19 سبتمبر 2022
مناورة انشقاقات الطبقة العراقية الحاكمة
باتَ معلوماً لدى المؤرخ أن أيّ نظام سياسي في العراق يؤسّس نفسه من خلال قوى أجنبية، وفي غفلة من الشعب أو بمعرفته، سيّولد طبقة سياسيّة تتبوأ السلطة، ولا تتنازل عنها أبداً، وهي تضطهد كلّ القوى الوطنية والشريفة، وتناور بشتى الأساليب القذرة كي تبقى مستحوذةً على الحكم، حتى يأتي أجلها بانقلاب عسكري، أو تطحنها حربٌ دمويةٌ تندلع خصيصاً للإتيان بطبقة جديدة. وكلّ طبقة سياسية حكمت العراق، مكسوة بشعارات خادعة للناس، لمرحلة تاريخية صعبة في بلاد متخلّفة، بل وتضلّل جيلا كاملا يتربّى على مفاسدها وأكاذيبها، بل وتجد من يصفّق لها، أو يترحّم عليها لاحقاً، وهي غارقة في الضلال والآثام. انتقل العراق من دولة لويثان (الوحش الضخم)، حسب تعبير توماس هوبز، إلى دولة الحشرات. كيف؟
غرقَ العراق منذ زمن طويل بالحروب والدماء والآثام والمآسي، وبقي المجتمع بلا وعي سياسي، حتى وإن بقيَ يلتئم أو يتغلّف بأرديته الوطنية، وقد انتهى نظام الحكم السابق منذ العام 2003، وبدأ نظام سياسي جديد لم يسعف العراق بأية منجزاتٍ سياسية أو اقتصادية أو خدمية أو ثقافية، بل أمات النزعة الوطنية، وسحق المؤسسات وشوّهها، واستحدث دستوراً كسيحاً خلا من المستلزمات والمبادئ والضرورات العراقية، بل سمح بتقطيع أوصال المجتمع، وبدل أن يعلن عن "قانون أساسي مدني"، يحافظ على الوطن والمواطن، فقد استبدله بالمكونات والطوائف، وسمح للمحاصصة أن تشرذم العراق، ولم ينبثق أي عقد اجتماعي بين المجتمع والدولة، وأوجد طبقة سياسيّة متشيطنة ومتفرعنة، في ظل غياب القانون والنظام، فشلّت
المؤسسات، وغدت الدولة فاشلة مع إنتاج مجتمع مشرذم ومنقسم على نفسه عرقياً وطائفياً وجهوياً مناطقيا، وسمحت الطبقة السياسيّة الحاكمة لدول الإقليم بالتلاعب والعبث والتدخل السافر في شؤون العراق.. وخدعت هذه "الطبقة" الشعب، إذ أشاعت مسميّاتٍ عدّة، كالتوافقية والديمقراطية وصناديق الاقتراع والحريات والنزاهة والشفافية والفيدرالية ودولة القانون والشراكة.. وكلها تعابير منمّقة لأساليب مزيّفة لا يمكن البتة أن تطبق في غياب المبادئ الوطنية والفكر السياسي المتمدن، وعلى أيدي رجال أكفاء.. ووزعت المناصب على الجهلاء من التافهين والمدمجين (أناس عاديون جداً منحوا رتباً عسكرية عليا)، والمهرّجين ومزوري الشهادات، وهم بالآلاف، فكان أن عمّ الفساد واستشرى عند الجميع.
اعتلت هذه الطبقة السياسية مكانتها العليا، لتغدو كلّ من السلطة والقوة بيدها، وتكوّنت الطبقة من أحزاب حاكمة، وكلهّا أحزاب إسلاموية فوضوية فاسدة ومزيفة، سنيّة كانت أم شيعية، مع تحالفات تعقد بعد الاستئثار بالسلطة، وهي تتخذ "المذهبية" و"المرجعيّة" الدينية وسيلة لها من أجل البقاء في السلطة، سواء في المركز أم في المحافظات، وكان أن أشاعت الطائفية في محاصصاتها العلنية، وممارسة هذه النزعة المقيتة على الأرض. وعليه، ازداد العراق منذ 2003، يوماّ بعد آخر، ضعفاً وانقساماً وفساداً وتشرذماً. وكانت كلّ مشكلاته وأزماته بسبب سوء هذه الطبقة السياسية الحاكمة، في الأجهزة التنفيذية والتشريعية والرئاسية (الرئيس الشكلي ونوابه الثلاثة)، وحتى المؤسسة القضائية غدت مشلولة، وتفاقم الفساد فيها كثيراً، ناهيكم عن مجالس المحافظات. الطبقة الحاكمة وكل تشكيلاتها وكوادرها تعدّ غير كفؤة ولا مهنية، احتلت مناصبها في الوزارات والإدارات والسفارات والجيش والشرطة والمال والأعمال.. إلخ، وما يلحق بها من أجهزة شبه رسمية قد سببت ولادة قوى وعصابات وجماعات ومليشيات (منها متعدّد الولاءات للخارج).. منحت الشرعيّة من الحكومة، لتغدو جزءاً من هذه الطبقة السياسيّة الفاسدة.. ولا يمكن نسيان أن السلطة الخامسة، المتمثلّة بالإعلام، بما في ذلك الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية، قد ساهم أغلبها في تدمير العراق لغلبة المرتزقة والمهرّجين والمتعصّبين من خلال التشهير والتسقيط والإساءة وتبادل الاتهامات والشتائم.
