مغربيات يتعبن عبر الهاتف بأجر ضئيل

11 يوليو 2017
قد يتضرر سمعها (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
تساهم مراكز النداء عبر الهاتف في المغرب والتي تدخل في مجال "أوف شور" (شركات خارج الحدود) الذي يتبوأ فيه المغرب فيه المرتبة الأولى أفريقياً وعربياً، في محاربة بطالة آلاف الشابات المغربيات.

بذلك، تلجأ فتيات كثيرات، سواء بعد حصولهن على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا) أو قبل ذلك، للعمل في شركات النداء الهاتفي، وهي شركات خاصة تعود إلى مستثمرين ورجال أعمال ينشطون في مجال ترحيل الخدمات أو ما يعرف بتقديم الخدمات عن بعد.

تضم هذه المهنة أكثر من ثلاثين ألف شاب وفتاة ضمن شركات النداء التي توجد في مختلف مدن المملكة، خصوصاً في محور الرباط والدار البيضاء، وهم موزعون على أكثر من 300 مركز للاتصال الهاتفي. يعتمد عمل العديد من عاملات مراكز النداء الخاصة على اصطناع أو تقمص شخصية أخرى، تتمثل في موظفة فرنسية تحسن الحديث بـ"لغة موليير"، للتجاوب مع اتصالات زبائن فرنسيين وآخرين. يُفترض في عاملة الهاتف أن تبيع السلعة المطلوبة منها عبر الاتصالات الهاتفية التي ترد إلى الشركة من زبائن مغاربة وفرنسيين يسألون عن معايير وشروط وفوائد البضاعة.

توضح سمية بلعواشق، وهي عاملة سابقة بمركز للنداء وسط العاصمة الرباط، لـ"العربي الجديد" أنّ عملها كان يتحدد في أن تنسى شخصيتها المغربية وتتحول إلى عاملة فرنسية رغماً عنها، وأن تتقن اللغة الفرنسية باللكنة الأصلية في الحديث مع المتصلين. تقر سمية أنّ عمل عاملة الهاتف في مراكز أو شركات النداء الخاصة قد يتجاوز بيع سلع معينة من خلال الاتصالات الهاتفية، إلى محادثات ساخنة أحياناً بين الزبون والعاملة، ما يجعل هذه المهنة شاقة وعسيرة في الوقت نفسه.

إيجابيات هذه المهنة قائمة لكنّ سلبياتها كثيرة، فبخصوص المزايا تقول العاملة السابقة إنّ المهنة تحارب البطالة في صفوف الكثير من الفتيات والشبان، وتحميهم من "الارتماء في المقاهي والشوارع" وفق تعبيرها. ومن الإيجابيات كذلك أنّ الفتاة تكتسب مهارات في التواصل واللباقة مع الزبائن، وقد تحظى بمعرفة أشخاص فتعقد علاقات مهنية ناجحة قد تتيح لها الانتقال إلى وضع أفضل. أيضاً، فإنّ هذه المهنة تؤمّن راتباً شهرياً مستقراً بالرغم من ضآلته وبالرغم من كون العمل ككلّ محفوفاً بخطر الفصل في أيّ لحظة. وهو راتب يكفي الفتاة لتساعد أسرتها الصغيرة، وتلبية احتياجاتها الشخصية.



تستعرض عاملة الهاتف التي تقول إنّها تركت العمل لعدم تحملها كثرة الضغوط النفسية، عدداً من الصعوبات والمخاطر التي ترافق مهنة عاملة الهاتف في مراكز النداء الخاصة. منها ما هو جسدي وصحي، فالعمل يتطلب من عاملة الهاتف وضع السماعات على أذنيها أكثر من تسع ساعات يومياً، لإجراء عشرات المكالمات الهاتفية، ما قد يؤدي إلى مشاكل في الأذنين وفي حاسة السمع، وارتفاع الضغط بمرور الوقت.

تروي العاملة السابقة عن تجربتها في العمل، وتقول إنّها عندما كانت تنهي دوامها كلّ يوم تشعر كأنّها ولدت من جديد، أو كأنّها خرجت لتوها من زنزانة سحيقة إلى هواء نقي وعليل، من كثرة الضغوط أثناء العمل. أسباب هذه الضغوط تتجلى في مراقبة حركاتها وكلامها في أي وقت من طرف المسؤول عن العاملين في المركز، فأيّ خطأ أو تلعثم في الكلام مع الزبون الفرنسي يكون مصيره التوبيخ، ثم الطرد من دون حقوق مالية أو مهنية.

المعالج النفسي مجيد كمير يقول لـ"العربي الجديد" عن هذه النقطة الأخيرة إنّ شعور العامل أو العاملة بالرقابة عليه في كلّ لحظة وحين، وبأنّ أيّ هفوة يمكن أن تؤدي إلى الطرد من العمل أو الاقتطاع من الراتب، يثير ارتباك العامل، ويخلق لديه عقدة الاضطهاد النفسي. يقول كمير إنّ العاملة على الهاتف تشعر أنّ الجميع يقف ضدها، خصوصاً المسؤولين المباشرين عليها، كما قد تشك حتى في زميلاتها في أنّهن يسعين إلى التسبب في فصلها من العمل. يضيف أنّ القلق والتوتر أيضاً شعوران يفتكان بعاملات الهاتف.

مكانة المهنة، خصوصاً مكانة الموظفة فيها بالذات، سبب إضافي آخر في تأزم الوضع النفسي لعاملات الهاتف في شركات النداء، إذ يتوجب على الموظفة أن تخضع للزبون مهما قال، وبذلك فإنّ من مصلحتها ألاّ تشكو من تحرش وألفاظ بذيئة تسمعها يومياً عبر سماعة الهاتف من متصلين وزبائن غير محترمين كي تحافظ على عملها.

يشار هنا إلى أنّ بعض مراكز النداء تحول من مهنة بيع للسلع عبر الهاتف إلى اتصالات إباحية ساخنة. فقد شهدت مدينة الجديدة (غرب) قبل فترة، ضبط أنشطة مشبوهة كان يقوم بها مركز للنداء، تتمثل في خدمات ومكالمات "ساخنة" عبر الهاتف مع زبائن أجانب تتولاها عاملات هاتف.

المساهمون