لكن الساعات الأولى للهجوم جاءت كارثية بالنسبة للنظام وحلفائه، إذ انسحبت القوات الحكومية ظهراً أمس الأربعاء، من المناطق التي تقدمت نحوها في ريف حماة الشمالي، بعدما صدّت فصائل المعارضة هذا الهجوم و"دمرت آليات ومدرعات للقوات المهاجمة وكبدتها خسائر بشرية" بحسب الناشط حسن العمري من "مركز حماة الإعلامي"، الذي كشف أن الطيران الروسي شنّ "ثماني غارات على كفرزيتا وعشر غارات في اللطامنة وكفرنبودة و2 بمنطقة الصياد".
وأكد الناشط المعارِض المقيم في ريف حماة أن "قوات النظام تمكنت من السيطرة على نقطة المدجنة (بمحيط قرية عطشان) وقرية التويبة قرب كفرنبودة، قبل أن يتمكن الثوار من استعادتها في المعارك التي دارت قبل ظهر اليوم (أمس)".
وبث ناشطون على الإنترنت فيديوهات تم تصويرها في الجبهات التي دارت فيها المواجهات بريف حماة، وتظهر بعض المشاهد، كثافة الغارات الروسية التي حاولت، كما بدا في المشاهد، تمشيط بعض نقاط التماس نارياً من خلال قصفها العنيف، وذلك قبل وبالتزامن مع محاولة تقدم قوات النظام التي فشلت في تحقيق أي إنجاز، على المحاور الثلاث التي حاولت التقدم فيها.
وحاولت قوات النظام بادئ الأمر تجنّب الدخول في معركة ضد فصائل المعارضة، في ظلّ الهزائم المتتالية التي لحقت بها، تحديداً في الشمال. لذا أوعزت إلى أهالي بلدة كفرنبودة، التابعة لمنطقة السقيلبية، في شمال غربي حماة، بالسماح لها بالدخول إلى بلدة الهبيط والمرور إلى مدينة خان شيخون، في ريف إدلب الجنوبي بعد ذلك، في مخطط كان يهدف إلى حصار ريف حماة الشمالي، وجرّه إلى الاستسلام، أو فتح معركة ستكون أسهل، في حال تم لقوات النظام ذلك.
اقرأ أيضاً معارك ريف حماه: المعارضة تُوقفُ الهجوم الواسع وتفاجئ النظام
بعد رفض فصائل المعارضة السماح لقوات النظام المرور من بلدة كفرنبودة، لم يبق لها سوى بدء حملة عسكرية، لمحاولة تحقيق أول انتصار على المعارضة في الشمال بمساندة روسيا. ويبدو أن موسكو تعوّل كثيراً على هذه المعركة، خصوصاً بعد نشرها قاعدة برية في مدينة حماة، بغية ضمان المحافظة حماة كمنطقة استراتيجية وسط البلاد، تؤمن الساحل السوري وترسم "سورية المفيدة"، وتحافظ على مصالحها وقواعدها البحرية في البحر المتوسط.
على أن قرار بدء المعركة، كان يحتاج إلى قوات بشرية، في ظلّ الاستنزاف الحاصل لدى قوات النظام على الجبهات السورية، وخسارته عشرات الآلاف من جنوده خلال الأعوام الأربعة الماضية. بالتالي لم يكن هناك بديل من الاستعانة بالعراق، التي أرسلت نحو 2500 مقاتل من مليشيات "الحشد الشعبي" إلى سورية، قبل يومين من بدء المعركة من فصائل "حزب الله ـ العراق" و"العصائب" و"كتائب علي الأكبر" و"حركة الإبدال"، وفقاً لما أكده وزير عراقي لـ "العربي الجديد".
كما يكشف عميد في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف يتمحور في تحرير مناطق وبلدات التماس مع خط الساحل، أو خط الجبهة، فضلاً عن مدن استراتيجية في ريف حمص الشمالي وريف حماة، لتأمين حدود ما اصطُلح عليه، أخيراً، بسورية المفيدة، في سياق محاولات للإعلان أمام العالم عن أول نصر يحققه التدخل الروسي في سورية". وتُعدّ المعركة "مصيرية" بالنسبة للنظام، أكثر من المعارضة، كونها تأتي بعد الدعم العسكري الروسي المتواصل، خلال الأسابيع الماضية، فضلاً عن الاستعانة بالمليشيات العراقية والإيرانية وعناصر حزب الله.
