طلب معهد بيترسون للاقتصادات الدولية، أحد أهم مراكز الأبحاث الاقتصادية في العالم، من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التقدم بشكوى ضد الصين لدى منظمة التجارة الدولية بجنيف، بسبب تخليها عن التزامها بالامتناع عن إجبار الشركات الأميركية على نقل التكنولوجيا الحديثة إلى الشركات الصينية من أجل السمح لها بالوجود في السوق الصينية.
وقال نيكولاس لاردي، الزميل بالمعهد، والمتخصص في الشأن الصيني، إن اتهام إدارة دونالد ترامب للصين بإجبار الشركات الأميركية على دخول السوق الصينية في صورة شراكة مشروعات Joint Venture، من أجل إجبار الطرف الأميركي على نقل الأسرار التكنولوجية المتقدمة للطرف الصيني، مثل حجر عثرة في طريق التوصل إلى اتفاق بين أكبر اقتصادين في العالم.
ونصح لاردي الممثل التجاري الأميركي، روبرت لايتايزر، والمسؤول حالياً عن ملف التفاوض مع الصين، باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، بدلاً من تكرار إطلاق اتهامات للصين بأنها تجبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة من كل البلدان على نقل التكنولوجيا لشركاتها.
وأشار لاردي إلى أن الصين، التي سمحت مع الانفتاح للاستثمارات الأجنبية المباشرة بدخول السوق الصينية في صورة شراكة مشروعات فقط، أوجدت في 1986 الإطار التشريعي اللازم لعمل الشركات المملوكة بالكامل للأجانب، إلا أن السنوات التالية، وصولاً إلى ما قبل نهاية الألفية، لم تشهد تحولاً كبيراً في شكل الاستثمار الأجنبي الوافد للبلاد.
لكن بحلول عام 2000، وعشية انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، مثلت الشركات المملوكة بالكامل نحو 50% من إجمالي الاستثمار الأجنبي في الصين، ووصل الرقم إلى 80% في عام 2014، قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى 70%.
وأكد لاردي أن الشركات المملوكة بالكامل للأجانب تمنح المستثمرين فرصة اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية ملكيتهم الفكرية وبراءات الاختراع، كما هو الحال عند دخولهم اي دولة أخرى، كما أشار إلى أن تقديم أميركا شكوى ضد الصين في منظمة التجارة من شأنه أن يسرع من وتيرة ونطاق السماح للشركات الأميركية بدخول السوق الصينية منفردة، وبعيداً عن الشراكة مع الشركات الصينية.
وشكلت السرقات التكنولوجية عاملاً مهماً في الصراع التجاري بين أميركا والصين، خاصةً بعد أن أظهرت دراسة أميركية أن الصين حرمت أميركا من إيرادات تقدر بـ 600 مليار دولار خلال الفترة بين 1995 - 2015، وأضاعت على الأميركيين آلاف الوظائف، من جراء سرقة مواطنيها وشركاتها لحقوق الملكية الفكرية، والتكنولوجيا الحديثة، والأسرار التجارية للولايات المتحدة.
وقال المفاوض الأميركي لايتايزر، المعروف بتشدده تجاه الطرف الصيني "لو كانت هناك صفقة، سنتفق عليها. الرئيس يريد إتمام صفقة، ولابد أن يتم التحقق منها، ومراقبة تنفيذها، لا يمكن أن تكون مجرد وعود غامضة كما كان الحال خلال الـ 25 سنة الأخيرة".
وأكد لايتايزر أنه طالما كان هو المخول بالتفاوض مع الصينيين، فإنه سيكون متشدداً معهم.
وشدد لايتايزر على أن إلقاء القبض على المدير المالي لشركة هواوي الصينية، المتهمة بخرق العقوبات الأميركية المفروضة على ايران، بناء على طلب أميركي في مطار كندا، لن يكون لها تأثير على المفاوضات الأميركية الصينية الجارية.
لكن من المؤكد أن قضية شركة هواوي تمثل أهمية كبيرة للصين، فبالإضافة إلى كون المدير المالي التي تم الافراج عنها بكفالة هذا الأسبوع مسؤولة كبيرة في الشركة، وهي في الوقت نفسه أبنة مؤسس الشركة، تعد هواوي صاحبة ثاني أكبر مبيعات في العالم لأجهزة التليفون المحمول بعد سامسونج وقبل العملاق الأميركي آبل، بالإضافة إلى انتاجها أجهزة الكمبيوتر المحمول، والتابلت، والتليفزيونات.
وفي تطور للصراع بين العملاقين، حظرت محكمة صينية يوم الاثنين الماضي بيع أو استيراد أغلب موديلات تليفونات آيفون، إلا أنه لا يسري على الموديل "أكس X الذي" لم يكن موجوداً بالأسواق وقت رفع القضية.
وجاء الحكم على خلفية اتهام كوالكوم الصينية لشركة آبل بسرقة أثنين من أسرارها التكنولوجية، واستخدامهما في العديد من الموديلات السابقة للموديل أكس.
ونفت آبل الاتهامات، وقالت في بيان رسمي "جهود كوالكوم لحظر منتجاتنا في الصين تمثل محاولة يائسة من الشركة، التي تخضع ممارساتها غير القانونية للتحقيق بواسطة الجهات التنظيمية حول العالم". كما أكدت آبل أن منتجاتها ستظل متوفرة بالسوق الصينية.
وعلى الرغم من أنه حتى هذه اللحظة لا يمكن التأكد إذا كان الحكم الصادر من المحكمة الصينية كان مسيساً أم لا، إلا أنه من الواضح أن الصين والولايات المتحدة متورطتان في حرب تجارية متبادلة، يسيطر عليها عدم الثقة، خاصة فيما يتعلق بالأسرار التكنولوجية لدى البلدين، كما أن هذه الحرب تهدّد بالاشتعال بصورة كبيرة في الأسابيع القادمة، بصورة قد تؤثر على النمو الاقتصادي في البلدين، كما في كافة دول العالم.
وحذر صندوق النقد، في أكثر من مناسبة، خلال الشهور الماضية، من مخاطر الحروب التجارية وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد العالمي. وأصدر عدة تقارير، أكدت أن فرض التعريفات على الواردات يؤدي إلى تباطؤ النمو، ويرفع معدلات البطالة، ولا يسهم في تحسين عجز الميزان التجاري.
ويوم الأحد الماضي، حذر موريس أوبستفلد، كبير الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي، من تباطؤ الاقتصاد الأميركي كنتيجة لتباطؤ الاقتصاد العالمي، بفعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.