مقاومة المحلّل النفسي

16 سبتمبر 2016
شانون بول/ كندا
+ الخط -

قبل أن يبدأ في تمرير تصوّراته الخاصة، برز المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان (1901 - 1981) بدعوته إلى إعادة قراءة مؤسّس المجال، سيغموند فرويد، فقد لاحظ أن مفاهيم مثل اللاشعور والأنا والأنا الأعلى والهو وقتل الأب والليبيدو والتاناتوس وغيرها قد تحوّلت إلى تسميات تقنية مستهلكة تُستعمل لوصفات عيادية جاهزة، وباتت عائقاً أمام تقدّم التحليل النفسي.

إلى أي حدّ ما زلنا واقعين عربياً في المطبّ الذي أشار إليه لاكان؟ يمكن أن نصوغ السؤال: ما هي مفاهيم التحليل النفسي الحديثة المتداولة في حياتنا الثقافية؟ في الحقيقة، لا تزال المفاهيم الفرويدية هي العملة المتداولة بيننا.

عرفت مصطلحات صاحب "قلق في الحضارة" انتشاراً موسّعاً في الحياة الثقافية العربية، لكنها لم تعرف تحيينات خارج الدوائر المعرفية الضيّقة، بالتوازي مع التحيينات التي لحقتها في الغرب. فـ لاكان مثلاً، أشهر مطوّري التحليل النفسي، لا تزال مؤلفاته غائبة عن العربية في ما عدا الكتب التعريفية به. لعل من الإشارات الدالة، أن مؤلفات عدنان حبّ الله، أحد أشهر الكتّاب العرب في التحليل النفسي، تحمل غالباً عنواناً فرعياً موحّداً "من فرويد إلى لاكان"، وكأنه تحديد لنطاق تحرّك الفهم العربي.

المفارقة الأكثر حدّة هي أن المحلّل النفسي المصري مصطفى صفوان يُعتبر أحد أبرز المراجع في لاكان، وهو الذي أشرف على جمع محاضراته. لكن كل هذا المجهود يقع في اللغة الفرنسية حصراً، ولا نجد انعكاسه العربي.
قضية لغة التأليف والبحث لا تقف عند صفوان، فأبرز المشتغلين العرب في هذا المجال اليوم يعتمدون لغات أوروبية كالتونسي فتحي بن سلامة والجزائرية أليس شركي (مرجع في قامة أخرى في علم النفس؛ فرانز فانون).

بالمحصلة، وفي ما عدا بعض الأعمال المتفرقة، فإننا منحصرون في العربية داخل "تراث" التحليل النفسي، من خلال ترجمات جورج طرابيشي وآخرين لأعمال فرويد. ورغم أن كثيراً من الكتّاب العرب مثل مصطفى حجازي ومصطفى سويف وعبد العزيز القوصي وأحمد عكاشة وعلي زيعور وسمير عبده قد راكموا مجموعة مؤلفات في اختصاصات علم النفس إلا أنه من الصعب أن نعثر على كتاب جماهيري واحد لأحد هؤلاء.

تشير كل هذه الإضاءات إلى اصطدام التحليل النفسي بمكبّلات عربية عدة. قبل التمدّد على الأريكة، يطلب المحلّل النفسي دائماً من زائره التخفّف ومنحه الثقة كي تتقدّم الأمور، لكن يبدو أن قدرات الكشف المحتملة لا تستسيغها العقلية الجمعية، لذا حُكم عليه بالبقاء في زاوية النسيان أو التفكير بمفردات لغة أخرى.

المساهمون