معركة عرسال: "داعش" يقضي على حاضنة الثورة السورية

اللبوة

ثائر غندور

avata
ثائر غندور
07 اغسطس 2014
178FBDDE-4B07-4370-BA7B-2B6268148CF4
+ الخط -
بلدة اللبوة، شرق لبنان، مستنفرة. أهل هذه البلدة المجاورة لعرسال عند الحدود اللبنانية السورية منتشرون في الشارع، وأيادي أبنائها على الزناد. ارتدى شبانها الزي العسكري. بعضهم يُقاتل "الدواعش"، وآخرون ينتظرون. غالبية أبناء البلدة يؤيّدون حزب الله. لكن العوامل التي تحكم تحرّك هؤلاء ليست سياسيّة فقط. للمنظومة العشائرية وجودها الفاعل، وللحقن المذهبي أيضاً. 

يشعر زائر البلدة أنه في ثكنة عسكرية كبيرة. انتشار واسع للجيش، ولمن يرتدي ثياباً عسكرية. يكاد أبناء البلدة كلّهم يرتدون الزي العسكري. يهتفون باسم الجيش، ويُعلنون دعمهم له. يُحددون ساعة عودة الاشتباكات، وتصدق تلك الساعة: "غادروا قبل السابعة مساء من أجل سلامتكم"، يقول شاب ملتحٍ لنا عند الخامسة مساءً. وفعلاً تعود الاشتباكات في تلك الساعة. قبل ذلك بقليل، يعلو صوت الرصاص، "إنه مربض لحزب الله، لا تهتمواً" يقول شاب آخر، كان يُقنعنا قبلها أن الحزب لم يُشارك في معارك عرسال بعد.

عصر يوم الثلاثاء، كانت المفاوضات بين وفد هيئة العلماء المسلمين والمسلحين المنتمين إلى جبهة النصرة وتنظيم داعش، تسير على ما يرام. تسلم الوفد ثلاثة من العسكريين المخطوفين لدى المجموعات المسلّحة. كان يُفترض أن تصل قافلة مساعدات في المقابل إلى المدنيين في عرسال. قطع أهل اللبوة الطريق، بقيادة رئيس البلدية رامز أمهز، ومنعوا وصول القافلة إلى عرسال.

قال أمهز، باسم هؤلاء، إنه غير واثق من وصول هذه المساعدات للمدنيين، وتخوّف من مصادرتها من قبل المسلحين. ورفع آخرون الصوت عالٍ: "نريد إبن عمنا"، في إشارة إلى عسكري من أبناء البلدة مخطوف لدى المسلحين. هذا ما دفع بعض العاملين على خط الوساطة للطلب من الوفد المفاوض السعي لإطلاق سراح هذا العسكري.

في تفاصيل المفاوضات، يروي أحد أعضاء الوفد الذي زار عرسال، لـ"العربي الجديد"، أن التفاوض يجري مع مسلحي "جبهة النصرة"، إذ طرد هؤلاء مسلحي تنظيم "داعش" من عرسال في اليومين الأخيرين كما يقول المفاوض؛ لكن مصادر داخل البلدة تقول إن مسلحي "داعش" لا يزالون في البلدة وهم الذين يخوضون اشتباكات مع الجيش. ويُضيف أن مطالب جبهة النصرة "ليست تعجيزيّة، فهم يُطالبون بوقف إطلاق النار وتأمين طريق آمن لهم لمغادرة عرسال، ودخول المساعدات الإنسانية لأهل البلدة واللاجئين"، ووعد الجيش اللبناني بعدم القيام برد فعلي انتقامي تجاه اللاجئين. يؤكّد المفاوض أن الإيجابية تحكم عمليّة التفاوض، لكنه يُشير إلى وجود جهة ثالثة غير الجيش تسعى إلى تخريب هذه العمليّة. ويؤكّد الرجل حصول إطلاق النار مرتين على المسلحين خلال انسحابهم، لكنه يلفت إلى أن العمليّة مستمرة، وأن النتائج ستكون إيجابية، لكنها تحتاج إلى بعض الوقت.

أسباب المعركة

لمعركة عرسال، مثل أي معركة، أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة. في الأسباب المباشرة، فإن همجية مقاتلي "داعش" وقصر نظرهم وإجرامهم، كانت كفيلة ببدء هذه المعركة. اعتقل الجيش اللبناني أحمد جمعة، وهو مسؤول عسكري سوري معارِض، بايع "داعش" قبل فترة، وطالب المسلحون بإطلاق سراحه. وعد الجيش بفعل ذلك خلال ساعتين، الأمر الذي لم يتم.

خمس ساعات من الاتصالات انتهت بهجوم واسع على مراكز الجيش في محيط عرسال. سيطر المسلحون خلال دقائق على هذه المراكز، صادروا الأسلحة والمعدات والذخائر، قتلوا وجرحوا وأسروا عشرات من العسكريين ورجال الأمن. وهنا تُطرح أسئلة كثيرة، حول عدم استفادة الجيش من هذه الساعات بهدف تعزيز مواقعه المتقدمة لحماية عناصره وأهل عرسال من المسلحين.

