20 نوفمبر 2024
معركة العراق
بعد أكثر من أربعة أشهر على الانتخابات البرلمانية، وبعد شد وجذب بخصوص النتائج، عقد مجلس النواب العراقي الجديد جلسته الأولى لانتخاب رئيسي المجلس والجمهورية وتحديد الكتلة البرلمانية الأكبر التي سيكلف ممثلها بتشكيل الحكومة المقبلة وفق الدستور. وعلى الرغم من أن الجلسة أخفقت في تحقيق أي من هذه الأهداف، بسبب الخلافات بين القوى السياسية العراقية حول أسماء المرشحين والكتلة الأكبر، إلا أن هذا لا يقلل من أهمية الحراك السياسي الذي يشهده العراق، والذي قد يؤدي، إذا ذهبت الأمور في الاتجاه الصحيح، إلى نتيجتين كبريين: الأولى، تغيير طبيعة النظام السياسي الذي أقامه الاحتلال الأميركي على أساس المحاصصة الطائفية، وتبلور خط سياسي وطني عراقي، يسعى إلى الاستقلال عن النفوذين، الأميركي والإيراني، معًا.
أولى الملاحظات على الحراك السياسي العراقي الراهن هي إيذانه بانتهاء التحالفات القائمة على أساس طائفي، إذ انهار التحالف الوطني (الشيعي) الذي حكم البلاد، بقيادة حزب الدعوة، منذ عام 2005، وتكرّس خلال ولايتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006 - 2010 و2010 - 2014)، وظهرت مكانه مجموعة قوى سياسية موزّعة على تحالفيْن كبيريْن، يضم الأول ائتلاف دولة القانون والفتح (نوري المالكي – هادي العامري)، ويضم الثاني ائتلاف "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر، و"النصر" بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، و"الحكمة" بقيادة عمّار الحكيم. لا ينطبق هذ الأمر على القوى السياسية "الشيعية" فقط، بل ينسحب أيضاً على القوى السياسية "السنّية"، إذ اختار جزء من تحالف "القرار" برئاسة رئيس البرلمان الأسبق، أسامة النجيفي، الانضمام لمعسكر الصدر- العبادي- الحكيم، فيما اختار جزء آخر من "القرار" بزعامة رجل الأعمال، خميس الخنجر، الانضمام إلى معسكر المالكي.
اللافت في الانقسامات، هذه المرة، أنها لم تعد مبنيةً على الخلافات الشخصية بين الرموز السياسية العراقية، على أهميتها، خصوصا التي تسم علاقة المالكي مع كل من الصدر والعبادي، إنما، وهذا الأهم، باتت تتمحور حول البرامج والرؤى، خصوصا منها الجانب المتعلق بهوية العراق وموقعه الإقليمي واستقلالية قراره، وعلاقته بحروب المحاور الدائرة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن خيبات الأمل المتكرّرة تتطلب منا الحذر في إطلاق استنتاجاتٍ سريعة، لكن الواضح أن الصراع الكبير الذي تشهده الساحة العراقية اليوم يتحول، بوضوح، من سياق طائفي (سني - شيعي) إلى سياق سياسي يتواجه فيه معسكران، يرتبط الأول بقوة بإيران، لا بل يقوم على تبعية مطلقة لها من منطلق اعترافه بولاية الفقيه، وإيمانه بمشروع سياسي شيعي فوق –قومي، عابر للحدود تقوده إيران. فيما يسعى المعسكر الثاني، ويضم عددا لا يُستهان به من القوى السياسية العراقية، السنية والشيعية والمدنية، إلى الانعتاق من الهيمنة الإيرانية، والتأكيد على مصالح العراق وهويته الوطنية وانتمائه الثقافي العربي، من دون أن يكون بالضرورة معاديا لإيران.
طبعا لا يمكن حسم الصراع بين هذين المعسكرين، من دون أن تحدّد القوى السياسية الكردية موقفها منه، وموقعها فيه، وهي المنقسمة بدورها بين إيران والولايات المتحدة (وتركيا طبعا). لكن هذه القوى لا تبدو حتى الآن مهتمةً بأكثر من تأمين مطالبها الخاصة بالكرد في علاقتهم مع الحكومة الاتحادية، لذلك آثرت عدم الانضمام، في هذه المرحلة، إلى أي من المعسكريْن الكبيرين، بانتظار استدراج أكبر تنازلات (خطّية) ممكنة منهما، وذلك في ضوء التجربة المريرة التي عانتها مع المالكي الذي قطع الرواتب عن إقليم كردستان في عام 2014، والعبادي الذي أجهض الاستفتاء على استقلاله في العام 2017.
