على الرغم من محاولة الأحزاب الكردية لملمة خلافاتها وتجاوز انقساماتها الداخلية، إلا أن التشظي السياسي الكردي بدا واضحاً خلال الفترة الأخيرة، لا سيما بعد انقسام الأكراد إلى معسكرين أحدهما حليف لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ويتمثل برئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، الذي يسيطر على محافظتي أربيل ودهوك، والجانب الآخر المتمثل بما اصطلح على تسميته "أكراد السليمانية" الذين اختاروا التحالف مع نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي. وجاء تصويت البرلمان العراقي، أمس السبت، على نقض قرار مجلس محافظة كركوك برفع العلم الكردستاني على دوائر محافظة كركوك، واتخاذ البرلمان قراراً بإنزاله ورفع العلم العراقي فقط على دوائر المحافظة، ليفتح اشتباكاً جديداً بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان التي أعلنت رفضها لقرار البرلمان.
وقد أتت أزمة رفع علم إقليم كردستان في كركوك، وما تلاها من مقاطعة أربعة أحزاب كردية هي "الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية الكردستانية" للاجتماع الذي دعا إليه العبادي، الأسبوع الماضي، لتكشف عن حجم المشاكل داخل الوسط الكردي، لا سيما بعد حضور "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه البرزاني، لاجتماع بغداد مع العبادي، وهو ما اعتبرته رئيسة كتلة "الاتحاد الوطني الكردستاني" في البرلمان العراقي، آلا طالباني، خروجاً على الإجماع الكردي.
وأكدت طالباني أن رئيس الوزراء العراقي لديه جيش إلكتروني وصحافيون يتهمون أي شخص ينتقد العبادي بأنه حليف للمالكي، مبينةً أن الحكومة تتغاضى عن تهريب النفط من إقليم كردستان كي لا تغضب البرزاني الذي تعده حليفها.
من جهته، قال عضو "الاتحاد الإسلامي الكردي"، علي مدحت، إن العلاقة بين الأحزاب الكردية وصلت إلى مرحلة "اللا حياد"، موضحاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحديث اليوم يجري عن معسكرين، أحدهما في أربيل يقوده البرزاني، وهو حليف للحكومة الاتحادية برئاسة العبادي، والمعسكر الآخر في السليمانية، ويضم عدداً من الأحزاب الكردية التي تجتمع حول المالكي طمعاً في تأييده لطموحاتها في كركوك. ودعا جميع الأطراف الكردية إلى الجلوس إلى طاولة الحوار لتجاوز الانقسامات، موضحاً أن استمرار الصراع سيؤدي إلى ظهور "كردستانين"، بحسب وصفه. وأضاف أن "كردستان الأولى للبرزاني وتضم أربيل ودهوك، والثانية للأحزاب الكردية الأخرى وتضم السليمانية وكركوك في حال تم ضمها إلى إقليم كردستان"، وفق قوله.
وقد بدا البرزاني غير مبالٍ للأصوات التي تريد تشكيل معسكر مناهض له، وراح يتحدث عن استفتاء قريب لتحديد مصير إقليم كردستان، مؤكداً في بيان، أن العالم يجب أن يعلم بإرادة الشعب الكردي وحقه بتقرير مستقبله. وشدد البرزاني على أن حقوق الجميع محفوظة في إقليم كردستان الذي لن يشهد أية مشاكل طائفية أو مذهبية، وفق قوله.
في غضون ذلك، رفض المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، سفين دزيي، حديث بعض الجهات السياسية في بغداد عن تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، مؤكداً أن الأكراد يعاملون في العاصمة العراقية على أنهم أقلية مهما بلغ عدد مقاعدهم في البرلمان. وأضاف أن "الإقليم يقبع تحت رحمة بغداد، لذلك فإنه يبحث حالياً عن صيغة أخرى مختلفة"، مشيراً خلال تصريح صحافي، إلى ضرورة الفصل بين عراق ما قبل الموصل، وعراق ما بعد الموصل. وشدد على ضرورة البدء بحوار جدي مع بغداد للوصول إلى حل يجعل من إقليم كردستان والعراق "جارين جيدين"، وفق تعبيره.
