منبهة العفنات

23 سبتمبر 2015
موسم الزيتون الفلسطيني (Getty)
+ الخط -
ما ان يبدأ شهر ايلول من كل عام حتى يستعد الفلاح الفلسطيني لاستقبال عدة مواسم زراعية مثل جنى الزيتون والبلح، ويحيي بعض الطقوس التي ترتبط بالأرض والمطر معاً. ولأن المرأة الفلسطينية كانت رفيقة زوجها قديماً ايضاً، حيث تعمل معه في الحقل يداً بيد، وتدبر اقتصاد البيت وتخزن مؤنة العام فقد طالتها الأمثال الشعبية الفلسطينية، وخصها التراث الفلسطيني بأحد الطقوس الأيلولية وهو طقس "منبهة العفنات".


منبهة العفنات هو مصطلح لم تسمعه من قبل الشابات العصريات المنعمات هذه الأيام، وربما لم تسمعه أمهاتهن اللواتي تنحدر جذورهن من المدن الفلسطينية مثل يافا وعكا وحيفا، ولكن حتماً تحفظ معناه جيداً وتفهم المقصد منه كل فلاحة فلسطينية أصيلة مهما بلغ بها الغضب من ذكره والتلويح بالاتهام لبنات جنسها من خلاله.


في يوم 21 سبتمبر/أيلول من كل عام تسقط الأمطار الخفيفة ايذانا ببدء فصل الخريف ثم فصل الشتاء حيث تتبلل الاراضي الزراعية بالماء ويصيب الخراب بعض ما يخشى عليه من التلف من ممتلكات الفلاح البسيطة بسبب انهمار المطر حين يشتد، ولذلك فان السقوط الأول للمطر في هذا التاريخ هو إشارة تنبيه للزوجات الهاملات المهملات واللواتي لا يعنين بالنظافة ولا تخزين المؤنة ولا يشعرن بالمسؤولية مع أزواجهن الفلاحين الذين يتعبون كثيرا ويجنون القليل من الربح، وهذه الإشارة تكون موجهة لهن من السماء بأن يقمنّ بجمع الحطب المنشور والمبعثر فوق أسطح المنازل ولملمة التبن من البيادر وتخزين روث الحيوانات التي يربينها لكي يستفدن منه لإشعال نيران التدفئة في ليالي الشتاء الطويلة.


وتقوم النسوة استعداداً لاستقبال هذا الهطول السماوي الخفيف والناعم بجمع الجفت وهو ما يتبقى من الزيتون بعد عصره ويعرف بـ" التفل" مثل بقايا الشاي في الإبريق لتقريب التشبيه فيجمعن هذا الجفت للاستفادة منه في صنع الصابون مثلاً وايقاد الأسرجة أيضا ولهن فيه مآرب أخرى.


وتقوم الفلاحات الفلسطينيات أيضاً بإحكام إغلاق طوابينهن، ولا يبقى في المجالس في الليالي السابقة لهذه الليلة سوى الحديث عن المطرة أو الشتوية المنتظرة والتيتيتم معرفة المرأة الشاطرة والمعدلة والنشيطة والحاذقة من خلالها، فما أكثر النسوة اللواتي يهملن بيوتهن ولا يتذكرن فعل هذه الأشياء إلا قبل هذه الشتوة أو الشتويي أو المطرة التي تنبههن إلى ما يجب عليهن القيام به، فترك الزبل تحت المطر يعني أنهن لن يجدن ما يوقدنه للتدفئة في ليالي الشتاء وسيعتب عليهن أزواجهن وربما أوغرت الحموات صدور الأزواج على هؤلاء العفنات.

ولكن رغم ذلك التجني على هذا الصنف من النساء، إلا انه حين تحل نازلة بالقرية أو تصاب بمصيبة أو يقتحم العدو مشارف القرية الآمنة، فإن النداء الذي يسمع من كبار القرية لطلب نجدة الشباب هو : وين أولاد المعفنات؟؟
المساهمون