دخلت الانتخابات الرئاسية في الجزائر مرحلة سوق المواقف ومنصات المزايدة، على خلفية الانتقال السريع لكتلة من القوى والمنظمات الموالية للسلطة والحريصة على الالتصاق بمواقفها، من موقف دعم مرشح إلى مرشح آخر، تعتقد، وفق مؤشرات أو رصد أو شائعات، أن السلطة بصدد دعمه بشكل غير معلن، وأفضى غموض موقف السلطة والمؤسسة العسكرية بشأن دعم أحد المرشحين الخمسة، ورفضها طرح أية مؤشرات لذلك، إلى حرب شائعات سياسية انسحبت على مواقف هذه المجموعات وصبّت لصالح أحد المرشحين.
أكبر الخاسرين في سوق المواقف كان المرشح الرئاسي ورئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون، والذي أعلنت كتلة كبيرة من المنظمات التي سبق أن دعمته عن سحب تأييدها له لصالح المرشح الرئاسي وزير الثقافة والأمين العام لحزب "التجمع الديمقراطي" بالنيابة عز الدين ميهوبي.
كذلك أعلن رئيس اللجنة الوطنية لمساندة المترشح عبد المجيد تبون، ومدير حملته بولاية تيزي وزو، قرب العاصمة الجزائرية، سليمان كروش، استقالته من منصبه كمشرف على حملة تبون، وأعلن التحاقه بحملة دعم المرشح عز الدين ميهوبي. ودعا كروش في بيان نشره، اليوم الثلاثاء، المكاتب الولائية لهيئته للتحول إلى دعم ميهوبي، دون أن يقدم مبررات لهذا التحول في الموقف، وتبع هذا الموقف إعلان منظمات التجار والحرفيين وأبناء الشهداء وأرباب العمل وغيرها من التنظيمات المهنية في عدة ولايات عن تحولها إلى دعم ميهوبي.
وتطوّر صراع المواقف إلى أروقة هيئة الانتخابات، حيث اتهمت مديرية حملة تبون حملة ميهوبي، في شكوى رسمية أودعتها لدى الهيئة المستقلة للانتخابات بولاية تيسمسيلت، غربي الجزائر؛ ببث شائعات عن دعم الجيش لميهوبي. وتضمنت الشكوى أن مديرية حملة المترشح عز الدين ميهوبي "تقوم بتجاوزات خطيرة تمثلت في التهديد والترهيب عن طريق القيام بنشر الفتنة بين عموم المواطنين والدعاية المغرضة بالترويج لأخبار مفادها بأن عز الدين ميهوبي هو رئيس الجمهورية القادم وفق تعليمات فوقية في إشارة إلى المؤسسة العسكرية".
لكن التطور الأبرز في المواقف يرتقب أن يمثله إعلان وشيك لقيادة حزب "جبهة التحرير الوطن" عن دعمها ميهوبي، حسب ما تفصح عنه بعض قيادات الحزب (تحفظت عن ذكر اسمها)، والتي كشفت لـ"العربي الجديد" أنّ الحزب انتهى إلى تصميم موقف ينسجم مع طبيعة التحالفات السياسية للحزب، حيث يتوجه إلى إعلان دعمه ميهوبي، الذي يقود حزب التجمع الديمقراطي، والذي تربطه شراكة سياسية مع "جبهة التحرير"، في إطار "التحالف الرئاسي سابقاً والجدار الوطني".
ويرتقب أن يعلن الأمين العام بالنيابة للحزب، علي صديقي، عن هذا الموقف الخميس المقبل. وقال صديقي في تصريح صحافي، اليوم الثلاثاء، إنّ "حزب جبهة التحرير الوطني سيراعي مصلحة الجزائر والحزب والبرنامج الانتخابي والانتماء إلى التيار الوطني في اختيار المترشح الذي سيدعو المناضلين للتصويت لصالحه يوم 12 ديسمبر". وأكد وجود اتصالات وإمكانية لدعم المترشح عز الدين ميهوبي، غير أنه أكد أن الأمر ما زال غير نهائي ومحل نقاش داخل قيادة الحزب.
وعزّزت هذا التوجه تصريحات أطلقها المرشح عز الدين ميهوبي، في تجمع له، اليوم الثلاثاء، في مدينة الأغواط، عندما أعلن عن التزامه السياسي في حال انتخابه بتأسيس قطب وطني يضم قوى التيار الوطني، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني. ووضع خطة لترميم الجدار الوطني بعقد تحالف يجمع قوى التيار الوطني.
