معركة جوبر... الحصن المعارِض للغوطة الشرقية

06 سبتمبر 2014
حي جوبر يتعرض لحصار منذ عامين (العربي الجديد)
+ الخط -

استعرت الحملة العسكرية التي يشنّها النظام السوري على حي جوبر الدمشقي، الذي يشهد منذ بداية عام 2013 عمليات كر وفر بين فصائل المعارضة المسلحة والقوات النظامية، وسط استماتة من الجانبين لتحقيق تقدم على هذه الجبهة التي تشكّل البوابة الأهم لكل منهما؛ لتحقيق انتصار إستراتيجي على الآخر. فحي جوبر مثلما هو بوابة النظام للغوطة الشرقية، هو في الوقت ذاته بوابة المعارضة المسلّحة الأهم والأقرب إلى قلب العاصمة دمشق، إذ يبعد أقل من كيلومتر واحد عن ساحة العباسيين في قلب العاصمة دمشق، ويشكّل خط الدفاع الأول عن الغوطة الشرقية. وتسيطر فصائل المعارضة على أكثر من تسعين في المائة من الحي فيما تستولي قوات النظام على مبانٍ في المدخل الشرقي للحي لا تتجاوز مساحتها العشرة في المائة منه.

وفي محاولة من النظام لتغيير الواقع على الأرض، صعّدت قواته في الأيام الأخيرة حملتها العسكرية على الحي الذي يشهد اشتباكات عنيفة بين قوات المعارضة وجيش النظام، إثر قيام الأولى بتفجير مبنيين تتحصن فيهما عناصر من قوات النظام وميليشيا "أبو الفضل العباس"، مما أدى إلى مقتل أكثر من مائة معظمهم من ميليشيا "أبو الفضل العباس" بحسب مصادر من المعارضة. وتزامنت الاشتباكات مع عشرات الغارات الجوية التي شنتها طائرات النظام مستخدمة أسلحة جديدة لأول مرة، وهي عبارة عن حواضن ضخمة تحتوي على قنابل انشطارية تُرمى بالمظلات وتتمتع بقوة تدميرية كبيرة.

وبحسب مصادر المعارضة، فإن المعارك في جوبر هي عبارة عن عمليات كر وفر، إذ تسيطر القوات النظامية في الصباح على بعض المواقع وسط تراجع فصائل المعارضة تحت ضغط القصف الجوي، ثم تعاود تلك الفصائل الهجوم ليلاً وتستعيد ما خسرته في النهار. ويرى رئيس مجلس إدارة المجالس المحلية في الغوطة الشرقية، نزار الصمادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السبب في عدم إحراز أي تقدم من قبل أي طرف وبقاء حالة الكر والفر، يعود بالدرجة الأولى إلى فهم كل طرف الإستراتيجية التي يعتمدها الطرف الآخر، فكلا الطرفين استخدما الأنفاق من أجل الدخول لما وراء الطرف الآخر وامتلاك عنصر المفاجأة. كما أن قوات النظام استخدمت منهج الدمار الشامل والقصف الجوي التمهيدي لمحاولة الدخول، إضافة الى الالتفاف ومحاصرة جوبر عبر محور حرستا، وقد واجه المقاتلون المعارضون هذه العمليات، وهو ما مكّنهم من الحفاظ على مواقعهم، لأن الحي يُعتبر بوابة دمشق بالنسبة لهم، ومن يمتلك البوابة يستطيع التقدم من خلالها.

ويوضح الصمادي أن الفصائل المرابطة داخل جوبر هي "كتائب الحبيب المصطفى"، و"جند دمشق"، و"الجبهة الإسلامية"، و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام"، و"فيلق الرحمن"، كما يرابط على أطرافها كل من "ألوية أسود الغوطة" و"شهداء دوما".

وتستميت قوات النظام، بعد نجاحها في السيطرة على مدينة المليحة، للتقدم على جبهة جوبر، إذ يبدو أن الحي لا يعنيها بقدر ما يعنيها إرجاع خطوط التماس مع ثوار الغوطة بضع عشرات الأمتار، حتى ولو كلّفها ذلك تدمير الحي بأكمله، وهو ما تعمل عليه الآن، إذ يبدو أن وجود الأبنية الكثيرة هي أكثر ما يعيق تقدم تلك القوات في الحي، على عكس مدينة المليحة التي توجد فيها مساحات زراعية ساعدتها على الالتفاف والمناورة.

وكان الائتلاف الوطني المعارض قد أصدر بياناً، طالب فيه المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف عمليات النظام في حي جوبر، والعمل على إنقاذ المدنيين المحاصرين فيه، ووقف عملية التدمير الممنهجة التي يتبعها النظام في الحي.

وحي جوبر هو أحد أحياء دمشق العريقة، وهو الوحيد الخاضع لسيطرة المعارضة والتابع لدمشق إدارياً، وهو أيضاً منفتح على الغوطة الشرقية، على عكس بعض الأحياء التي تتبع للمدينة ولكنها واقعة تحت حصار النظام من كل الاتجاهات، كمخيم اليرموك والحجر الأسود والعسالي، التي رضخت معظمها تحت فعل الحصار و"الهدن" مع النظام، وفقدت القدرة على المواجهة العسكرية نتيجة عدم وجود خطوط إمداد تصل إليها.

وكان حي جوبر قديماً يضم مناطق العدوي والقصاع والقصور والعباسيين والتجارة التي تقع في قلب العاصمة السورية، وعندما تم تنظيم هذه المناطق فُصلت عن جوبر لتصبح أحياء مستقلة. ويتعرض الحي الدمشقي لحصار عسكري منذ عامين، مع باقي مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وسط محاولات فاشلة من قوات النظام لاقتحامه، إذ عمد النظام إلى عملية تدمير ممنهجة للحي، من خلال استهدافه بكافة أنواع الأسلحة بما فيها "غاز الكلور"، والطيران الحربي، والصواريخ الموجهة، إضافة إلى صواريخ وحواضن انشطارية مزوّدة بمظلات، يعتقد بأنها تُطلق من جبل "قاسيون". وخلال مجزرة الكيماوي التي ضربت خلالها قوات النظام منطقتي الغوطة الشرقية والغربية بغاز السارين السام في 21 أغسطس/آب من العام الماضي، وأدت الى مقتل أكثر من 1400 مدني معظمهم من النساء والأطفال، كان نصيب حي جوبر كبيراً إذ قُتل ما يزيد على 400 مواطن فيه اختناقاً.

المساهمون