كلّما يقترب موعد الانتخابات العامة في العراق، تجد أن هذه الطبقة السياسية تبدأ جملة من المناورات والتكتيكات الكاذبة من أجل ممارسة خداع خفي أو مكشوف للجماهير، وتحاول، بوسائلها غير الأخلاقية، البقاء في سدّة الحكم، مهما كلّف الأمر ذلك.
نسمع اليوم عن انشقاقات في كتل وصراعات داخل أحزاب، وانسحاب هذا وذاك، كي يؤسّس هذا حزباً، أو يشكّل ذاك تيارا، أو تولد هنا جماعة أو تلك هناك لدى الجانبين السنة والشيعة! والمكيدة التي يجب ألّا تمرّ على العراقيين أن عناصر هذه الطبقة اكتشفت الآن فقط أن أحزابهم لم تعد ملائمة للمرحلة، كي يضحكوا على الناس بتسمياتٍ جديدة تلائم هذه المرحلة، بعد أن فجعوا العراق وسحقوه، فتجد هذا أصبح متمدّناً ووطنياً، والآخر إصلاحياً، والآخر حكيماً، والآخر ليبرالياً، بعد أن كانوا سنوات طوالا من الإسلاميين أو المذهبيين أو الدعوويين أو المجلسيين أو الإخوانيين، وكانوا جميعا من الطائفيين حتى النخاع .. فهل اكتشفوا أنفسهم فجأة، ليغيروا مبادئهم وقيمهم السياسية؟ هل من الأخلاق بمكان أن يلعبوا بالدين منذ العام 2003 لعبهم الوضيعة التي خرّبوا من خلالها البلاد والعباد، كي تأتيهم الصحوة الوطنية، ويؤمنوا فجأة بالتمدّن والإصلاح والحداثة؟
أنبه الشعب العراقي أن هؤلاء سيخدعونكم، حتى إذا ما تمّ انتخابهم وبقوا في السلطة، فسوف تعاد تحالفاتهم، للبقاء والإمعان في خراب العراق وسرقته. مرّت سنوات طوال، وهم يشيعون ويصرّحون ويتكلّمون، باسم المكوّنات والأغلبيات وحكم الأكثرية، وبيتنا وبيتكم، ويثيرون الانقسامات ويحلمون بالأقاليم .. اليوم فقط بدّلوا قناعاتهم، كي يتحدّثوا باسم الوطنية والوحدة والتمدّن.. سنوات طوال، وأنا أكتب داعياً أن يحلّوا أحزابهم الدينية الطائفية، لتأسيس أحزابٍ وطنيةٍ متمدّنة، ولم نجد إلا الإمعان في التعصّب والتشتت والشتيمة.. اليوم فقط، وجدوا أن الانشقاقات وسيلةٌ مؤقتة، ستبقيهم في السلطة، وبطريقة مراوغة، عبر مناوراتٍ لا أخلاقية. وخصوصاً الأحزاب الحاكمة التي اتهمتها منظمة الشفافية العالمية قبل أيام بأنها الأخطر فساداً في العراق.
على العراقيين الابتعاد عن التخندق الطائفي بأي ثمن، وأن يقفوا بوجه كلّ من يستورد الحلول والنصح من الجيران، مهما كانت قدسية هذا الجار أو ذاك.. وأن يصرخ كل عراقي غيور
بوجه هذه الطبقة الحاكمة: كفى تخريبكم العراق الذي أغرقتموه بالفساد والفاسدين.. كفى تلميع بعض الوجوه الكالحة منكم لكي يتم تسيّدهم الموقف على حساب مصالح كلّ الشعب العراقي.. كفى سيناريوهاتكم التي ترسمونها هناك، وتطبقونها على أرض العراق.. لا حياة لكم بعد اليوم فقد نهبتم العراق والعراقيين.. وقد أفسدتم المجتمع، وأفشلتم الدولة، وخرّبتم التربية والتعليم، وعبثتم باستقلالية القضاء، وضاع الأمن والأمان وزرعتم العراق بالمليشيات والعصابات والجماعات الشاذّة.. أخفيتم أسرار أخطر الأحداث، ولم تُطلعوا الناس على خفايا جرائم "القاعدة" و"داعش"، وجنحهما وتجاوزاتهما وجناياتهما.. أفقرتم الشعب، وبدّدّتم ثرواته، وأنهيتم الزراعة والصناعة والتجارة وكل الخدمات.. نكلّتم بالحياة العراقية المدنية، وقتلتم ثقافة العراقيين المدنية وأفسدتم روح الفن والذوق.. ما هي إنجازاتكم في البنية التحتية للبلاد بحق السماء؟ وغدا كلّ واحد منكم معروفة سيرته وتاريخه الشخصي، ودوره في نهب العراق، وإيذاء أبنائه. كما ولا يسمح لكم أبداً أن تنتقدوا هذا "الدستور" الذي حاربتم كلّ من انتقده عند إصداركم له حرباً قذرة.