وبرغم تصريحات ميهوبي، وإعلان صديقي لهذا المؤشر الذي قد يبعد الحزب عن ثلاثة من المرشحين الذين تربطهم بالحزب المركزي في الجزائر علاقة عضوية وانتماء تاريخي كالمرشح عبد المجيد تبون، الذي لا يزال عضواً في اللجنة المركزية للحزب، والمرشح علي بن فليس المناضل في الحزب لعقود وكان أمينه العام عام 2003، وبلعيد عبد العزيز، الذي ناضل في الحزب حتى عام 2012، فإن بعض التحاليل تبقي احتمال أن لا يعلن الحزب عن دعم مرشح محدد، وأن يطرح بدلاً من ذلك على ناخبيه مواصفات المرشح الذي يجب اختياره كمحدد انتمائه إلى التيار الوطني ومرجعية ثورة نوفمبر/ تشرين الأول والحفاظ على الدولة وعدم وجود شبهات ما بشأنه.
ويقلّل أحد الكوادر البارزة في الحزب، جمال مكاوي، من إمكانية التزام قواعد الحزب بأي قرار يتخذه في السياق الانتخابي. ويقول في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك استياء كبيراً داخل الحزب من توجهه نحو دعم مرشح التجمع الديمقراطي ميهوبي، وهذا الموقف هو ضد قناعات المناضلين ولا يمثل طموحهم"، معتبراً أنه "موقف لا يمثل تطوراً بل تقهقراً، كنا نتمنى أن يبقى الحزب على الحياد في هذه الرئاسيات حتى يتمكن من تطهير صفوفه، هناك ضبابية كبيرة، لكن ما أنا متأكد منه أن القاعدة الحقيقية للجبهة لن تلتزم مع قرارات هذه القيادة، الكثير من المناضلين لديهم قناعات انتخابية خاصة أو ليس لهم موقف مع أي مترشح".
ويبرّر جمال هذا الاحتمال برغبة السلطة والجيش في إبعاد حزب "جبهة التحرير"، كون موقفه يظل في الجزائر مرتبطاً بموقف السلطة والجيش، بل إن مواقفه تمثل في الغالب الواجهة السياسية للمواقف الحقيقية للسلطة، ومن شأن ذلك أن يشوش على مبدأ الحياد الذي التزمت به السلطة والجيش، وفق آخر التصريحات لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وبيان وزارة الدفاع، أمس الإثنين، والذي تطرق إلى منح الكتلة الناخبة من العسكريين والأمنيين حرية الاختيار بين المرشحين الخمسة.
إلى ذلك، يبدو المرشح الإسلامي، عبد القادر بن قرينة، هو الآخر في صراع داخل البورصة الانتخابية مع المرشح الرئاسي ورئيس الحكومة السابق علي بن فليس، وإذا كان بن قرينة قد نجح في ربح كتلة من الناخبين الإسلاميين المحسوبين على عدد من الأحزاب الإسلامية وفي حزبه السابق "حركة مجتمع السلم"، والذين يطالبون حزبهم بإعلان دعم بن قرينة، على غرار حزب "الجبهة الشعبية"، قيد التأسيس، والمنخرط فيه المعارض الإسلامي والعقيد السابق في الجيش والموجود في لندن أحمد شوشان، والذي أعلن عن دعمه بن قرينة؛ فإن كتلة من الكوادر الإسلامية حولت موقفها لصالح المرشح بن فليس.
ووقعت 79 شخصية من الناشطين في التيار الإسلامي، بينهم رئيس حركة "النهضة" سابقاً، فاتح ربيعي، وهو المنسّق الوطني للفضاء الجزائري للحريات الجزائر، ويوسف قاسمي المنسّق العام لمنتدى النخبة والكفاءات الوطنية عن لائحة لدعم بن فليس، وتضمنت اللائحة أنه "وبعد الدراسة المتأنّية لقائمة المترشّحين وبرامجهم المقترحة على الشعب، ومدى امتلاك المترشّح لرؤية تنسجم مع المطالب المشروعة للشعب، وقدرته الشخصية على تنفيذها في حال الفوز بالاستحقاق الرئاسي، تقرر دعم للمترشح الحر علي بن فليس"، ودعت الشعب للالتفاف حول بن فليس ودعمه".