نجحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تطبيق سياسة خنق قطاع غزة، فعلى مدار سنوات الحصار التي فرضته على القطاع منذ أكثر من 12 عاماً، خَبرت أساليب الضغط بتحكمها في حركة المعابر، لا سيما معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد لغزة على العالم الخارجي، فبين قرار إغلاقه وإعادة فتحه، تظل أحوال أكثر من مليوني غزّي تراوح مكانها قريباً من الهاوية.
نفس السيناريو، تنفذه إسرائيل في كل مرة تحاول فرض مزيد من الضغط على غزة، فبعد أن أغلقت معبر كرم أبو سالم، لنحو أسبوع كامل، عاودت فتحه مجدداً، أمس الأحد، بأمرٍ من وزير أمن الاحتلال، أفيغدور ليبرمان. قرارٌ يُعيد حركة البضائع إلى غزة، مجدداً، عبر آخر المنافذ التجارية المتبقية للقطاع.
القرار الأخير بإعادة فتحه، الذي أرجعه مكتب ليبرمان إلى ما سماه "انخفاض حوادث العنف على حدود غزة في الجمعة الماضية وجهود حركة حماس في ضبط النفس على الأرض"، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام عبرية، يُترجم مشهد التحكم المستمر في حركة المعبر من قبل قادة جيش الاحتلال، في مسلسل بات يتكرر طويلاً.
ومعبر كرم أبو سالم التجاري هو آخر المنافذ التجارية المتبقية للغزيين، التي تربطهم بالأراضي المحتلة عام 1948، بعد أن أغلق الاحتلال ثلاثة معابر، من أصل ستة تربط غزة بالعالم الخارجي، فدمّر، أواخر شهر مارس/ آذار 2011، معبر المنطار (كارني)، وكان يعتبر من أكبر المعابر التجارية، ومعبر الشجاعية، (ناحل عوز)، الذي أغلق في الأول من إبريل/ نيسان 2010، ومعبر صوفا.
وشهدت الحركة التجارية تراجعاً واضحاً على المنفذ التجاري الوحيد لقطاع غزة، إذ لم يعد يتجاوز عدد الشاحنات الواصلة إلى غزة من خلاله ما بين 300 إلى 500 شاحنة في أفضل الأحوال، مقارنة بفترات كان يتراوح إجمالي عدد الشاحنات الواردة إلى غزة من 800 إلى ألف شاحنة يومياً.
فالاحتلال الذي لم يكتفِ بـ 12 عاماً من الحصار، كتب خلالها فصولاً من المعاناة والعذابات لسكان غزة، بل يتلذذ كذلك في تشديد قبضته على كل مقومات الحياة في القطاع. ومنذ الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، حين انطلقت مسيرات العودة وكسر الحصار على حدود غزة، تأرجحت حركة معبر كرم أبو سالم بين فتحٍ وغلق، وفق "أهواء" سلطات الاحتلال.
ورفض رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، جمال الخضري، أن تكون المعابر "أداة للمساومات والضغط" على الفلسطينيين، مشيراً إلى أنّ "المفترض أن تكون المعابر خارج إطار قرارات الإغلاق والفتح، وأن تظل مفتوحة باستمرار كونها لم تُوجد كأداة للمساومات، هذا المسلسل مرفوض تماماً لكونه يحدث اضطرابات كبيرة في حركة السوق الفلسطيني المتدهور أصلاً".
وأكد الخضري لـ"العربي الجديد" أن إغلاق معبر كرم أبو سالم يكبد القطاع خسائر على صعيد كل القطاعات، الصناعي والتجاري والزراعي والنقل والعمار وحتى قطاع المقاولات، كما يؤثر على كثير من احتياجات الناس، في ظل سياسة واضحة تحاول إسرائيل من خلالها خنق قطاع غزة اقتصادياً.
وعقب الخضري على اللحظة التي تُعاود فيها إسرائيل فتح كرم أبو سالم، بالقول إنه "من الأصل لا يمكن الحديث عن فتح المعبر بشكل كامل، هو مجرد عمل جزئي، في ظل أنه لا يحق للفلسطينيين أن يستوردوا ما يشاؤون إلا وفق ما تسمح به إسرائيل، التي تضع قوائم بالمنتجات الممنوعة من الدخول لغزة وتشمل السلع المزدوجة، إذ هناك نحو 200 صنف ضمن قائمة الممنوعات".
وأوضح أن الحصار الإسرائيلي يكبد غزة خسائر بقيمة 50 مليون دولار شهرياً، ما أدى إلى انهيار اقتصادي شامل وتردي القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
علاوة على ذلك، يدخل قطاع الوقود في أوج أزماته في كل مرة يجرى فيها الحديث عن إغلاق المنفذ التجاري الوحيد لغزة، ولا سيما الحاجة الماسّة للقطاع إلى التخفيف من حدة أزمة الكهرباء التي يتطابق عمرها مع عمر الحصار الإسرائيلي، إذ تعيش غزة في ظلام دامس معظم ساعات اليوم، ويصل عدد ساعات قطع التيار الكهربائي إلى 20 ساعة يومياً.
ودخل قطاع غزة في مرحلة الانهيار الاقتصادي، وفقاً لما جاء في تقرير أصدره البنك الدولي في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وذكر أيضاً أن الخدمات الأساسية المقدمة للسكان، تتعرض للخطر في ظل شح السيولة، بالإضافة إلى أن فرداً واحداً من أصل اثنين في القطاع يعاني من الفقر.
ولفت البنك الدولي إلى أن معدل البطالة بين السكان، الذين يغلب عليهم الشباب، وصل إلى أكثر من 70%، كما بلغ معدل النمو بالسالب 6% في الربع الأول من العام الجاري 2018، في ظل أن المؤشرات تنبئ بمزيد من التدهور منذ ذلك الحين، في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
ومنذ الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، يتظاهر الفلسطينيون في مسيرات سلمية على الحدود الشرقية من قطاع غزة، للمطالبة بالعودة إلى أراضيهم المحتلة ورفع الحصار عن غزة، بينما يستخدم جيش الاحتلال قوة مفرطة لمواجهة المتظاهرين، وهو ما أدى إلى استشهاد أكثر من 100 فلسطيني وإصابة الآلاف بجروح مختلفة.