31 أكتوبر 2024
منى... وكحلها وقلبها
عندما صدرت مجموعة الكاتبة منى الشمري القصصية "يسقط المطر تموت الأميرة" قبل سنوات، كتبت مقالا عنوانه "قلب رواية في جسد مجموعة قصصية"، تساءلت فيه: "لا أدري بالضبط لماذا تأخرت منى الشمري كل هذه السنوات الطويلة التي ربما تقترب من ربع قرن لتصدر كتابها الأول؟ كل الحجج التي سمعتها منها أو قرأتها أحيانا لم تقنعني، ولن تغفر لها ذلك الذنب". والآن، بعد أن أقدمت الشمري على تجربتها الأولى في الكتابة الدرامية، عبر مسلسل تلفزيوني اتكأت فيه على نصوص تلك المجموعة القصصية، أجدني أكرّر السؤال الاستنكاري ذاته: لماذا تأخرت منى الشمري طويلا حتى تقتحم عالم التلفزيون، ما دامت قادرةً على الكتابة بمثل هذا الرّقيّ الإبداعي الذي سحر مشاهدي المسلسل في شهر رمضان؟
بدت الكاتبة القصصية والروائية، منى الشمري، في مسلس "كحل أسود قلب أبيض"، وكأنها قضت عمرها الكتابي كله في كتابة السيناريوهات التلفزيونية. ولا أظن أن المشاهدين الذين لا يعرفونها سيصدّقون أنه عملها الأول، فقد خرج العمل شبه متكامل بشخصياتٍ من لحم ودم ومشاعر، تتصادم وتتشاكس في ما بينها، لتصوّر لنا جانبا من الماضي الكويتي القريب إلى حد ما، بعين الخبيرة التي لم تفلت صغيرة ولا كبيرة، من دون أن تهتم بها وتفيها حقها من البحث.
أعرف أن منى الشمري لم تكن قد ولدت بعد، عندما انتهت أحداث مسلسلها في حساباته الزمنية، لكن من تابع دقائق السيناريو وتفصيلاته الصغيرة يصعب عليه أن يصدّق ذلك، لفرط الدقة التي عملت بها الكاتبة، وهي تبني ملامح سيناريو مسلسلها الأول، من دون أن تقع في شرك الرتابة والعادية، حتى وهي تستعرض حكايات عادية جدا في أي بيت كويتي ينتمي إلى تلك الحقبة التي دارت أحداث المسلسل فيها.
عندما أخبرتني منى، قبل عرض المسلسل، بأنها اعتمدت في كتابته على مجموعة قصص "يسقط المطر تموت الأميرة"، أشفقت عليها من ثقل المهمة التي حتّمت عليها أن تعيد خلط مكونات ذلك العالم القصصي الباهر في قالب تلفزيوني جديد، مع ما يتطلبه ذلك من الانصياع لمنطق التلفزيون الاستهلاكي. وخشيت على المجموعة القصصية التي أحببتها إلى درجة أنني وجدت نفسي قابعةً في قاع واحدة من قصصها الأثيرة لدي من أضواء الدراما التلفزيونية الحارقة، لكن ما طمأنني قليلا أن العمل سيكون بتوقيع محمد دحام الشمري، أحد أهم مخرجي الدراما الكويتية في العقد الأخير، والذي كان يتألق كثيرا عندما يتعامل مع نصوصٍ دراميةٍ رفيعة المستوى، تساعده في بلورة أفكاره الإخراجية، في حين يخبو بريق تلك الأفكار عندما يضطر، كما يبدو، للتعامل مع نصوص استهلاكية مما هو سائد هذه الأيام.
كانت طمأنينتي في محلها، فقد تكامل العمل بطريقةٍ حازت إعجاب المشاهدين الذين عايشوا أحداثا شبه مسكوتٍ عنها تاريخيا تعود إلى أربعينيات القرن المنصرم وخمسينياته، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية تهريب الذهب والمنعطفات التجارية التي أحاطت بتلك القضية تشابكا مع علائق إنسانية، عبر شخصياتٍ متعدّدة، تتجاوز المفهوم التقليدي للخير والشر، كما اعتاد عليه المشاهد التلفزيوني، فالخير ليس مطلقاً، ولا الشر كذلك، في البشر، في مفارقةٍ مع الثنائية المتضادة لغوياً في عنوان المسلسل.
