كان لافتاً مطلع الشهر الحالي، إعلان جمهورية الكونغو الديمقراطية التفشي الحادي عشر لوباء إيبولا على أراضيها رسمياً، إثر ظهور بؤرة جديدة في شمالي غرب البلاد، وذلك بعد التفشي العاشر الذي لا يزال مستمراً شرقي البلاد، فضلاً عن انتشار وباء كورونا. وسارعت كينشاسا إلى طلب مساندة منظمة الصحة العالمية، التي تمرّ بأكبر أزماتها، فرغم محاولاتها كبح جماح كورونا في مختلف الدول العالم، إلا أن استجابتها في الكونغو الديمقراطية باتت محفوفة بالمخاطر، وذلك بعد الإعلان الأميركي على لسان الرئيس دونالد ترامب عن وقف تمويل المنظمة، في حال "عدم إجرائها إصلاحات" محددة. وقال ترامب الشهر الماضي: "بسبب رفض منظمة الصحة العالمية إجراء الإصلاحات المطلوبة، تعتزم الولايات المتحدة توجيه هذه الأموال لجميع دول العالم للاحتياجات الصحية الطارئة". وللدلالة على التأثيرات السلبية لوقف التمويل، أعلنت مديرة منظمة الصحة العالمية للبلدان الأميركية، كاريسا إتيان، في وقتٍ سابق أن "60 في المائة من ميزانية المنظمة تتكوّن من المساهمات الأميركية، وأن إلغاءها سيؤدي إلى انخفاض كبير في العمليات". وتُعدّ واشنطن من أكبر المساهمين في وكالة الصحة العالمية، مع تقديمها أكثر من 400 مليون دولار في العام الماضي.
عملياً أمام الكونغو الديمقراطية تحديات أخرى غير مواجهة الأوبئة: الاضطراب الأمني. فقد قُتل 16 مدنياً، بينهم خمسة أطفال هذا الشهر في إقليم إيتوري شرقي البلاد. واتهمت السلطات المحلية حركة تعرف باسم "تعاونية تنمية الكونغو" أو "كوديكو"، وهي واحدة من عشرات الجماعات المسلحة المنتشرة في أنحاء البلد الذي مزقته الصراعات المستمرة وشهد أيضاً حربين أهليتين في التسعينات من القرن الماضي. وتواجه "كوديكو" اتهامات بقتل مئات المدنيين في العام الحالي. وينتمي أعضاء هذه الحركة بشكل رئيسي إلى إثنية ليندو، وهم في الغالب مزارعون، وقد اشتبكوا مراراً مع إثنية هيما التي ينتمي إليها تجار ورعاة في إيتوري، المنطقة الغنية بالذهب والنفط. وفي مؤشر على فداحة ما يجري في الكونغو الديمقراطية، ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 8 مايو/أيار الماضي، أن عدد الضحايا هذا العام بلغ 274 قتيلاً إضافة إلى 200 ألف نازح. وأضافت أنه نزح أيضاً 5.01 ملايين كونغولي، معظمهم بين أكتوبر/تشرين الأول 2017 وسبتمبر/أيلول 2019. في المقابل، فإن اللجوء طاول 918 ألف كونغولي، حتى شهر فبراير/شباط الماضي، لجأ معظمهم إلى دول الجوار، خصوصاً إلى أنغولا وزامبيا.
في الصومال، كان لافتاً الهجوم الأخير لـ"حركة الشباب" منذ نحو أسبوعين، على قاعدة عسكرية في منطقة لامو في كينيا، يستخدمها الجيشان الأميركي والكيني. وهو هجوم يمكن تصنيفه في سياق نية الحركة مواصلة أنشطتها، بعد إخراجها من العاصمة مقديشو خصوصاً، وتأكيدها على محاولة تجاوز إخراجها من مدينة حررطيري في ولاية غلمدغ، وسط البلاد. وكان قائد الجيش الصومالي الجنرال أودوا يوسف راغي قد وصل أخيراً إلى ولاية غلمدغ، مع إعلان مصادر في الولاية عن بدء الجيش الصومالي استعداداته لتحرير مناطق من إقليمي غل غدود ومدغ في غلمدغ تخضع لسيطرة "حركة الشباب". كما عمل الجيش الصومالي على إبعاد عناصر من الحركة إلى إقليم بري في بونتلاند، شمالي شرق البلاد، إلا أن وجود المسلحين في مرتفعات الولاية، خصوصاً غل غلا يمكن أن يؤدي إلى صدامات مع عناصر تنظيم "داعش" المنتشرين هناك، الذين انشقوا أساساً عن الحركة عام 2015. وينذر الوضع بالمزيد من التدهور، خصوصاً أن الحركة هاجمت مكتب مسؤول منطقة بوردهوبو في بونتلاند، عبد الله شريف، الذي لجأ إلى قاعدة عسكرية إثيوبية.
