23 أكتوبر 2024
مغرب 2040.. خطة بحاجة لإرادة سياسية
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
أصدرت مجموعة البنك الدولي مذكرة "المغرب في أفق 2040.. الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي"، في الأشهر الأولى من عام 2017 الجاري، لكن تسارع وتيرة الأحداث منذ الانتخابات التشريعية، وما تلاها من انسداد سياسي دام أشهرا عديدة، ثم السجال بشأن واقعة تشكيل الحكومة، وجديدها الحراك الشعبي في منطقة الريف الممتد والمتواصل للشهر الثامن... حالت دون إيلاء الاهتمام الكافي بالتقرير النوعي، بالنظر إلى مضمونه وسياق إصداره.
تحظى الوثيقة بطابع الاستثنائية، فهي أول تقرير يصدر عن هذه المؤسسة، بعد انخراط المغرب في مسلسل إصلاحات كبرى؛ إذ يعود أحدث تقرير قُطري للبنك الدولي عن المغرب إلى عشر سنوات خلت. وقد شملت الأخيرة مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، جرّاء ضغط رياح الربيع العربي التي واجهها النظام بذكاء، إلى درجةٍ مكّنته من نحت نموذج "الاستثناء المغربي".
تتعدد القراءات الممكنة للوثيقة بين التفاؤل والتشاؤم، بحسب زاوية النظر إليها، لكن الإجماع قائمٌ بخصوص الدقة في تشخيص المرحلة السابقة. إذ استطاعت أن ترصد، وبعناية فائقة خلال عقد ونصف العقد، الأصعدة التي حصل فيها تقدم ملموس. وبالموازاة معها الجوانب التي تعثرت، على الرغم من المجهودات التي بُذلت قصد النهوض بها، ومعها التحديات التي بات مفروضا على المغرب أن يكون لها بالمرصاد، إن رغب في اللحاق بالركب الاقتصادي المتسارع في أفق 2040.
تشخيصٌ واستشرافٌ تم تأطيرهما على مدار التقرير بمتوالية أسئلةٍ جوهريةٍ، تضع التجربة المغربية، في الجانب الاقتصادي بالخصوص، على المحك. في الشق الأول، المتعلق
بالتشخيص، نذكر أسئلةً من قبيل هل تحول النمو الاقتصادي في المغرب، خلال 15 سنة الأخيرة، إلى ثروةٍ وطنيةٍ، أم أنه كان على حساب البيئة؟ ثم ألا يعتبر النموذج بمثابة رافعة لتحول هيكلي سريع للمغرب، في حقبةٍ سمتُها الأساسية الانفتاح والتحرير الاقتصاديان؟ بينما تحضر الأسئلة الراهنة، ببعدها التوقعي، بقوة في الشق الثاني، على شاكلة هل يمكن للمغرب، خلال هذا المسار، أن يستفيد من المكاسب غير المتوقعة والفرص التي ينعم بها، خصوصا بسبب التحول الديمغرافي الذي يشهده؟ وهل في مقدوره مجابهة كل التحديات الاقتصادية التي لم تسمح بإقلاع اقتصادي يبلغه الأفق المنشود، ويجنبه، في الوقت نفسه، السقوط في فخ "التحديث بلا تنمية"؟
يطمح المغرب إلى أن يصبح أول دولة عربية غير منتجة للنفط تنضم إلى نادي الدول المنبثقة. ومن منجزاتٍ يشيد التقرير باتخاذها، بغية تحقيق هذا الطموح، الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية واللاشعبية التي كانت لدى الحكومة السابقة الجرأة لمباشرتها؛ إصلاح صندوق المقاصّة، إصلاح أنظمة التقاعد، الحد من الريع بعدة قطاعات (النقل، استغلال المقالع، التوظيف...)، مراجعة السياسة الضريبية، إلى غير ذلك من الإجراءات. كما نوَّه أيضا بالتقدم الملموس خلال السنوات الأخيرة، على مستوى الحريات الفردية والحقوق المدنية والسياسية.
ترجمت هذه التطورات إلى نمو اقتصادي مرتفع نسبيا، وزيادة مهمة في الثروة الوطنية ومتوسط الدخل ومستوى العيش، وتحسين الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية، وتطوير البنى التحتية العامة. ما مكّن المغرب، بحسب التقرير، من إطلاق مسار اللحاق الاقتصادي ببلدان جنوب أوروبا (إسبانيا، البرتغال، إيطاليا...).
