مغامرات قيس 2015 في حيّنا

25 مارس 2015
كان الطيب مفتول العضلات (Getty)
+ الخط -
فؤادي بين أضلعي غريب/ ينادي مَن يحب فلا يجيب. تلك حال قيس بن الملوّح في حب ليلى العامرية. قلبه ينادي من دون أن يستجيب الحبيب البعيد. لكن ماذا لو كان قيس بيننا الآن؟.

لا بد أنّ الحبيبة ستستجيب إذا ما قرّر قيس 2015 تزويد سيارته بأجهزة صوتية متطورة. ستجيبه بالتأكيد إذا ما قصد الحي الذي تسكنه بسيارته التي تهتز على إيقاع أغاني العشاق. الحي كلّه سيهتزّ مع سماعات السيارة القوية، وليلى سترد من شرفتها.

الكل سيرد، الأطفال والنساء والشيوخ، وصاحب المقهى، والبقال، إنّما بعض الردود قد تأتي قاسية بوجه قيس. قاسية كتلك التي يطلقها الحاج أبو عدنان، جارنا، عند مرور كل سيارة مزوّدة بصوت قوي، "روح يلعن أبو يلّي جابك لهون شو بلا أخلاق".

لأيام عدة، ظلّ الشاب يجول بسيارته تحت شرفتنا على إيقاع أغنية إيهاب توفيق "ما لهومش في الطيب". في البداية، مرّ الأمر بشكل بديهي. ظننت أنّه كغيره من الشبان الملوّعين. حجب زجاج سيارته الأسود ملامح وجهه. ذاك المعذب أطال جولته. يغيب إلى آخر الشارع ويعود مجدداً من جهة أخرى والأغنية نفسها. تكرار فعلته هذه، لفتت انتباه أبناء الحي. "وطّي الصوت"، صرخ أحدهم من المقهى المجاور لشرفة الحبيبة.

توقفت السيارة، ترجّل منها الملوّع، العاشق و"الطيب"، كما يفترض أنّه يقدّم نفسه للحبيبة من خلال الأغنية. كان الطيب مفتول العضلات، ومشطوب الحاجب، وعلى خاصرته مسدس، كما نالت عدة وشوم من رقبته ووجهه وذراعيه، وحتى ما يسمّى "بطة" الرِجل. بطة الطيب تحمل صورة "هالك هوغان"، المصارع الأميركي الشهير. وقف العاشق، قيس 2015، صارخاً: "يلّي ما عاجبه يدق راسه بالحيط"!

إذاً، "الطيب"، لا هو بملامح الملوّع ولا الملوّح. هو هرم عاطفي مسلّح بأغنية لا تشبهه، ديناصور ولهان مزوّد بأصوات سيارته، وسلاحه يدلّ على أنّه مدعوم من جهة حزبية. ذاك عامل كافٍ لردع الحاج أبو عدنان عن نهره. طابت الجولة للعاشق، بتنا ندرك مواعيد زيارته الصاخبة إلى حيّنا. تفوّق على نفسه يوماً، وقرّر زيارتنا الساعة الثانية بعد منتصف الليل. فجأة اهتزّت غرفتي على الصوت نفسه. إنّه إيهاب توفيق مجدداً. قلت في نفسي ممتعضاً: "ما من طيّب على وجه الأرض بسماعات (بايونير)". فكّرت برشقه ببصلة، موزة، ليمونة، أو بيضة. لكن هل تؤثر حبات بهذا الحجم على ديناصور "طيب"؟

أطال الطيب السهر على إيقاع الأغنية تحت شرفة المعشوقة. علا صوت أذان الفجر قبل أن يقرّر الاختفاء. تصاعدت أصوات الأذان وأنا أدعو الله أن يجمعه بحبيبته بالحلال قريباً جداً لنرتاح من "طيبته". أدعو ربي وأكاد أردّد شعر قيس بن الملوح: ألا يا حَماماتِ العِراقِ أَعِنَّني على شَجَني، وابْكِينَ مِثْلَ بُكائِيا. أستعين بأبيات عشق قيس للنوم قبل عودة الطيب الملوّع. عشقي للنوم بوجود حب مزعج، فاق عشق الملوّح للعامرية. الصلاة خير من النوم، والنوم في هذه الحالة خير من الحب.
المساهمون