في كل الأحول، لن تكون معركة القوى السياسية العراقية لتحقيق استقلال القرار الوطني سهلة، فإيران استثمرت جل جهدها خلال العقدين الأخيرين في إبقاء العراق ضعيفا وتابعا، وسوف تزداد أهميته بالنسبة لها سياسيا واقتصاديا في المرحلة المقبلة، في ظروف عودة الحصار والعقوبات والأميركية. لا بل تتجه إيران على ما يبدو إلى تحويل العراق، كما سورية ولبنان، إلى خط ثالث في استراتيجيتها الأمنية والدفاعية، إذ قامت، وفق تقارير إعلامية، بتسليح مليشيات الحشد الشعبي بصواريخ يصل مدى بعضها إلى 700كلم، وهذا يعني أن معركة استقلال العراق سوف تصبح أصعب، إنما أكثر إلحاحا في الوقت نفسه.
أولى الملاحظات على الحراك السياسي العراقي الراهن هي إيذانه بانتهاء التحالفات القائمة على أساس طائفي، إذ انهار التحالف الوطني (الشيعي) الذي حكم البلاد، بقيادة حزب الدعوة، منذ عام 2005، وتكرّس خلال ولايتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006 - 2010 و2010 - 2014)، وظهرت مكانه مجموعة قوى سياسية موزّعة على تحالفيْن كبيريْن، يضم الأول ائتلاف دولة القانون والفتح (نوري المالكي – هادي العامري)، ويضم الثاني ائتلاف "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر، و"النصر" بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، و"الحكمة" بقيادة عمّار الحكيم. لا ينطبق هذ الأمر على القوى السياسية "الشيعية" فقط، بل ينسحب أيضاً على القوى السياسية "السنّية"، إذ اختار جزء من تحالف "القرار" برئاسة رئيس البرلمان الأسبق، أسامة النجيفي، الانضمام لمعسكر الصدر- العبادي- الحكيم، فيما اختار جزء آخر من "القرار" بزعامة رجل الأعمال، خميس الخنجر، الانضمام إلى معسكر المالكي.
اللافت في الانقسامات، هذه المرة، أنها لم تعد مبنيةً على الخلافات الشخصية بين الرموز السياسية العراقية، على أهميتها، خصوصا التي تسم علاقة المالكي مع كل من الصدر والعبادي، إنما، وهذا الأهم، باتت تتمحور حول البرامج والرؤى، خصوصا منها الجانب المتعلق بهوية العراق وموقعه الإقليمي واستقلالية قراره، وعلاقته بحروب المحاور الدائرة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن خيبات الأمل المتكرّرة تتطلب منا الحذر في إطلاق استنتاجاتٍ سريعة، لكن الواضح أن الصراع الكبير الذي تشهده الساحة العراقية اليوم يتحول، بوضوح، من سياق طائفي (سني - شيعي) إلى سياق سياسي يتواجه فيه معسكران، يرتبط الأول بقوة بإيران، لا بل يقوم على تبعية مطلقة لها من منطلق اعترافه بولاية الفقيه، وإيمانه بمشروع سياسي شيعي فوق –قومي، عابر للحدود تقوده إيران. فيما يسعى المعسكر الثاني، ويضم عددا لا يُستهان به من القوى السياسية العراقية، السنية والشيعية والمدنية، إلى الانعتاق من الهيمنة الإيرانية، والتأكيد على مصالح العراق وهويته الوطنية وانتمائه الثقافي العربي، من دون أن يكون بالضرورة معاديا لإيران.
طبعا لا يمكن حسم الصراع بين هذين المعسكرين، من دون أن تحدّد القوى السياسية الكردية موقفها منه، وموقعها فيه، وهي المنقسمة بدورها بين إيران والولايات المتحدة (وتركيا طبعا). لكن هذه القوى لا تبدو حتى الآن مهتمةً بأكثر من تأمين مطالبها الخاصة بالكرد في علاقتهم مع الحكومة الاتحادية، لذلك آثرت عدم الانضمام، في هذه المرحلة، إلى أي من المعسكريْن الكبيرين، بانتظار استدراج أكبر تنازلات (خطّية) ممكنة منهما، وذلك في ضوء التجربة المريرة التي عانتها مع المالكي الذي قطع الرواتب عن إقليم كردستان في عام 2014، والعبادي الذي أجهض الاستفتاء على استقلاله في العام 2017.
في كل الأحول، لن تكون معركة القوى السياسية العراقية لتحقيق استقلال القرار الوطني سهلة، فإيران استثمرت جل جهدها خلال العقدين الأخيرين في إبقاء العراق ضعيفا وتابعا، وسوف تزداد أهميته بالنسبة لها سياسيا واقتصاديا في المرحلة المقبلة، في ظروف عودة الحصار والعقوبات والأميركية. لا بل تتجه إيران على ما يبدو إلى تحويل العراق، كما سورية ولبنان، إلى خط ثالث في استراتيجيتها الأمنية والدفاعية، إذ قامت، وفق تقارير إعلامية، بتسليح مليشيات الحشد الشعبي بصواريخ يصل مدى بعضها إلى 700كلم، وهذا يعني أن معركة استقلال العراق سوف تصبح أصعب، إنما أكثر إلحاحا في الوقت نفسه.