يشار إلى أن المالكي دعا في وقت سابق، إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية. وتمكن من الحصول على بعض الأصوات الكردية المؤيدة لهذا الطرح في السليمانية، في حين رفض البرزاني هذه الدعوة، وقال إنه سيعلن انفصال كردستان إذا عاد المالكي إلى السلطة.
والصراع الكردي - الكردي لم يقتصر على محافظات إقليم كردستان الثلاث، أربيل ودهوك والسليمانية، بل امتد ليصل إلى كركوك المجاورة، بعد قرار محافظها نجم الدين كريم، الذي ينتمي لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني"، رفع العلم الكردي فيها، أعقبه تصويت لمجلس المحافظة ذات الأغلبية الكردية عليه.
وقال عضو البرلمان العراقي عن المكوّن التركماني، حسن توران، إن رفع العلم الكردي في كركوك ليس من صلاحية مجلس المحافظة، موضحاً خلال مؤتمر صحافي، أن هذه الخطوة تكرس الانقسام المجتمعي بسبب هيمنة مكون واحد أو حزب واحد على مقدرات المحافظة، وفق تعبيره. وأشار إلى أن حماية كركوك أهم من إصدار قرار لرفع العلم الكردي فيها، داعياً جميع القيادات السياسية في بغداد وأربيل والسليمانية إلى اتخاذ قرارات حكيمة والحفاظ على السلم المجتمعي في المحافظة.
وفي هذا السياق، تلقى الأكراد صفعة من بغداد، أمس السبت، مع نقض البرلمان العراقي لقرار مجلس محافظة كركوك برفع العلم الكردستاني على دوائر محافظة كركوك، وأصدر قراراً ينص على إنزال هذا العلم ورفع العلم العراقي فقط على دوائر المحافظة.
وفي ردة فعل أولية، احتج النواب الأكراد على خطوة البرلمان وانسحبوا من الجلسة. وقال مصدر برلماني لـ"العربي الجديد"، إن جلسة الأمس شهدت عرض صيغة قرار بشأن مسألة رفع علم كردستان على محافظة كركوك، مبيناً أن "النواب الأكراد احتجوا على صيغة القرار، وتسببوا بحالة من اللغط داخل الجلسة انتهت بانسحابهم منها". وأوضح أن "رئاسة البرلمان عرضت القرار الذي نص على إنزال العلم الكردستاني ورفع العلم العراقي فقط على دوائر المحافظة، على التصويت، ليحظى بتصويت أغلبية النواب الحاضرين في الجلسة من دون وجود النواب الأكراد".
واعتبر النائب عن التحالف الكردستاني، شاخوان عبدالله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القرار "يمثّل استمرار سياسة العدائية من قبل البرلمان تجاه الأكراد"، مبيّناً أن "هيئة الرئاسة اتفقت على أنْ يحال موضوع العلم إلى اللجان المختصة، لكن الاقتراح رفض وأصر النواب على التصويت على إنزال العلم الكردستاني، الأمر الذي جرح مشاعر الآلاف من عائلات شهداء البشمركة الذين ضحّوا لأجل حماية أبناء تلك المناطق بكل مكوناتها"، وفق تعبيره. وأضاف أن النواب الأكراد "لمسوا استمرار سياسة الأغلبية داخل البرلمان، ما يعطي رسالة إلى مجلس المحافظة كركوك، أنهم سيتبعون أيضاً سياسة الأغلبية بتطبيق المادة 140 من الدستور، وبالاستفتاء على وضعية المحافظة وكل ما يتعلّق بالمسائل الحساسة في كركوك"، مؤكداً أنّ "الكتل الكردستانية ستجتمع لبحث مسألة عدم دفع رواتب البشمركة وفلّاحي كردستان من قبل بغداد". وأكد أن الحكومة المركزية "مستمرّة باتجاه تحقيق الأغلبية بالتصويت على القوانين، وسيكون لنا قرار صادم لها بشأن ما يتخذ بالأغلبية"، على حد وصفه.