الغريب في "كحل أسود قلب أبيض" أن الممثلين ظهروا فيه كما لم يظهروا من قبل. وهذا يؤكّد أن الدراما لا تعتمد على الممثلين والممثلات بالدرجة الأولى، بقدر ما تعتمد على نصٍّ مكتوبٍ بعناية فائقة، ومخرج يفهم هذا النص، ويعرف كيف يستل شخصياته من الورق، ليعيد تكوينها أمام عدسة التصوير، من دون أن يغفل تفاصيل العمل الأخرى. وهذا بالضبط ما رأيناه على الشاشة الصغيرة في ثلاثين حلقة، جعلتنا نعيش ذلك الماضي المثير، ليس بأحداثه وشخصياته وحسب، ولكن أيضا بديكوراته وأزيائه ولهجاته.. وما تركه فينا من أثرٍ لا يُمحى.
بدت الكاتبة القصصية والروائية، منى الشمري، في مسلس "كحل أسود قلب أبيض"، وكأنها قضت عمرها الكتابي كله في كتابة السيناريوهات التلفزيونية. ولا أظن أن المشاهدين الذين لا يعرفونها سيصدّقون أنه عملها الأول، فقد خرج العمل شبه متكامل بشخصياتٍ من لحم ودم ومشاعر، تتصادم وتتشاكس في ما بينها، لتصوّر لنا جانبا من الماضي الكويتي القريب إلى حد ما، بعين الخبيرة التي لم تفلت صغيرة ولا كبيرة، من دون أن تهتم بها وتفيها حقها من البحث.
أعرف أن منى الشمري لم تكن قد ولدت بعد، عندما انتهت أحداث مسلسلها في حساباته الزمنية، لكن من تابع دقائق السيناريو وتفصيلاته الصغيرة يصعب عليه أن يصدّق ذلك، لفرط الدقة التي عملت بها الكاتبة، وهي تبني ملامح سيناريو مسلسلها الأول، من دون أن تقع في شرك الرتابة والعادية، حتى وهي تستعرض حكايات عادية جدا في أي بيت كويتي ينتمي إلى تلك الحقبة التي دارت أحداث المسلسل فيها.
عندما أخبرتني منى، قبل عرض المسلسل، بأنها اعتمدت في كتابته على مجموعة قصص "يسقط المطر تموت الأميرة"، أشفقت عليها من ثقل المهمة التي حتّمت عليها أن تعيد خلط مكونات ذلك العالم القصصي الباهر في قالب تلفزيوني جديد، مع ما يتطلبه ذلك من الانصياع لمنطق التلفزيون الاستهلاكي. وخشيت على المجموعة القصصية التي أحببتها إلى درجة أنني وجدت نفسي قابعةً في قاع واحدة من قصصها الأثيرة لدي من أضواء الدراما التلفزيونية الحارقة، لكن ما طمأنني قليلا أن العمل سيكون بتوقيع محمد دحام الشمري، أحد أهم مخرجي الدراما الكويتية في العقد الأخير، والذي كان يتألق كثيرا عندما يتعامل مع نصوصٍ دراميةٍ رفيعة المستوى، تساعده في بلورة أفكاره الإخراجية، في حين يخبو بريق تلك الأفكار عندما يضطر، كما يبدو، للتعامل مع نصوص استهلاكية مما هو سائد هذه الأيام.
كانت طمأنينتي في محلها، فقد تكامل العمل بطريقةٍ حازت إعجاب المشاهدين الذين عايشوا أحداثا شبه مسكوتٍ عنها تاريخيا تعود إلى أربعينيات القرن المنصرم وخمسينياته، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية تهريب الذهب والمنعطفات التجارية التي أحاطت بتلك القضية تشابكا مع علائق إنسانية، عبر شخصياتٍ متعدّدة، تتجاوز المفهوم التقليدي للخير والشر، كما اعتاد عليه المشاهد التلفزيوني، فالخير ليس مطلقاً، ولا الشر كذلك، في البشر، في مفارقةٍ مع الثنائية المتضادة لغوياً في عنوان المسلسل.
الغريب في "كحل أسود قلب أبيض" أن الممثلين ظهروا فيه كما لم يظهروا من قبل. وهذا يؤكّد أن الدراما لا تعتمد على الممثلين والممثلات بالدرجة الأولى، بقدر ما تعتمد على نصٍّ مكتوبٍ بعناية فائقة، ومخرج يفهم هذا النص، ويعرف كيف يستل شخصياته من الورق، ليعيد تكوينها أمام عدسة التصوير، من دون أن يغفل تفاصيل العمل الأخرى. وهذا بالضبط ما رأيناه على الشاشة الصغيرة في ثلاثين حلقة، جعلتنا نعيش ذلك الماضي المثير، ليس بأحداثه وشخصياته وحسب، ولكن أيضا بديكوراته وأزيائه ولهجاته.. وما تركه فينا من أثرٍ لا يُمحى.