في الساحل الأفريقي، تكثّفت اعتداءات جماعة "بوكوحرام" في موازاة اشتداد الضغط الأمني عليها، ففي بوركينا فاسو، هاجم عدد من المسلحين المجهولين مدينة باما، الواقعة في أقصى شرقي البلاد، وكانوا على متن دراجات نارية ويحملون أسلحة أوتوماتيكية، وأخذوا يطلقون النار عشوائياً. واستهدف الهجوم سوقاً أسبوعية للماشية، تفتح كل يوم سبت، بينما كان جميع الضحايا من التجار والزبائن القادمين من باما وبعض القرى القريبة منها، وكانت السوق خالية من أي وجود أمني. كما هاجم مسلحون مجهولون قافلة إنسانية، في أقصى شمالي شرق بوركينا فاسو، وقد أسفر الهجوم عن مقتل 10 أشخاص، من ضمنهم رجال أمن، بينما سقط أكثر من 20 جريحاً. وسبق أن استهدف مسلحون قافلة تجار في أقصى شمالي البلاد، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً.
وعلى الرغم من محاولة سلطات دول الساحل الخمس (مالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو) مواجهة الجماعة، بمساعدة الفرنسيين والنيجيريين، إلا أن المخاطر باتت أكبر من قبل، مع الإعلان عن انسحاب الجيش الأميركي من الساحل، وتأثيره في ملف الدعم الاستخباراتي والجوي (طائرات من دون طيار). مع ذلك، فإن قائد قوة "برخان" الفرنسية، الجنرال باسكال فاكون، بدا واثقاً من الإمكانات المُتاحة للعناصر المنضوية تحت القوة، حتى أنه قلّل من التأثير السلبي لفيروس كورونا، معتبراً خلال مؤتمر صحافي عُقد الشهر الماضي عبر الفيديو، أن الوباء "يشكّل قيداً إضافياً على العمليات" لكن القوة "تكيفت". وشدّد على أن الفيروس "لا يؤثر على عمليات برخان" التي تسجل "تقدماً كبيراً" في منطقة الساحل، في مواجهة تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى. وهو ما حاولت باريس إظهاره عبر القضاء على زعيم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، عبد المالك درودكال، المعروف باسم أبو مصعب عبد الودود، في 3 يونيو الحالي.
ومع استمرار ضغط الجيشين التشادي والنيجيري في بحيرة تشاد ومحيطها ضد "بوكو حرام"، برزت مخاوف أخرى، وفقاً لصحيفة "إل باييس" الإسبانية، التي أوضحت أن عدداً من المحميات الطبيعية والغابات في ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين أصبحت في السنتين الماضيتين ملاذات آمنة للجماعات المسلحة، ومنطلقاً لتنفيذ الهجمات في منطقة الساحل الأفريقي. وهو ما حصل في متنزه كوميه الوطني في شمال ساحل العاج أخيراً، إذ قُتل 8 عناصر مسلّحة واعتُقل 38 آخرين، في عملية عسكرية مشتركة بين جيشي ساحل العاج وبوركينا فاسو. وقال رئيس هيئة الأركان العامة في جيش ساحل العاج، الجنرال لاسينا دومبيا: "هذه ليست سوى البداية. لقد نجح الإرهابيون في توحيد صفوفهم".
ومع أن معظم الملفات الساخنة حالياً، تدور جنوبي الصحراء الكبرى، إلا أنه بموازاة الملف الليبي، الذي يشهد تدخلاً أوروبياً نظرياً في عملية "إيريني"، بهدف مراقبة الحظر المفروض على الأسلحة إلى ليبيا والتصدير غير القانوني للنفط، هدد استعار الخلاف المغربي ـ الجزائري، بتوترات أمنية، تبدأ عند الحدود بين البلدين، ولا تنتهي بمسألة الصحراء و"جبهة البوليساريو". وقد برز أخيراً أمران في هذا الصدد. الأول متعلق بموقف لمستشار وزير الاتصال الجزائري، المتحدث الرسمي باسم الحكومة، نورالدين خلاصي، مفاده أن "المغرب يعتبر الجزائر تهديداً استراتيجياً دائماً ومنافساً تاريخياً". والأمر الثاني، استعداد الجيش المغربي لبناء منشأة عسكرية على بعد 38 كيلومتراً من الحدود مع الجزائر، رغم "إصراره" بأنها "لا تحمل صفة القاعدة، بل هي عبارة عن ثكنة ستخصص لإيواء الجنود".
أما في ملف سدّ النهضة الإثيوبي، فلم تكن الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين إثيوبيا والسودان، سوى جرس إنذار لمرحلة مفترض أن تواكب بدء الملء الأولي لخزان السدّ في يوليو/تموز المقبل، وفقاً لأديس أبابا. فقد لوحظ أن العنصر السياسي في المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، منذ اتفاق المبادئ الموقّع في مارس/آذار الماضي، تراجع فيما استُحضر خطاب تصعيدي شمل التلويح بقصف السدّ من الجانب المصري رغم جميع المؤشرات التي تدل على صعوبة مثل هذا الخيار، في موازاة إعلان الإثيوبيين عن نصب منظومات صاروخية لحماية السدّ من أي هجوم. وما يؤجج الخلاف أكثر هو رفض إثيوبيا خصوصاً، العودة إلى الحلول السياسية من جهة، وعدم قدرة مصر على احتواء أي تغيير سلبي على كمية المياه التي تصل إليها من نهر النيل من جهة أخرى، وتداعياته الاجتماعية والسياسية والأمنية.