لم تقف المذكرة عند حد الإشادة والتنويه بالنموذج الاقتصادي المغربي، وإنما تعدّت ذلك إلى تحليلٍ لمختلف السيناريوهات الاقتصادية الكفيلة بمضاعفة الوتيرة الحالية لالتقائية الاقتصاد المغربي، من خلال استعراض سبل السياسة الاقتصادية التي من شأنها أن تؤدّي إلى تحقيق السيناريو الأفضل للحاق الاقتصادي المتسارع.
وطُرحت، في هذا الشأن، أبرز التحديات التي على المغرب أن يتصدّى لها، إن هو أراد تحقيق الإقلاع الاقتصادي في نسخةٍ مغربيةٍ خالصة. تحدّيات يمكن تلخيصها في عنوان عريض، اسمه الاستثمار بأصنافه كافة؛ الرأسمال البشري والرأسمال المادي والرأسمال الاجتماعي.
يضع التقرير في مقدمة الأولويات مسألة التشغيل وإدماج الشباب التي يدقّ ناقوس الخطر حيالها، فهي المؤشر الاقتصادي الأبرز من بين باقي المؤشرات الذي لم يصبح إيجابيا بعد. ويدعو إلى تجاوز النظرة التقليدية نحو البطالة كأزمة، والتفكير في العنصر البشري، ثروةً على الدولة استغلالها بتوفير المناخ اللازم لتصريفها، بشكلٍ يجعل منها قيمةً مضافةً للاقتصاد. مع الإشارة إلى أن التحدّي لا يقف عند مجرّد إيجاد فرص شغل، وإنما في مرفقاته؛ إذ ينبغي أن تكون ذات جودة عالية أولا، ويلزم العمل على استدامتها والحفاظ عليها ثانيا.
تأتي مسألة التعليم ثانيا في ترتيب التحديات، فلا بديل للمغرب إن أراد كسب التحدي لصالحه عن وضع التربية في صلب التنمية، وحتى يكون الإصلاح التربوي فعالا، ينبغي أن يتحلى
بصفتي الواقعية والانتقائية. يستدعي هذا الأمر نهج أسلوب "المعالجة بالصدمات"، لعل ذلك يقود إلى إحداث ما سماه التقرير "معجزة تربوية".
تأهيل القطاع الصحي، وإصلاح الإدارة، مطروحان بدرجةٍ لا تقل حدة عن المسائل السابقة. في هذه المذكرة التي يمكن أن تنزل منزلة خريطة طريق اقتصادية بالنسبة للمغرب، على هذا الأساس يكون رهان 2040 قائما على أربعة ركائز أساسية، لا مفر من مجابهتها.
حتى يتأتى ذلك، لا بد من توافر إرادة سياسية حقيقية لدى الدولة، قوامها تحصين المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أشاد بها التقرير، والعمل على حصد التراكم فيها، ما يجعل منها حلقاتٍ في مسلسل الإصلاح المتواصل. لا أن يتم السعي بكل الطرق إلى التراجع عنها، متى أمكن ذلك (الأزمة الحكومية مثلا)، أو إلى الالتفاف حولها بوقف التنفيذ أو التأجيل (إتمام إصلاح صندوق المقاصّة نموذجا).
تحظى الوثيقة بطابع الاستثنائية، فهي أول تقرير يصدر عن هذه المؤسسة، بعد انخراط المغرب في مسلسل إصلاحات كبرى؛ إذ يعود أحدث تقرير قُطري للبنك الدولي عن المغرب إلى عشر سنوات خلت. وقد شملت الأخيرة مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، جرّاء ضغط رياح الربيع العربي التي واجهها النظام بذكاء، إلى درجةٍ مكّنته من نحت نموذج "الاستثناء المغربي".
تتعدد القراءات الممكنة للوثيقة بين التفاؤل والتشاؤم، بحسب زاوية النظر إليها، لكن الإجماع قائمٌ بخصوص الدقة في تشخيص المرحلة السابقة. إذ استطاعت أن ترصد، وبعناية فائقة خلال عقد ونصف العقد، الأصعدة التي حصل فيها تقدم ملموس. وبالموازاة معها الجوانب التي تعثرت، على الرغم من المجهودات التي بُذلت قصد النهوض بها، ومعها التحديات التي بات مفروضا على المغرب أن يكون لها بالمرصاد، إن رغب في اللحاق بالركب الاقتصادي المتسارع في أفق 2040.
