يبدو أن المعركة التي يخوضها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بهدف انتزاع ما تبقّى من مناطق يسيطر عليها النظام في محافظة دير الزور، بما فيها المطار العسكري، تسير باتجاه الحسم العسكري لصالحه، وسط معارك كرّ وفرّ يحددها مدى فاعلية طيران النظام في المنطقة.
فبعد قطع التنظيم خطوط الإمداد الأولى عن كل من المطار العسكري ولواء التأمين والفوج 119 وحي هرابش، وامتلاك موقع استراتيجي يسهل السيطرة على كل من حيي الجورة والقصور، انسحب بشكل جزئي من مواقعه، تحت ضغط كثافة القصف الجوي من قبل النظام، إلا أن تقدمه باتجاه المطار العسكري، يرجّح احتمال اندلاع معارك شرسة، قد تنتهي بوقوع مجزرة كبرى داخل المطار بحق عناصر النظام، الذين يُقدّر عددهم بنحو ألفي عنصر، بالإضافة إلى احتمال تعرّض التنظيم لخسائر كبيرة.
ويظهر النظام اليوم في دير الزور، بلا حول ولا قوة، على الرغم من ارتكابه مجزرة كبرى بحق المدنيين في محافظة الرقة، أهم معاقل "داعش"، قبل أسبوع، بطريقة أشبه ما تكون بالاستعراض العسكري. ويُرجّح هذا الأمر، أن يكون التنظيم قد استجمع قواه في الآونة الأخيرة من دون ضجة إعلامية، واستخدم عنصر المباغتة من أجل الحسم السريع للمعركة، وهو التكتيك عينه الذي يتبعه في كل معاركه.
كما أن أي تدخل من قبل قوات التحالف الدولي في سير المعركة، سيضعها في موقف حرج، ويظهرها بمظهر المدافع عن النظام، لذلك من المرجح أن يكون تدخّل التحالف محدودا، ولا يتعدى ضرب الخطوط الخلفية لـ "داعش" بهدف إطالة أمد المعركة.
ومن المستبعد أن يتدخل التحالف من أجل إيقاف هذه المعركة، كونها تصبّ في مصلحته بغض النظر عن نتائجها، كما أن التحليلات، تشير إلى أنه "لو قرر التحالف الحسم لكان حسم وضع عين العرب".
كما تنظر معظم فصائل المعارضة المسلحة إلى هذه المعركة، على أنها تصبّ في صالحها، بغض النظر عن الجهة التي تقودها، كونها ستؤدي بالنتيجة لاستنزاف عدوين، وتصبّ في صالح المدنيين، الذين عانوا كثيراً من قصف قوات النظام، انطلاقاً من المطار ومن المناطق التي تتمركز فيها. وقد تستغرق المعركة وقتاً أكثر من المتوقع، بعد أن نقلها "داعش" إلى داخل أسوار المطار، بسبب مساحاته الكبيرة، ولوجود عدد من القطع العسكرية التي تساند قوات النظام.
وعلى الرغم من قطع خط الإمداد عن قوات النظام، غير أنه يبدو مؤقتاً، وقد يتمكن النظام من فتحه من خلال القصف الجوي العنيف، الذي يجبر التنظيم على الانسحاب وتحويل المعركة إلى معركة كر وفر.
وتراجع عناصر "داعش"، عن المواقع التي سيطروا عليها، مساء الجمعة، في منطقة الجبل الممتدة من جنوب مدينة دير الزور إلى الجنوب الشرقي المتداخل مع الريف، وذلك تحت وطأة القصف الجوي العنيف الذي تعرضت له العناصر المهاجمة. وتزامن التراجع مع اقتحام جزئي للمطار العسكري ونقل المعركة إلى داخله.
وكشف مصدر مطّلع لـ "العربي الجديد"، بأن "مجموعات مقاتلة من التنظيم تسللت من حي العمال صعوداً إلى الجبل، الذي يتمركز النظام عليه ويقصف أحياء المدينة وأجزاء من الريف منه، حيث ينصب مدفعيات ثقيلة ويقيم سواتر رمي للدبابات. فسيطرت العناصر على نقاط عدة على الجبل، بعد اشتباكات عنيفة مع عناصر النظام راح ضحيتها العشرات، اغتنم خلالها التنظيم أسلحة ثقيلة وآليات عسكرية تابعة للنظام، ثم ما لبث أن تراجع عنها، مساء أمس السبت".
ويوضح المصدر أن "الهدف من المعركة هو قطع طريق الإمداد عن مطار دير الزور العسكري، والجبل هو خط الإمداد الأول من اللواء 137 باتجاه المطار. وبسيطرة عناصر التنظيم على الجزء الأهم منه، يكون طريق الإمداد قد أغلق تماماً، وسيعتمد العناصر داخل المطار على ما تبقى لديهم من ذخيرة. خصوصاً بعد وصول التنظيم إلى داخل المطار".
وكان التنظيم قد حقق تقدماً كبيراً ليلة الجمعة الماضية، بسيطرته على الجزء الأكبر من قرية الجفرة المتداخلة مع المطار، محكماً بذلك قبضته على الجهة الشمالية الشرقية منه، وباشر بتحصين النقاط التي سيطر عليها، التي تعتبر خط الدفاع الأول عن المطار، وذلك لفتح طرق للمفخخات، إذ يبعد "داعش" 150 متراً عن أسوار الجهة الشرقية للمطار.
في المقابل، يتواجد في المطار نحو ألفي عنصر، بحسب تقديرات "داعش"، ويحتوي سرب طائرات "ميغ 21"، و"ميغ 23" ومدرجين بطول 3.1 كيلومترات، وأكثر من ست مروحيات.
ويؤكد ضباط من المرابطين في المطار أن نصف هذه الطائرات جرى إعطابها في مرابضها، كما تداخلت الألوية والقطع العسكرية التابعة للنظام، وهي "لواء التأمين" للجاهزية والإمداد، و"الفوج 119" دفاع جوي، و"اللواء 137" مشاة، مع القوات الأساسية في المطار.