لم تشفع لأهالي عرسال أربع سنوات من احتضان الثورة السورية وعشرات آلاف اللاجئين السوريين ومعالجة مئات الجرحى والموافقة على إنشاء حوالي 40 مخيماً للاجئين، إذ قتل مسلحو "داعش" مدنيين منهم، وأهانوا أهلها ولا يزالون يستخدمونهم كدروع بشريّة. أمّا في الأسباب غير المباشرة، فكان من الضروري لحزب الله إقصاء عرسال عن دورها في دعم الثورة السورية. منذ سنتين، حاول الحزب كل ما استطاع في هذا السبيل. أقفل الطريق الوحيد المؤدي إلى البلدة عن طريق اللبوة، وابتزّ أهلها. قُتل بعضٌ من أبنائها وتم إذلال كثيرين آخرين على الطريق التي تصل إليها. افتُعلت خلافات عدة، لكنّ أبناء عرسال لم ينجروا للمعركة.

تكمن أهمية عرسال بالنسبة للثورة السورية، في كونها خزان الدعم الإنساني للثورة في القلمون. إليها لجأت عائلات حمص القصَيْر ويبرود ورنكوس وغيرها من بلدات القلمون. ومنها تخرج المواد الغذائية والمساعدات الطبية إلى المقاتلين في جرود القلمون، حيث يخوض هؤلاء معارك شرسة منذ أسابيع ضد النظام السوري وحزب الله. لم يكن الحسم العسكري ممكناً، في ظلّ وجود عرسال كرئة يتنفس منها المقاتلون. حتى أن بعض الناشطين السوريين يقول إن بعض مواد عرسال الغذائية يصل إلى الغوطة الشرقية. وفي العمق، تتحمّل الدولة اللبنانية ومنظمات الأمم المتحدة مسؤولية كبيرة في ما وصلت إليه الأمور، بسبب ترك ملف اللجوء من دون خطة واضحة، ومن دون مخيمات رسمية يتم ضبط الأمن فيها وحماية اللاجئين والبيئة الحاضنة لهم. وتتحمّل الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية مسؤولية أيضاً كونها لم تعمل على ضبط الحدود من اللحظة الأولى ومنع تسرب المقاتلين والسلاح (كل المقاتلين) من وإلى وسورية.

نتائج المعركة

من النتائج المباشرة لهذه المعركة، تشريد أهل عرسال إلى جانب الدمار الذي طال بلدتهم، وتشريد 120 ألف لاجئ فيها. كما يُمكن الجزم من هذه اللحظة بهزيمة مئات المقاتلين المنتشرين في جرود القلمون. وقد تكون أقسى نتيجة للمعركة هي التحوّل السلبي في الموقف اللبناني تجاه اللاجئين السوريين. ففي عرسال، صار من الصعب أن تجد مواطنين متضامنين مع اللاجئين، إذ يُردد العديد من أبناء البلدة أنهم تلقوا ضربة قاسية من اللاجئين، إذ خرج نحو ثلاثين مسلحاً من مخيماتهم.

هكذا، يخسر الشعب السوري بيئةً حاضنة بسبب مجموعات إسلامية متشددة نشأت برعاية دول إقليمية، وبسبب رفع الخطاب المذهبي إلى حدّه الأقصى، وحرمان "الجيش السوري الحرّ" من الدعم العسكري الذي يُمكنه من حسم المعركة ضد النظام السوري. ومن النتائج أيضاً، ارتفاع حدة الخطاب المذهبي في لبنان، وهو ما عبر عنه نواب لبنانيون من كتلة تيار المستقبل، كخالد الضاهر ومعين المرعبي ومحمد كبارة، وبين الجمهور اللبناني، وحصول انشقاقات فردية داخل المؤسسة العسكرية.

طموحات سياسية

إلى جانب ارتفاع حدة الخطاب المذهبي، شبه الكثير من السياسيين، هذه المعركة بمعركة مخيّم نهر البارد بين الجيش وتنظيم "فتح الإسلام" العام 2007، إذ نتج عن تلك المعركة وصول قائد الجيش حينها ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية. ويعتقد هؤلاء اليوم، أن قائد الجيش جان قهوجي، يطمح ويعمل للوصول إلى الرئاسة الأولى، وهو يُعتبر خياراً للكثير من القوى في ظلّ عدم قدرة أيٍ من الفريقين، أي 8 و14 آذار على إيصال مرشّحه.

ذات صلة

الصورة
الهدهد - حزب الله قاعدة رامات دافيد الجوية 23 7 2024 (لقطة شاشة)

سياسة

نشر الإعلام الحربي في حزب الله اليوم الأربعاء مشاهد جديدة صورتها طائرته المسيرة "الهدهد"، وتظهر قاعدة رامات دافيد الجوية الإسرائيلية بكامل تفاصيلها.
الصورة
نازح يستعد للعودة إلى سورية من البقاع اللبنانية، 14 مايو 2024 (فرانس برس)

سياسة

كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان اليوم الثلاثاء أن شاباً سورياً توفي في أحد مشافي دمشق إثر تعرضه للتعذيب على يد أجهزة النظام السوري.
الصورة
تظاهرة في واشنطن أمام مقر إقامة يوآف غالانت 24/6/2024 (محمد البديوي)

سياسة

تظاهر عشرات الناشطين، في ساعة متأخرة مساء أمس الاثنين، أمام مقر إقامة وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت بالعاصمة الأميركية واشنطن.
الصورة
طائرة مسيّرة تحمل علم حزب الله 21- 5-2023 (أنور عمرو/ فرانس برس)

سياسة

مما يستدلّ به على العجز الإسرائيلي إزاء الجبهة الشمالية، هو ما سرّب عن مصدر بالجيش للإعلام، تعقيباً على الاختراق الذي حققته مسيّرة حزب الله في حيفا.