ممارسات العنف الإخباري

26 نوفمبر 2015
الإرهاب ليس مادة للسبق الإعلامي (ياسين غايدي/ الأناضول)
+ الخط -

مرة أخرى تثبت الصحافة التونسية تعاطيها غير المسؤول مع صور الإرهاب وتعديها الصارخ بحق الضحايا وذويهم. فقد فاجأنا التلفزيون الرسمي بعرضه رأس الطفل الراعي، مبروك السلطاني، وتكرر الأمر في جريدة أخبار الجمهورية.

الأمر تجاوز عدم المهنية والتعدي الصريح على أسس ومبادئ مهنة الصحافة، وتجاوز نظرية زعزعت الطمأنينة لدى المواطنين، ونشر رعب هذه الجماعات التي استطاعت أن تحتل حيزاً كبيراً في حياة التونسين، بحيث أصبح الشارع التونسي، مكتظاً بأخبارها التي تراوحت بين الخبر الأكيد والإشاعات الخيالية.

تجاوز كل ذلك ليسقط في اللامبالاة الإنسانية، أن تصبح الصورة أو السبق الصحافي أهم من مشاعر الآخرين، وسكينا تذبح بها الضحية وأسرها مراراً وتكراراً، فتلك قمة اللامبالاة والتجمد الشعوري. لم يكف أن تبقى جثة طفل (مبروك السلطاني) الذي لم يتجاوز 16 عاماً من عمره ملقاة في الجبل لـ24ساعة، كان من المفترض أن يكون في مدرسته، لكن ظروفه المعيشية أجبرته على استبدال القلم بالعصا وتسلق الجبل لسد جوعه. جثة فُصل الرأس فيها عن الجسد ليتم التنكيل بها مرة أخرى، بعرض الرأس المقطوع، وكأنهم يعرضون شيئاً عادياً لا جسد إنسان.

هذا التعدى السافر بحق الإنسانية والمبادئ المهنية للصحافة، سبق أن مر مع جثث الجنود التونسيين، ويمارس يومياً في بعض البرامج الاجتماعية وإن اختلفت الصور. 

ثمة عدم مسؤولية تمارس اليوم من قبل بعض الصحافين التونسيين والعرب إجمالًا، ليتم الرقص على مشاعر الضحايا من أجل صور دامية لا غير.

الأمثلة هنا عديدة، لعل الكل يتذكر إعلامية عربية وهي تسأل بإصرار غريب طفلة كيف اغتصبت وما هي مشاعرها وو .. أسئلة وقحة لا تصنع شيئاً غير أنها تعيد ترتيب الوقائع بالفظاعة ذاتها.

في متابعتي للأحداث الأخيرة التي جدت بفرنسا، وكيف تم التعامل معها صحافياً أو حتى فيسبوكياً، التقطت الصور من مسافات معقولة، وكانت الجثث في أكياسها البيضاء، الكل شارك في نقل الخبر ضمن ضوابط المهنية والتعاطف الإنساني.

الرسالة وصلت وفرنسا عبر قنواتها المتعددة استطاعت أن ترسم حجم المأساة من دون نشر قطع اللحم الآدمية، ولا أن تحاصر أسر الضحايا بالأسئلة الناسفة.

الرسالة وصلت من دون التعدي على حرمة الإنسان وتشويه قدسية كيانه الإنساني، القدسية التي كفلتها الكتب السماوية، وضمنتها مواثيق حقوق الإنسان قبل الميثاق الصحافي.

ثمة تبلد للمشاعر يساق اليوم ضمن تعاملنا مع الفواجع التي نتعرض لها، الكل يتسابق في نشر الصور وتفاصيل الموت الكثير المحيط بنا، الأمر تعدى مرحلة نقل الخبر بمراحل، لنرى هذا التسابق وقد احتل مواقع الاتصال الحديثة ومن قبل أشخاص عاديين، أشخاص لا يجدون حرجا في نشر صورة الموت بكامل تفاصيلها متخلين عن مبدأ إنسانيتنا.

(تونس)

اقرأ أيضاً: المساجد في قبضة الأمن التونسي

المساهمون