وشارك 91 ألف مقاتل في المعركة، هم 38 ألف جندي يمثلون ثلاث فرق برية وفرقة مدرعة في الجيش العراقي، و9 آلاف من جهاز مكافحة الإرهاب، و11 ألف عنصر من الشرطة الاتحادية العراقية. بينما شاركت قوات البشمركة، التي أنهت مهمتها في الخطة على حدود بعشيقة وتلكيف وبرطلة (المحور الشرقي)، بواقع 7 آلاف عنصر قتالي. وتوزعت القوات الأخرى على تشكيلات قوات الرد السريع والشرطة المحلية ومليشيات "الحشد الشعبي"، التي وزعت عناصرها على محور الموصل ومدينة تلعفر، بمشاركة وحدات من "الحرس الثوري" الإيراني، تصفهم وزارة الخارجية العراقية، على لسان وزيرها إبراهيم الجعفري، بالمستشارين العسكريين، الذين وافقت الحكومة عليهم. مع ملاحظة أن تلك القوات لم تشارك دفعة واحدة في المعارك، بل اعتمدت أسلوب المناوبة ضمن خطة الهجوم، بشكل يضمن عدم تعريض الجنود للإعياء، في تخمين صحيح للقادة العسكريين الذين توقعوا شهوراً قاسية من المعارك. دولياً، هناك كتيبة دعم لوجستي من المارينز الأميركي، ووحدة المهام الخاصة الفرنسية التي تقدم الدعم، وسجل اشتراكها في عدد من المعارك بشكل مباشر، فضلاً عن ثلاث بطاريات مدفعية وكتيبة صواريخ ذكية تابعة لقوات التحالف. وفي السماء تشارك خمسة أسلحة جو في دعم تلك القوات، هي الأميركي والبريطاني والفرنسي والكندي والعراقي.
إنجازات الحملة العسكرية
باتت القوات العراقية تسيطر الآن على نحو 75 في المائة من المساحة الإجمالية لمدينة الموصل، إذ أحكمت سيطرتها على الساحل الشرقي (الأيسر) بشكل كامل، قبل أن تنتقل المعارك منذ نحو شهرين إلى الساحل الغربي (الأيمن)، الذي يضم 83 حياً ومنطقة سكنية تمتاز ببنائها القديم والمعقد والحارات الضيقة والأزقة الملتوية. وأصبحت القوات العراقية تسيطر الآن على نحو 60 في المائة من الشطر الغربي للمدينة، الذي يعتبر أصغر من الشرقي، لكن الكثافة السكانية فيه عالية، فهو يمثل نواة مدينة الموصل التاريخية.
ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية فإن القوات ستحتاج إلى شهر آخر من القتال المتواصل للإعلان عن تحرير الجزء المتبقي من مدينة الموصل من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في حال لم ينسحب التنظيم مما تبقى من المدينة على غرار سيناريو مدينة الفلوجة العام الماضي. ويقول العقيد الركن في قيادة عمليات نينوى، فلاح الطائي، لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك الحالية أعقد وأكثر شراسة، فتكدس مئات آلاف المدنيين داخل منازلهم يفرض علينا التعامل مع كثافة بشرية كبيرة، لا يمكن خلالها استخدام السلاح الثقيل بينما تنظيم داعش لا يتورع عن استخدام أي سلاح لديه". ويضيف "هناك خسائر بين المدنيين... نعم لكن يمكن إيقاف إزهاق هذه الأرواح، ولو على حساب الوقت وزمن المعركة. لذا نعم سنتأخر في إعلان النصر، وتجاوزنا السقف المحدد لنا بسبب ذلك".
ويؤكد ضباط في القوات العراقية أن 12 حياً سكنياً ما تزال تحت سيطرة التنظيم، فضلاً عن مناطق وساحات مفتوحة يتحرك داخلها ما بين 900 إلى 1000 مقاتل من "داعش"، متخذين من المدنيين غطاء لهم. ومن أبرز تلك الأحياء العروبة، والزنجيلي، والمدينة القديمة، والعريبي، ومشيرفة، وحاوي الكنيسة، وتموز، والاقتصاديين، والنجار، والرفاعي، والهرمات. وتدور المعارك منذ فجر أول من أمس على أطراف اليرموك والآبار وحي التنك، بينما تبقى المدينة القديمة العقدة الأكثر صعوبة بالنسبة إلى القوات العراقية، رغم مرور أربعة أسابيع على محاصرة باب الطوب وباب البيض ومحيط ساحة المنارة الحدباء وجامع النوري. وطغت على المعارك صفة حرب العصابات والشوارع، فالقتال ينتقل من زقاق إلى آخر ومن سطح منزل إلى آخر، وعادة ما يستخدم الطرفان القنص والقنابل اليدوية والقذائف المحمولة على الكتف، وهو سبب كاف للتأكد من سقوط عشرات المدنيين، إن لم يكن المئات أسبوعياً. وإذا كان هناك قصف جوي على الأحياء السكنية، فسيكون عدد القتلى مضاعفاً، بحسب المصادر ذاتها.
