من جبل الزيتون

31 مايو 2019
(القدس من جبل الزيتون، أندرو ميلروز، 1870)
+ الخط -
بعد سنتين من الاحتلال البريطاني (من الخطأ الفادح مواصلة تسميته بـ"الانتداب") للقدس، ولد عيسى بُلّاطه في شباط 1919. لم تكن السنوات بين 1919 و1948 زمناً ذهبياً في الواقع، وإن كانت زمنَ الحداثة الأدبية والفنية. أتخيله زمناً لا يقل بؤس واقعه السياسي عن بؤس أيامنا هذه. وما زالت فنوننا (من الشعر إلى التشكيل) تصعد، بينما تتواصل الانهيارات دون أن نكتشف قاعاً للحضيض.

وفي الأول من أيّار/ مايو 2019 رحل بعدما أتم تسعين سنة خصبة تدانت غصونها بعطاء شجرة جليلة لم يخطر ببال أحد أن يشكرها من فرط ما بدا عطاؤها طبيعياً وكأنها لم تُخلق إلا لتُعطي. أنحاول تفسير الصمت الذي لفّ رحيل هذا المعلّم، أنحاول نفي تهمة النكران والجحود عن الثقافة العربية المعاصرة المشغولة بترّهات "جوائز" أدبية بلا قيمة؟

أنحاول التماس عذرٍ لـ"نُخبٍ" قليلة الوفاء أو لأفراد أنهكهم العيش في لحظة رأسمالية استعمارية تنتشر في العالم وتجتاح حتى أضيق الدروب في منطقتنا.

هل الموت في المنفى عذرٌ لكي لا ينتبه أحد سوى هذه الجريدة لرحيل عيسى بُلّاطه بعد ثلاثة أيام، وأن يمر شهر أيّار دون وداع لائق بمن قدّم للثقافة العربية خدمات جليلة على مدى سبعة عقود؟

إن هذا النكران أو الغياب عن تاريخنا الأدبي، ليحزن من بقي في هذه الثقافة، أما المعلّم عيسى بُلّاطه فقد أتم جميع واجباته وانتقل مثل شتلةٍ جديدة غُرست في الأول من أيّار في جبل الزيتون.

المساهمون