معضلة الأقليات

26 يناير 2017
في السودان حوالي 600 قبيلة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس هناك من تعريف موحّد بين علماء الاجتماع لمصطلح الأقلية مثله مثل عشرات المصطلحات التي تتعدد تعريفاتها، فحالما يصدر أحد العلماء تعريفاً ينهض آخر لنقده ونقضه بتعريف جديد. لكن التعريف الذي قد يكون الأقرب إلى الصواب هو الذي وضعه عالم الاجتماع الأميركي لويس ورث والذي يعتبر بموجبه الأقلية هي "أي جماعة تتلقى معاملة غير متساوية مع بقية المواطنين بفعل صفات جسدية أو اجتماعية أو ثقافية خاصة بها".

مثل هذا التعريف يُدخل في عداد الأقليات المهمشين والنساء وذوي الحاجات الخاصة والمدمنين والمثليين وبعض الفئات المهنية حتى، وبما يتجاوز السائد لدينا في المنطقة العربية من أن الأقلية هي التي تحمل واحدة من صفتين أو الاثنتين معاً: الأولى منهما هي كل إثنية تختلف عن الإثنية العربية التي تكاد تصل الى 90 في المائة من سكان الدول العربية، ويندرج ضمن هذا التعريف الأكراد والأقباط والأرمن والسريان والأشوريون والبربر والتركمان والشركس والأيزيدون وغيرهم. أما الثانية فهي تلك التي تتحدد بالانتماء إلى الأقليات الدينية وهي هنا الشيعة الإثنا عشرية (الجعفرية) واليزيدية والأقباط والطوائف والجماعات المسيحية على اختلاف مذاهبهم واليهود وكذلك الدروز والأباضيون والبهائيون وغيرهم.

وقد يكون لبعض هذه الأقليات لغات خاصة بها الى جانب الاختلاف أو عدم الاختلاف في الهوية الدينية. يندرج في النسق هذا الأكراد والبربر والأرمن والعشرات من الجماعات ذات الهويات المحددة، وأشد ما تنوجد هذه في السودان فإلى جانب المسلمين والمسيحيين والوثنيين لدينا مجموعات قبلية تبلغ حوالى 600 قبيلة و57 جماعة عرقية وتعدداً لغوياً يقارب الـ400 لغة ما يجعل منه نسخة مصغرة عن القارة الأفريقية. إذن نحن لا نتحدث عن أقليات بمعنى الجماعات الصغيرة بل نتحدث عن عشرات الملايين الذين ينضوون تحت هذه الصفة بمعناها الأول أو الثاني.

وملف الأقليات من الملفات الحاسمة التي يتوجب على المنطقة العربية أياً كانت الترسيمات السياسية التي ستستقر عليها الدول الإحاطة بمشكلاتها، إذ أن زمن التجاهل لم يعد له من محل بعد أن فاضت المنطقة العربية بما في جوفها من معضلات كانت سابقاً مطموسة أو مغيبة قسراً، بفعل منسوب الشعارات القومية المرتفع والذي لم يعمر أكثر من خمسة عقود ليخلي مكانه لدول قومية تعتمد بنية استبدادية قمعية في التعاطي مع المطالب المرفوعة من جانب هذه الفئات الاجتماعية.

الآن وسط أصوات النيران المندلعة تحضر هذه الجماعات مطالبة بحقوقها المغيبة التي لم يعد ممكناً السكوت عنها في زمن باتت الأمور تجري في الميدان وعلى أقنية التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة على طول الكرة الأرضية وعرضها وأمام أعين الجمهور.
 
*أستاذ جامعي

المساهمون