وكل قادة الاتحاد، فالنادي سيستمر في خططه الحالية بشراء النجوم وتقوية المراكز الأساسية أملا في التتويج المحلي والأوروبي، وفي نفس الوقت يقوم بتوسيع قاعدة الناشئين الخاصة به بشكل أفقي، من خلال السير على خطى تشلسي بإعارة المواهب الصغيرة إلى فرق أخرى، لكن مع ضمانات أكبر بعقد شراكة رسمية مع نادي مثل جيرونا، لإعارة اللاعبين الصغار وحتى بيعهم بأسعار بسيطة، للاحتكاك مع عمالقة الكرة الإسبانية، وفي حالة ظهورهم بشكل مميز يمكن عودتهم أو مضاعفة أسعارهم السوقية في بورصة الانتقالات.

لن يدفع الفريق السماوي 300 مليون جنيه إسترليني كل موسم، ولن يتعاقد مع هذا الكم من اللاعبين في كل ميركاتو، هو يفعل ذلك الآن من أجل المنافسة القصيرة والخضوع لمجريات السوق القاسية، لكن في السنوات المقبلة سيستفيد رياضياً من قاعدة الناشئين التي وظفها في الدوريات المناسبة، واقتصادياً من خلال تقليل النفقات والتركيز فقط على جلب نجم كبير خلال كل عام كما تفعل الفرق التي تسيطر على خريطة اللعبة في أوروبا بالوقت الحالي.

وتُحسب هذه الخطوة للمدير الرياضي، بيغرتسين تشيكي، فالرجل استفاد لا محالة من حجم الإنفاق الكبير الذي يوضع تحت إدارته، وجلب عدة صفقات تعتبر سهلة ومُبالغاً بعض الشيء في سعرها، لكنه يعلم ذلك جيداً ويحاول منذ فترة البحث عن منفذ جديد، ليبدأ مخططاته بشراء نادي جيرونا وتطوير التعاون الرياضي والاقتصادي مع هذا النادي. وتعتبر فكرة شراء الفرق الصغيرة أفضل من إعارة اللاعبين فقط إليها، لأنها تضمن ولاء أكبر للنادي الأصلي، وتضمن له التدخل في عملية تطوير المعارين فنياً وبدنياً، مع وضع لمسته الخاصة على الفلسفة ككل وترك النصيحة إذا لزم الأمر، كل هذا من أجل إنتاج لاعبين يفيدون فلسفة الفريق مستقبلاً، وتقليل قيمة الإنفاق على كافة الأصعدة. في النهاية هي تجربة جديرة بالرصد والتدقيق.

المساهمون