ويقول قائد الحملة العسكرية على الموصل، الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله، في لقاء سابق مع "العربي الجديد"، إن "المعركة تسير وفق الخطط المرسومة لها، ونأمل أن نعلن النصر قريباً في عموم المحافظة"، مضيفاً أن "مقاتلي التنظيم الإرهابي في حالة استنزاف متواصلة وهناك خسائر يومية في صفوفهم". ويؤكد أن القوات التي تحرر أي حي تنتقل بسرعة إلى الحي المجاور، وتكون هناك قوات أخرى متخصصة لتطهير الحي وتمشيطه من خلايا وجيوب التنظيم، واصفاً "دور التحالف الدولي في المعركة بالحيوي والهام". ويؤكد المقدم في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، علي المعموري، أن المعركة في الساحل الأيمن أصعب بكثير من ساحلها الأيسر. ويضيف، لـ"العربي الجديد"، أن "الاشتباكات تتركز في مناطق عدة منذ أيام، والتنظيم ينسحب ثم يهاجم بشكل مفاجئ، وهو يستخدم معنا أسلوب الكر والفر والكمائن، ويجيد التصويب بقذائف الهاون والقنص، كما أن الهجمات الانتحارية سلاح فعال له نسعى لتحييده"، موضحاً أن "أي حديث عن حسم المعركة في وقت معين غير صحيح، فالعدو ينسحب من حي ويعود إليه في اليوم الثاني. هناك أنفاق وسراديب يتنقل فيها، وهو يخوض معركته الأخيرة، لذلك يستميت في القتال".
خسائر بشرية بالجملة
حتى الساعة ترفض الحكومة العراقية إعطاء أي أرقام رسمية عن أعداد الضحايا المدنيين في المدينة منذ بدء المعارك، إلا أن أرقاما صدرت عن مصادر عسكرية وأخرى إغاثية قالت إن عدد القتلى من المدنيين من سكان الموصل بلغ نحو 13 ألف قتيل، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، في حين بلغ عدد الجرحى نحو 25 ألف جريح أيضاً. ومما يؤكد تلك الأرقام، ويجعلها قريبة إلى الواقع، تسريب حصلت عليه "العربي الجديد" أخيراً لنائب رئيس الجمهورية، أسامة النجيفي، قال فيه إن أربعة آلاف قتيل مدني سقطوا في النصف الأول من ساحل الموصل الأيمن لوحدها، بينهم نحو ألفين ما زالوا تحت الأنقاض، وهو الجزء الذي تسيطر عليه القوات الحكومية حالياً، ولا يعلم، حتى الآن، عدد الذين قضوا في الجزء الذي يسيطر "داعش" عليه. ووفقاً لمدير منظمة السلام لحقوق الإنسان، الدكتور محمد علي، فإن عدد الـ13 ألفاً، يشمل الموصل وضواحيها، وقد يكون العدد أكبر بكثير في حال تم إخراج جميع الجثث الموجودة تحت الأنقاض. وحول خسائر تنظيم "داعش" فإن العدد يتراوح بما بين 4 إلى 5 آلاف مسلح قتلوا، عدا عن مئات الجرحى، غالبيتهم من الجنسيتين العراقية والسورية، وهو ما يبدو متطابقاً مع الإيجاز اليومي لقيادة عمليات نينوى، بينهم نحو 30 قيادياً بارزاً بالتنظيم، اعترف "داعش" بعشرة منهم، ضمن إصدارات بثتها "مؤسسة الفرقان"، كان آخرها إصدار "موكب النور 2". وتقدر أوساط عسكرية عراقية الخسائر البشرية للقوات العراقية المشتركة، بما فيها المليشيات، بما بين 10 إلى 12 ألف قتيل وجريح، في محاور الموصل السبعة، فضلاً عن تلعفر والشرقاط والقيارة إلى الجنوب من المدينة، والتي انطلقت منها أولى معارك تحرير شمال العراق من قبضة تنظيم "داعش".