طبقةٌ سياسيةٌ تحكم العراق اليوم سيلعنها التاريخ لعنة أبديّة، وستذكرها الأجيال المقبلة بأسوأ الذكر.. أناشد الشعب العراقي أن لا يبقيها في السلطة أبداً، وأن يكون ذكياً في معرفة ما يدور في الكواليس الخفية.. على العراقيين كلهم ألّا تتلاعب العواطف برؤوسهم، وأن يتخلصوا من الانحيازات لهذا أو ذاك من عناصر هذه الطبقة، مهما كانت طائفته، أو كان مذهبة أو دينه أو جنسه.. عليهم أن يرفضوا هذه الطبقة الفاسدة التي فشلت فشلاً ذريعاً في حكم العراق، ويجمعوا على عراقيين شرفاء وطنيين، نزهاء أكفاء لهم مكانتهم وتخصّصاتهم وأخلاقياتهم وشخصيتهم ونظافة أيديهم واستقلاليتهم.. فهل سيحدث ذلك؟ أشك في ذلك.
غرقَ العراق منذ زمن طويل بالحروب والدماء والآثام والمآسي، وبقي المجتمع بلا وعي سياسي، حتى وإن بقيَ يلتئم أو يتغلّف بأرديته الوطنية، وقد انتهى نظام الحكم السابق منذ العام 2003، وبدأ نظام سياسي جديد لم يسعف العراق بأية منجزاتٍ سياسية أو اقتصادية أو خدمية أو ثقافية، بل أمات النزعة الوطنية، وسحق المؤسسات وشوّهها، واستحدث دستوراً كسيحاً خلا من المستلزمات والمبادئ والضرورات العراقية، بل سمح بتقطيع أوصال المجتمع، وبدل أن يعلن عن "قانون أساسي مدني"، يحافظ على الوطن والمواطن، فقد استبدله بالمكونات والطوائف، وسمح للمحاصصة أن تشرذم العراق، ولم ينبثق أي عقد اجتماعي بين المجتمع والدولة، وأوجد طبقة سياسيّة متشيطنة ومتفرعنة، في ظل غياب القانون والنظام، فشلّت
اعتلت هذه الطبقة السياسية مكانتها العليا، لتغدو كلّ من السلطة والقوة بيدها، وتكوّنت الطبقة من أحزاب حاكمة، وكلهّا أحزاب إسلاموية فوضوية فاسدة ومزيفة، سنيّة كانت أم شيعية، مع تحالفات تعقد بعد الاستئثار بالسلطة، وهي تتخذ "المذهبية" و"المرجعيّة" الدينية وسيلة لها من أجل البقاء في السلطة، سواء في المركز أم في المحافظات، وكان أن أشاعت الطائفية في محاصصاتها العلنية، وممارسة هذه النزعة المقيتة على الأرض. وعليه، ازداد العراق منذ 2003، يوماّ بعد آخر، ضعفاً وانقساماً وفساداً وتشرذماً. وكانت كلّ مشكلاته وأزماته بسبب سوء هذه الطبقة السياسية الحاكمة، في الأجهزة التنفيذية والتشريعية والرئاسية (الرئيس الشكلي ونوابه الثلاثة)، وحتى المؤسسة القضائية غدت مشلولة، وتفاقم الفساد فيها كثيراً، ناهيكم عن مجالس المحافظات. الطبقة الحاكمة وكل تشكيلاتها وكوادرها تعدّ غير كفؤة ولا مهنية، احتلت مناصبها في الوزارات والإدارات والسفارات والجيش والشرطة والمال والأعمال.. إلخ، وما يلحق بها من أجهزة شبه رسمية قد سببت ولادة قوى وعصابات وجماعات ومليشيات (منها متعدّد الولاءات للخارج).. منحت الشرعيّة من الحكومة، لتغدو جزءاً من هذه الطبقة السياسيّة الفاسدة.. ولا يمكن نسيان أن السلطة الخامسة، المتمثلّة بالإعلام، بما في ذلك الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية، قد ساهم أغلبها في تدمير العراق لغلبة المرتزقة والمهرّجين والمتعصّبين من خلال التشهير والتسقيط والإساءة وتبادل الاتهامات والشتائم.