تفاصيل الهجوم
عند الساعة السابعة صباحاً من يوم الثلاثاء، بدأت راجمات الصواريخ التابعة للنظام بإطلاق صواريخ عدة على مناطق سيطرة المعارضة في ريف حماة الشمالي، معلنة بدء أول معركة منذ نحو أشهر عبر محاور عديدة. وبدأ الهجوم من مدينة مورك الاستراتيجية، الواقعة على أوتوستراد حلب ـ دمشق الدولي، في ريف حماة الشمالي، باتجاه لطمين والصياد، وهما قريتان صغيرتان تابعتان لمدينة كفرزيتا. والسيطرة على لطمين والصياد، يُمهّد للسيطرة على كفرزيتا، التي تُعتبر خط الدفاع الأول عن مورك، وهي إحدى أكبر مدن ريف حماة، ويتحصن فيها عشرات الآلاف من النازحين السوريين من بقية القرى والبلدات.
وترافق الهجوم مع شنّ الطيران الروسي عدداً من الغارات، حتى أن عضو "مركز حماة الإعلامي" محمد الصالح، المتواجد في مكان قريب من المنطقة، يؤكد لـ "العربي الجديد"، أنه "شاهد طائرتين مروحيتين، يُعتقد أنهما روسيتين، هبطتا في مورك مع بدء الهجوم، ثم صعدتا بعد ذلك وحلّقتا فوق المناطق المحيطة بالمواجهات. ولم يكن هناك مجال لرؤية بقعة زرقاء من السماء الملبّدة بالغيوم وغبار القصف والمعارك".
بموازاة ذلك، بوشر هجوم آخر من حاجزي المصاصنة ومعركبة على بلدة اللطامنة القريبة من لطمين والصياد. وتتبع البلدة، أيضاً، مدينة كفرزيتا، وقد تعرّضت لسلسة من المجازر على يد الشبيحة الموالين للنظام. كما تشنّ قوات النظام هجوماً آخر، من قرية المغير، التابعة لناحية كرناز، على مدينة كفرنبودة، التي رفض أهلها تسليم المدينة. وفي حال سيطرت قوات النظام على كفرزيتا من الشرق وكفرنبودة من الشمال، فإنها ستتجه للسيطرة على تل الحماميات، من أجل إنشاء خط دفاع أول عن سهل الغاب من الجهة الشرقية للسهل.
وعدا ذلك، باشرت قوات النظام هجوماً في ريف حماة الشمالي الشرقي، من قرية معان باتجاه عطشان، هي قرية تابعة لناحية صوران، وتقع على بعد 45 كيلومتراً، شمال مدينة حماة. وقد حاول النظام اختبار القرية، يوم الاثنين، من خلال قصفها بأربعين صاروخاً، متقدّماً في مدجنة نداف، الواقعة بين معان. مع العلم أن "جيش الفتح" نجح بعدها في شنّ هجومٍ معاكس لاستعادة السيطرة على المدجنة.
ويقول في هذا السياق المسؤول الإعلامي في حركة "أحرار الشام"، أبو اليزيد تفتناز، إن "المعارضة المسلّحة تصدّت لمحاولات قوات النظام اقتحام عطشان من محاور عدة. وسقط نحو 25 قتيلاً، وعشرات الجرحى. كما تمّ تدمير ست آليات بين دبابات وبي أم بي. وهناك حالة استنفار وسط استعار المعارك، لكن لا يوجد أي تقدّمٍ للجيش".
يمكن القول، من خلال قراءة المؤشرات الأولية للمعركة، إنها ستستمر طويلاً في حال أرادت قوات النظام كسب الرهان، فعلى الرغم من الدعم الجوي والبري للنظام، إلا أن قوات المعارضة التي بسطت سيطرتها على سلسلة من المواقع في الشمال السوري لن تسمح لقوات النظام بتحقيق أهدافها، مع إدراكها جيداً أن قوات النظام تسعى لاستعادة جميع المواقع التي خسرتها لمصلحة "جيش الفتح".
اقرأ أيضاً: النظام السوري يهاجم ريف حماة بإسناد جوي روسي