دمار شامل
ويصف عضو مجلس مدينة الموصل (الحكومة المحلية)، أحمد الحمداني، الوضع الإنساني بالكارثي، مبيناً أن الحكومة تكذب ولا تسمح لقواتها بالإفصاح عن الرقم الحقيقي للضحايا المدنيين، الذي سيكون فضيحة عليها وعلى قوات التحالف على حد سواء، بحسب قوله. ويضيف "عدد الضحايا المدنيين هو الأكبر في حلقة الصراع". وحول الدمار في المدينة، يؤكد أن نحو 66 في المائة من المدينة مدمر، وهناك حارات سكنية مسحت بشكل كامل بفعل سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها قوات التحالف والقوات العراقية. ومن أبرز معالم الموصل وبناها التحتية التي دمرت نتيجة القصف، الذي يشنه طيران التحالف والطيران العراقي، أو نتيجة هجمات وتفجيرات لتنظيم "داعش"، جسور الموصل الخمسة الرئيسية التي تربط ساحلي المدينة، الشرقي والغربي، على نهر دجلة، والمحطة الرئيسية لتوليد الطاقة وخطوط النقل العالي للكهرباء، ومحطات ضخ المياه للأحياء السكنية، وجامعة الموصل، و10 مستشفيات ونحو 76 مركزاً صحياً ومعمل أدوية نينوى والمخازن التابعة له، و241 مدرسة ابتدائية وثانوية، و81 دار عبادة بين مسجد وكنيسة، أبرزها جامع وقبر النبي يونس وقبر النبي شيت وجامع ومرقد النبي جرجيس وضريح الأب إسحاق وكنيسة الآباء الدومينيكان ودير الراهبات وكنيسة السيدة العذراء، وأبراج الاتصالات ونحو 1800 معمل وورشة ومصنع حكومي ومصفاة للنفط، و6 ملاعب ونوادي كرة قدم، و54 مبنى حكوميا خدميا، و29 فندقاً، وأكثر من 21 الف وحدة سكنية بين دمار كامل أو شبه كامل، ومعامل الغزل والنسيج والكبريت والإسمنت والحديد الصلب. كما دمرت مدينة النمرود والحضر الأثريتين، وبوابة نركال، وسور نينوى، ومتحف نينوى التاريخي، مع 11 مصرفاً، أبرزها الرافدين، والرشيد، والشرق الأوسط، والخليج، والموصل، وبغداد.
ويقدر مراقبون مجمل الخسائر التي تكبدتها الموصل بأكثر من 41 مليار دولار. وحول ذلك، يقول محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، إن ما يجري هو عملية تدمير للمدينة وليس تحريرها. ويضيف، لـ"العربي الجديد"، إن جميع محاولات استخدام العقل في تحرير المدينة باءت بالفشل، ويتم، على سبيل المثال على التدمير الحاصل، قصف شارع كامل لقاء قتل قناص واحد من "داعش". والجمعة الماضي، أصدرت "وكالة أعماق"، التابعة لتنظيم "داعش"، بياناً قالت فيه إن التنظيم نفذ 401 عملية انتحارية منذ بدء معارك الموصل، أسفرت عن مقتل وجرح الآلاف من القوات العراقية.
وقال طبيب يعمل في مركز طبي ميداني جنوبي الموصل، فضل عدم ذكر اسمه، إن "ما لا يقل عن 10 أشخاص سقطوا بين قتيل وجريح بقصف بصواريخ الكاتيوشا نفذه عناصر تنظيم داعش، استهدف مجموعة من الأشخاص خلال محاولتهم سحب الماء من أحد الآبار غربي الموصل". في هذا الوقت، تستمر معاناة سكان مدينة الموصل المحاصرين في المناطق التي ما زالت تشهد معارك عنيفة بين القوات الأمنية العراقية وعناصر "داعش"، إذ تعاني آلاف الأسر النازحة من الجوع والمرض والإعياء، فيما تقف المنظمات الإغاثية عاجزة عن توفير المساعدات الطبية والإغاثية للأعداد الكبيرة من النازحين. وأكدت مصادر محلية في مدينة الموصل تعرض العوائل المحاصرة لمجاعة حقيقية، أجبرتها على أكل لحم القطط والكلاب، وطبخ الأعشاب التي تنبت في حدائق المنازل، فضلاً عن انعدام المواد الطبية والأدوية، ووفاة العشرات منهم بسبب عدم تلقيهم للعلاج المناسب. من جهتها، أعلنت وزارة الهجرة العراقية، في آخر إحصائية لها، أن أعداد النازحين من محافظة نينوى بلغت أكثر من 526 ألف شخص، منذ انطلاق العمليات العسكرية في الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
ومنذ انطلاق الحملة العسكرية منذ نحو 6 أشهر، درج على الألسن خطئاً حصر الأحداث العسكرية في مدينة الموصل، وهي العاصمة المحلية لمحافظة نينوى شمال العراق. فالمعارك التي حشدت لها بغداد والتحالف الدولي، بقيادة واشنطن، هذه الإمكانيات الضخمة لا تستهدف الموصل فقط بل جميع مدن المحافظة التي سقطت بيد تنظيم "داعش" في العاشر من يونيو/حزيران 2016، والتي تبلغ مساحتها نحو 23 ألف كيلومتر مربع. وقد انطلقت المعارك في مدن بعشيقة وبرطلة وتلكيف وحمام العليل والخازر ومخمور وسنجار والقيارة والشورة والنمرود والقوش ومحلبية وقرى سهل نينوى ووانه وبلدات وقرى عدة حول الموصل قبل أن تصل إلى حدود العاصمة الإدارية (الموصل)، والبالغة مساحتها 1783 كيلومتراً مربعاً، بضفتيها الشرقية والغربية. والموصل ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد، وعرفت بهذا الاسم لكونها ملتقى عدة طرق تصل الشرق بالغرب، وكان يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة.