من أفقر مصر يا سيسي!

20 فبراير 2017
زيادة عدد الفقراء في مصر (فرانس برس)
+ الخط -
بأسلوبه المفتقر للفصاحة وبتعبيرات تستعصي على الكتابة أو القراءة، قال رأس السلطة في مصر، عبد الفتاح السيسي "محدش ألك إنك فئير قوي؟ محدش ألك إن أنت فئير أوي.. لأ يا ريت حد يؤلكم إن إحنا.. فؤرا أوي.. فؤرا أوي"
الجملة معناها بالعربية الفصحى "هل أخبرك أحد بأنك فقير جداً.. ليت أحد يخبركم بأننا فقراء جداً.. فقراء جداً جدا جدا" وبعدها ينفعل على شاب حاول مقاطعته صارخًا: "اسمع الكلام.. إحنا بنقولكم المرض".
وبالرغم من أن حديثه كان في مؤتمر الشباب وآفاق التنمية، فقد كرر السيسي الجملة الأخيرة عدة مرات.
وبالرغم كذلك من محاولة عبد الفتاح السيسي اتهام المصريين بالفقر، فإن إمكانات مصر البشرية الشابة، والتي بلغت 65% من عدد السكان الذي تجاوز 90 مليون نسمة، تكفي وحدها لنهوض عدة دول متخلّفة لو أحسنت الدولة تنميتهم والاستثمار فيهم.
أما الموارد الطبيعية المتنوعة، تعدينية وزراعية وصناعية ومائية، فتكفي لنهوض 50 دولة فقيرة، بشهادة مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، أو تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية، بشهادة رئيسة المفوضية العليا للاتحاد السابقة، كاثرين أشتون.
وبالرغم من هذه الإمكانات، فإن أرقام الفقر التي وصلت 27%، والتضخم الذي تخطى 29%، والبطالة التي تخطت 36% بين حملة المؤهلات الشباب، بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، جميعها تدل على أن مصر تعاني ليس من فقر الموارد بل من فقر السياسات، وسياسات الفقر وفساد السلطة وغياب المحاسبة والشفافية، وأمارات ذلك كثيرة أشير إلى بعضها، حيث يصعب سرد معظمها.

سفهٌ حكومي
بعد تصريحات السيسي بفقر المصريين بيوم واحد فقط، كشف نائب برلماني عن شراء 3 سيارات مصفّحة لرئيس المجلس ووكيليه، بقيمة 18 مليون جنيه (بسعر 8.8 جنيهات للدولار)، ما يساوي 38 مليون جنيه بأسعار اليوم، تضاف إلى 771 مليون جنيه قيمة الحساب الختامي للموازنة العامة للبرلمان، منها 202 مليون جنيه قيمة شراء سلع وخدمات واحتفالات في شرم الشيخ، كل ذلك خصما من موازنة مصر الفقيرة.
ومن موازنة مصر الفقيرة، اشترى السيسي أربع طائرات رئاسية بقيمة 338 مليون دولار، (6.5 مليارات جنيه)، وقبلها افترش الطريق بسجاد أحمر فاخر بطول 4 كيلومترات لتسير عليها سيارته الرئاسية في مشهد إمبراطوري لا يحدث في ممالك أفريقيا ولا جمهوريات الموز.

صفقات أسلحة مقابل الشرعية
ومن موازنة مصر الفقيرة، اشترى السيسي شرعيته الدولية مقابل صفقات أسلحة لا حاجة لمصر فيها، منها 24 طائرة "رافال" من فرنسا، مقابل 5.2 مليارات يورو، (105 مليارات جنيه)، فشلت فرنسا في بيعها منذ العام 2004، واعتبرها وزير الدفاع الفرنسي "صفقة استثنائية لصناعاتهم الدفاعية". ومن روسيا تم شراء أسلحة بقيمة 10 مليارات دوﻻر بنفس الغرض.
ومن موازنة مصر الفقيرة، بنى السيسي 20 سجنا في عامين ونصف من حكمه، وهو عدد يفوق ما بُني منذ الفراعنة، ووصل تكلفة مجمّع سجون الصعيد 1.5 مليار جنيه، وسجن جمصة 750 مليون جنيه، بحسب المنظمة العربية لحقوق الإنسان، في الوقت الذي لم يفكر في بناء جامعة واحدة.
ومن موازنة مصر الفقيرة، دفع السيسي 64 مليار جنيه في حفر تفريعة قناة السويس، مع 50 مليارا أخرى لخدمة القرض و30 مليون دولار لزوم حفل إعلامي خديوي لافتتاح التفريعة، كل ذلك في ظل تحذير من خطورة المشاريع العملاقة على الاقتصاد، مع ركود عالمي، وانخفاض معدل مرور السفن بالقناة.


تقدّم في مؤشرات الفساد
ومن موازنة مصر الفقيرة، نهبت حكومة السيسي 600 مليار جنيه كشف عنها رئيس المركزي للمحاسبات بمسمى "فساد حكومي" في مؤسسات الدولة، وهي مؤسسة الرئاسة والدفاع والداخلية والمخابرات العامة، والتي يرفض السيسي الرقابة عليها، رغم اعتراف رئيس الجهاز بإطلاق الرئيس المعزول محمد مرسي يد الجهاز في مراقبة كافة مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات السابقة، والتي كان يطلق عليها لفظ المؤسسات السيادية.
السيسي كافأ رئيس الجهاز بالإقالة ثم المحاكمة والسجن، ما دعا منظمة الشفافية الدولية إلى وضع مصر في المركز 108 في مؤشر الفساد من بين 176 دولة في العام 2016، متقدمة 20 نقطة عن تصنيف عام 2015، حيث كانت تحتل المرتبة 88. وجاء في تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2016 "يبقى الفساد مستشريا في مصر في ظل غياب أي إرادة سياسية حقيقية وجادة لمكافحته"، مشيرة إلى قرار عبد الفتاح السيسي بإقالة رئيس أكبر جهة رقابية في البلاد، هو المستشار هشام جنينة، ثم يدّعي السيسي محاربة الفساد، فأين حُمرة الخجل؟!

اختفاء 32.5 مليار جنيه من موازنة عام
ومؤخرا، ومن موازنة مصر الفقيرة، كشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن اختفاء 32.5 مليار جنيه من موازنة السلع التموينية، ثم 38.5 مليارا أخرى، رغم أن السيسي كان قد ألغى الدعم العيني للسلع التموينية لتوفير 15 مليار جنيه، ورغم ذلك لم يحاكم الوزير المختص لمكانته من السيسي!
هذا هو الفقر الحقيقي، ولا أجد مبررا للسيسي وهو يحاول أن يُخلي مسؤوليته من انهيار اقتصادي يهدد استمراره في الحكم، ويرمي شباب مصر بعقدة الذنب وامتهان الذات، وقد صنعوا ثورة يناير ونالوا احترام رئيسي أكبر دولتين في العالم، هما باراك أوباما وفلاديمير بوتين، واستحقوا شعار "ارفع راسك فوق إنت مصري"، إلا تفسير المفكر الأميركي المعروف ناعومي تشومسكي في مقال الاستراتيجيات العشر للسيطرة على الشعوب.
يقول تشومسكي في الاستراتيجية التاسعة: تحويل مشاعر الرغبة في التمرد إلى شعور ذاتي بالذنب، من خلال جعل الفرد يظن أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته بسبب ضعف قدراته وجهوده المبذولة، وهكذا بدلا من أن يتمرد على النظام الاقتصادي، يقوم بامتهان نفسه ويغرق في الإحساس العميق بالذنب، ومن ثمَّ يصاب بحالة اكتئاب وإحباط يكون أحد آثارها تعطيل التحرك نحو الثورة الذي بدونه لا يمكن أن تتحقق".
المساهمون