كلّما يقترب موعد الانتخابات العامة في العراق، تجد أن هذه الطبقة السياسية تبدأ جملة من المناورات والتكتيكات الكاذبة من أجل ممارسة خداع خفي أو مكشوف للجماهير، وتحاول، بوسائلها غير الأخلاقية، البقاء في سدّة الحكم، مهما كلّف الأمر ذلك.
نسمع اليوم عن انشقاقات في كتل وصراعات داخل أحزاب، وانسحاب هذا وذاك، كي يؤسّس هذا حزباً، أو يشكّل ذاك تيارا، أو تولد هنا جماعة أو تلك هناك لدى الجانبين السنة والشيعة! والمكيدة التي يجب ألّا تمرّ على العراقيين أن عناصر هذه الطبقة اكتشفت الآن فقط أن أحزابهم لم تعد ملائمة للمرحلة، كي يضحكوا على الناس بتسمياتٍ جديدة تلائم هذه المرحلة، بعد أن فجعوا العراق وسحقوه، فتجد هذا أصبح متمدّناً ووطنياً، والآخر إصلاحياً، والآخر حكيماً، والآخر ليبرالياً، بعد أن كانوا سنوات طوالا من الإسلاميين أو المذهبيين أو الدعوويين أو المجلسيين أو الإخوانيين، وكانوا جميعا من الطائفيين حتى النخاع .. فهل اكتشفوا أنفسهم فجأة، ليغيروا مبادئهم وقيمهم السياسية؟ هل من الأخلاق بمكان أن يلعبوا بالدين منذ العام 2003 لعبهم الوضيعة التي خرّبوا من خلالها البلاد والعباد، كي تأتيهم الصحوة الوطنية، ويؤمنوا فجأة بالتمدّن والإصلاح والحداثة؟
أنبه الشعب العراقي أن هؤلاء سيخدعونكم، حتى إذا ما تمّ انتخابهم وبقوا في السلطة، فسوف تعاد تحالفاتهم، للبقاء والإمعان في خراب العراق وسرقته. مرّت سنوات طوال، وهم يشيعون ويصرّحون ويتكلّمون، باسم المكوّنات والأغلبيات وحكم الأكثرية، وبيتنا وبيتكم، ويثيرون الانقسامات ويحلمون بالأقاليم .. اليوم فقط بدّلوا قناعاتهم، كي يتحدّثوا باسم الوطنية والوحدة والتمدّن.. سنوات طوال، وأنا أكتب داعياً أن يحلّوا أحزابهم الدينية الطائفية، لتأسيس أحزابٍ وطنيةٍ متمدّنة، ولم نجد إلا الإمعان في التعصّب والتشتت والشتيمة.. اليوم فقط، وجدوا أن الانشقاقات وسيلةٌ مؤقتة، ستبقيهم في السلطة، وبطريقة مراوغة، عبر مناوراتٍ لا أخلاقية. وخصوصاً الأحزاب الحاكمة التي اتهمتها منظمة الشفافية العالمية قبل أيام بأنها الأخطر فساداً في العراق.
على العراقيين الابتعاد عن التخندق الطائفي بأي ثمن، وأن يقفوا بوجه كلّ من يستورد الحلول والنصح من الجيران، مهما كانت قدسية هذا الجار أو ذاك.. وأن يصرخ كل عراقي غيور
طبقةٌ سياسيةٌ تحكم العراق اليوم سيلعنها التاريخ لعنة أبديّة، وستذكرها الأجيال المقبلة بأسوأ الذكر.. أناشد الشعب العراقي أن لا يبقيها في السلطة أبداً، وأن يكون ذكياً في معرفة ما يدور في الكواليس الخفية.. على العراقيين كلهم ألّا تتلاعب العواطف برؤوسهم، وأن يتخلصوا من الانحيازات لهذا أو ذاك من عناصر هذه الطبقة، مهما كانت طائفته، أو كان مذهبة أو دينه أو جنسه.. عليهم أن يرفضوا هذه الطبقة الفاسدة التي فشلت فشلاً ذريعاً في حكم العراق، ويجمعوا على عراقيين شرفاء وطنيين، نزهاء أكفاء لهم مكانتهم وتخصّصاتهم وأخلاقياتهم وشخصيتهم ونظافة أيديهم واستقلاليتهم.. فهل سيحدث ذلك؟ أشك في ذلك.