ملف 11 سبتمبر: الشيخ اللبابيدي و19 أميرًا في الجنّة

11 سبتمبر 2014
برجا نيويورك في 11سبتمبر (تصميم أنَس عَوَض/العربي الجديد)
+ الخط -

أن تطرح سؤالاً في شارع حمد، أحد أحياء منطقة الطريق الجديدة في بيروت، عن زياد الجرّاح، فهذا كافٍ حتّى ينفضّ الناس من حولك. إذ يُدخلهم السؤال في عالم الصمت. الطريق الجديدة، التي تؤيّد علناً الثورة السورية، ملجأ الصمت الذي تحوم حوله أخبار "داعش" أو "جبهة النصرة" وأيّ مجموعة إسلامية متطرّفة، مثل "القاعدة" سابقاً.

أن تسأل عن زياد الجرّاح، يعني أنّ هناك سوءاً تضمره. هكذا يفهمك الناس هناك. يهمس في أذنك كهل بيروتيّ يقيم في منزل مقابل لمنزل عائلة الجرّاح: "إمشي يا إبني.. يلّي فينا بيكفّينا". إنعزل عن محيطهم آل الجرّاح بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

إنعزلت العائلة، التي جاءت من إحدى القرى البقاعية إلى المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في بيروت، بسبب فعلة ابنها. توفّي الوالد قبل سنتين تاركاً همّ الفراق لوالدة زياد وأختيه. غادرت إحداهنّ منزل العائلة بعد زواجها، وبقيت الأم مع الابنة الأخرى. تغيّر البيت كثيراً بعد رحيل الوالد، لكنّ العالم كلّه تغيّر بعد طريقة الرحيل التي اختارها الابن.

يحمل محيط منزل آل الجرّاح في الطريق الجديدة كلّ ما يلزم لتهيئة شاب في مقتبل العمر على مفهوم الجهاد. تفصل أمتار قليلة بين المنزل وبين مدخل مخيّمي صبرا وشاتيلا اللذين شهدا المجزرة في 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. أما خلية حمد، أحد أشهر مساجد المنطقة، فيقع على مرمى حجر من المنزل ويشهد باستمرار موالد واحتفالات ودروساً دينية.

الجوّ يغري أيّ شاب في المنطقة بالالتزام الديني بشكل معتدل لقرب المسافة من المخيّمين الفلسطينيين في فترة تنامي حركتي "الجهاد الاسلامي" و"حماس"، وتردّد زياد الجرّاح، وفق ما هو معروف في المنطقة، إلى جامع الحوري التابع لجامعة بيروت العربية، قبل سفره إلى ألمانيا في 1996.

يبعد مسجد الحوري أقلّ من كيلومتر عن منزل آل الجرّاح. بعد أيّام فقط من هجمات 11 سبتمبر، وقف خطيب المسجد، سليم اللبابيدي، يتباهى بمَن سمّاهم "19 أميراً في الجنّة".

إعتزّ اللبابيدي بزياد الجرّاح. اعترض قليلون فقط على كلام الشيخ الفلسطيني الأصل. اعتقد معظم السكان حينها أنّ الهجمات جزء من إيلام العدو، الولايات المتّحدة التي تدعم إسرائيل في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت قبل عام واحد من هجمات سبتمبر. انقلب التعاطف مع منفذي العالمية إلى عتاب.

أوقفت القوى الأمنية الشيخ اللبابيدي حينها بسبب خطبته الشهيرة. عزلته إدارة الجامع، فتوارى عن الأنظار بعد الإفراج عنه لثبوت عدم انتمائه إلى أيّ تنظيم. ومَن يعرفه يعرف انفعاله وذهابه، في اندفاع عاطفيّ، إلى دعم "الجهاد". وسرعان ما تبدّل مزاج سكّان الأحياء الشعبية، فاعتبروا أنّ نتائج هجمات سبتمبر كانت كارثية بكلّ المعايير.

اللبابيدي أضحى مسؤول دار الافتاء الفلسطينية في لبنان، وأعطاه المنصب حصانة ودفعه إلى الانفتاح بعض الشيء. في مسرحية "بيروت الطريق الجديدة"، التي قمتُ ببطولتها وما تزال تُعرَض في بيروت حالياً، أضفتُ مشهد الشيخ اللبابيدي حين وقف قائلاً: "زياد الجرّاح هو منكم، كان يصلّي بينكم هنا".

منذ تلك الخطبة، تلتزم الطريق الجديدة الصمت حول اسم زياد الجرّاح. ربّما هو "فخر صامت"، قد يكون بالاسم، وقد يكون أبعد من ذلك بكثير.

المساهمون