رفضت نساء كثيرات في المغرب الاستسلام لواقعهن الصعب. كان عليهن فتح أبواب منازلهن والخروج للعمل، لإنقاذ أسرهن من الفقر. لم يكن الأمر سهلاً في مجتمع تقليدي رسم حياتهن مسبقاً، واعتبر أن مكانهن الوحيد هو البيت. مع ذلك، واجهن جميع هذه المعوقات، واخترن مهناً كثيرة، منها تلك التي لطالما احتكرها الرجال، كتنظيف الشوارع أو قيادة سيارات الأجرة.
الذهب الأحمر
تعمل أم هاني في تعاونية صغيرة في مدينة تازناخت (الجنوب)، تُعنى بزراعة الزعفران أو ما يعرف بـ"الذهب الأحمر" لغلاء سعره في الأسواق، بهدف تلبية احتياجات أسرتها. تقول لـ"العربي الجديد" إنها "سعت إلى العمل لمحاربة شبح الفقر الذي كان يهدد أسرتها، وخصوصاً بعد طلاقها قبل ثلاث سنوات".
حالُ أم هاني لا يختلف عن حال آلاف المغربيات اللواتي دفعتهن الظروف الاجتماعية الصعبة إلى العمل في تعاونيات مماثلة، لتلبية متطلبات الأسرة، وتحقيق استقلالية مادية. اختارت فاطمة أشلحي، وهي من منطقة تافراوت في الجنوب أيضاً، العمل في تعاونية لاستخراج الزيت من شجر الأركان. تقول إنها "اضطرت إلى العمل لمساعدة زوجها المُقعد".
تابو
لم يكن خيار العمل سهلاً بالنسبة إلى هؤلاء النساء، وخصوصاً أن المجتمع الذي ينتمين إليه، لا يزال يرى أن مكان المرأة الوحيد هو بيتها بغض النظر عن ظروفها المعيشية. مع ذلك، استطعن تغيير هذه النظرة، بفعل الحاجة.
في السياق، يقول مسؤول إحدى التعاونيات النسائية المتخصصة في بيع زيت أركان، نور الدين معاشو، إن "النساء اللواتي عملن في التعاونية عانين كثيراً من الناحية النفسية، لمجرد تجاوزهن محاذير أسرية واجتماعية كثيرة". ويضيف أن "عدداً من النساء القرويات تغلبن على الخجل، الذي كان عائقاً في بداية عملهن، علماً أن المرأة الريفية في العادة لا تخرج من بيتها إلا للضرورة".
من جهتها، تؤكد الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير أن "مغربيات هذا الجيل اختلفن، ونجحن في كسر تابو التقاليد الاجتماعية الذي لطالما كان يعيق خروجهن للعمل، وبدأن يسعين إلى تحقيق استقلاليتهن المادية عن الرجل".
مهن شاقة
كثيرةٌ هي المهن التي اختارتها النساء لإنقاذ أسرهن من العوز. بعضهن افترشن الأرصفة لبيع الخبز أو الفطائر. فيما اختارت أخريات تنظيف الشوارع من القمامة، أو قيادة سيارات الأجرة.
فوزية بنت الكبير (في العقد الثالث)، تبيع الخبز في أحد شوارع مدينة سلا. تقول لـ"العربي الجديد": "لولا حاجتي إلى المال لما خرجت إلى الشارع، واضطررت إلى تحمل مضايقات الرجال". وتضيف أنها لا تجني الكثير من المال، وبالكاد تستطيع تسديد إيجار البيت واطعام ابنها، مشيرة إلى أن "المجتمع المغربي لا يرحم المرأة الفقيرة التي تضطرها الظروف للعمل".
ونتيجة لقلة الخيارات، اختارت مغربيات أخريات العمل ضمن "الإنعاش الوطني". فلم يعد غريباً رؤية امرأة تنظف الشوارع من القمامة، رغم أنهن "يعمدن إلى تغطية وجوههن". في المقابل، بدا بعضهن أكثر جرأة. ففي عدد من شوارع المغرب، ترى نساء يقدن سيارات أجرة صغيرة، أو يعملن "ماسحات للأحذية"، وغيرها.
ربما يفضل معظم هؤلاء النساء العودة إلى بيوتهن لولا ظروفهن المادية الصعبة. مع ذلك، فقد نجحن في خرق صورة المجتمع النمطية حيال المرأة.