تشخيصٌ واستشرافٌ تم تأطيرهما على مدار التقرير بمتوالية أسئلةٍ جوهريةٍ، تضع التجربة المغربية، في الجانب الاقتصادي بالخصوص، على المحك. في الشق الأول، المتعلق
يطمح المغرب إلى أن يصبح أول دولة عربية غير منتجة للنفط تنضم إلى نادي الدول المنبثقة. ومن منجزاتٍ يشيد التقرير باتخاذها، بغية تحقيق هذا الطموح، الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية واللاشعبية التي كانت لدى الحكومة السابقة الجرأة لمباشرتها؛ إصلاح صندوق المقاصّة، إصلاح أنظمة التقاعد، الحد من الريع بعدة قطاعات (النقل، استغلال المقالع، التوظيف...)، مراجعة السياسة الضريبية، إلى غير ذلك من الإجراءات. كما نوَّه أيضا بالتقدم الملموس خلال السنوات الأخيرة، على مستوى الحريات الفردية والحقوق المدنية والسياسية.
ترجمت هذه التطورات إلى نمو اقتصادي مرتفع نسبيا، وزيادة مهمة في الثروة الوطنية ومتوسط الدخل ومستوى العيش، وتحسين الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية، وتطوير البنى التحتية العامة. ما مكّن المغرب، بحسب التقرير، من إطلاق مسار اللحاق الاقتصادي ببلدان جنوب أوروبا (إسبانيا، البرتغال، إيطاليا...).
لم تقف المذكرة عند حد الإشادة والتنويه بالنموذج الاقتصادي المغربي، وإنما تعدّت ذلك إلى تحليلٍ لمختلف السيناريوهات الاقتصادية الكفيلة بمضاعفة الوتيرة الحالية لالتقائية الاقتصاد المغربي، من خلال استعراض سبل السياسة الاقتصادية التي من شأنها أن تؤدّي إلى تحقيق السيناريو الأفضل للحاق الاقتصادي المتسارع.
وطُرحت، في هذا الشأن، أبرز التحديات التي على المغرب أن يتصدّى لها، إن هو أراد تحقيق الإقلاع الاقتصادي في نسخةٍ مغربيةٍ خالصة. تحدّيات يمكن تلخيصها في عنوان عريض، اسمه الاستثمار بأصنافه كافة؛ الرأسمال البشري والرأسمال المادي والرأسمال الاجتماعي.
يضع التقرير في مقدمة الأولويات مسألة التشغيل وإدماج الشباب التي يدقّ ناقوس الخطر حيالها، فهي المؤشر الاقتصادي الأبرز من بين باقي المؤشرات الذي لم يصبح إيجابيا بعد. ويدعو إلى تجاوز النظرة التقليدية نحو البطالة كأزمة، والتفكير في العنصر البشري، ثروةً على الدولة استغلالها بتوفير المناخ اللازم لتصريفها، بشكلٍ يجعل منها قيمةً مضافةً للاقتصاد. مع الإشارة إلى أن التحدّي لا يقف عند مجرّد إيجاد فرص شغل، وإنما في مرفقاته؛ إذ ينبغي أن تكون ذات جودة عالية أولا، ويلزم العمل على استدامتها والحفاظ عليها ثانيا.
تأتي مسألة التعليم ثانيا في ترتيب التحديات، فلا بديل للمغرب إن أراد كسب التحدي لصالحه عن وضع التربية في صلب التنمية، وحتى يكون الإصلاح التربوي فعالا، ينبغي أن يتحلى
تأهيل القطاع الصحي، وإصلاح الإدارة، مطروحان بدرجةٍ لا تقل حدة عن المسائل السابقة. في هذه المذكرة التي يمكن أن تنزل منزلة خريطة طريق اقتصادية بالنسبة للمغرب، على هذا الأساس يكون رهان 2040 قائما على أربعة ركائز أساسية، لا مفر من مجابهتها.
حتى يتأتى ذلك، لا بد من توافر إرادة سياسية حقيقية لدى الدولة، قوامها تحصين المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أشاد بها التقرير، والعمل على حصد التراكم فيها، ما يجعل منها حلقاتٍ في مسلسل الإصلاح المتواصل. لا أن يتم السعي بكل الطرق إلى التراجع عنها، متى أمكن ذلك (الأزمة الحكومية مثلا)، أو إلى الالتفاف حولها بوقف التنفيذ أو التأجيل (إتمام إصلاح صندوق المقاصّة نموذجا).
دلالات
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
محمد طيفوري
مقالات أخرى
11 أكتوبر 2024
22 سبتمبر 2024
03 سبتمبر 2024