معاناة مرضى الفشل الكلوي بالمغرب في ظل كورونا

03 سبتمبر 2020
يعاني من الفشل الكلوي (محمد حمود/ Getty)
+ الخط -

 

"إنّه لأمر مرهق أن تعيش ألماً يومياً يرافقك منذ سنوات، مع ساعات علاج طويلة، يضاف إليهما احتمال أن تخسر حياتك في أية لحظة بسبب خطر انتقال عدوى فيروس كورونا إليك". هذا ما يقوله رئيس جمعية الرحمة لمرضى الفشل الكلوي في مدينة فاس (شمال وسط المغرب) ياسر العلمي، لـ "العربي الجديد"، مشيراً إلى زيادة معاناة مرضى الفشل الكلوي في المغرب في ظل تفشي كورونا. 
ويقول العلمي (26 عاماً)، الذي أصيب بهذا المرض منذ كان عمره عشر سنوات: "فضلاً عن صعوبة التنقل في ظل جائحة كورونا إلى المستشفيات والمراكز الطبية للعلاج، وعدا عن هاجس انتقال العدوى على اعتبار أن مرضى الفشل الكلوي أكثر عرضة للإصابة بكورونا بسبب ضعف مناعتهم، كان هناك غياب واضح للدعم النفسي والتوعية من قبل السلطات الصحية، ما فاقم من معاناة المرضى صحياً ونفسياً". 
يضيف: "من دون مواكبة نفسية لمرضى يعيشون أيامهم تحت رحمة علاج مستمرّ قد يخذلهم في أي وقت ليخسروا حياتهم، ويقضون معظم وقتهم في عزلة لشعورهم بأنهم منبوذون من المجتمع، فإنّ المعاناة تضاعفت خلال أشهر الحجر الصحي".

كوفيد-19
التحديثات الحية

 

ويتحدث العلمي لـ "العربي الجديد" عن تفاقم معاناة المرضى في ظلّ عدم قدرتهم على المتابعة الصحية الدقيقة، ما يهدد حياتهم بخطر انتقال العدوى، خصوصاً خلال البحث عن علاج في مستشفيات ومراكز غسل الكلى. وقد تستغرق مسافة الطريق نحو مائة كيلومتر وسط ظروف تعد مكلفة جسدياً ومالياً".
وبسبب قرار السلطات الصحيّة تخصيص المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية لاستقبال المصابين بكورونا، تحوّلت رحلة العديد من مرضى الفشل الكلوي، لا سيما في البوادي والمناطق النائية، للبحث عن فرصة للعلاج، إلى معاناة كانت نهاية بعضها مؤلمة. ويقول العلمي: "أحد الأشخاص كان مضطراً إلى الانتقال من مدينة الراشيدية إلى المركز الجامعي الاستشفائي في مدينة فاس للخضوع لعمليّة غسل كلوي، ليصطدم عند وصوله بإلغاء استقبال مرضى الفشل الكلوي، مع ما يعنيه ذلك من تفاقم لحالته الصحية والنفسية". يضيف: "الأمر المؤسف، إذ يمكن أن تؤدي صعوبة الحصول على ساعات العلاج الأسبوعية إلى أن يخسر المريض حياته كما حصل في مدينة بني ملال (وسط المغرب)". ويرى أن "تخصيص كل المستشفيات لعلاج المصابين بكورونا خطأ كبير اقترفته وزارة الصحة. كان من الأجدى إيجاد حل آخر، لكن ليس على حساب مصير آلاف المرضى المصابين بمرض أكثر خطورة من كورونا".
من جهته، يكشف أحد المرضى والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، عن واقع مرير عاشه في شهر مايو/ أيار الماضي، بعدما اضطرت الجمعية التي كانت تتكفل بتغطية تكاليف علاجه إلى التوقف عن مساعدته بسبب نفاد الدعم الذي كانت تحصل عليه. ويقول المريض لـ "العربي الجديد": "واجهنا المجهول بعدما توقفت الجمعية عن تأمين تكاليف العلاج لمركز صحي خاص في إقليم محافظة آسفي (جنوب غرب المغرب)، ما جعل معاناتنا وآلامنا تتضاعف بسبب عدم خضوعنا لغسل الكلى لأكثر من أسبوع، ومماطلة المسؤولين في إيجاد حل للمشكلة، وعدم قدرتنا على تغطية تكاليف العلاج. كما أن الأدوية باهظة الثمن".

لوائح الموت


وتزداد معاناة مرضى الفشل الكلوي نتيجة بحثهم عن أماكن شاغرة في المراكز الصحية لغسل الكلى، فيما يبحث آخرون عن فرصة للاستفادة من زراعة الكلى التي تتطلب تكاليف مالية عالية. ويقول محمد بوتمارت الذي يعاني من الفشل الكلوي ويقطن في منطقة تنغير (جنوب المغرب)، لـ "العربي الجديد": "معاناتنا تزداد مع الاضطرار إلى التنقل إلى مدينة مراكش لإجراء التحاليل اللازمة بشكل دوري. لكنّ المعاناة الأكبر تكمن في لوائح الانتظار الطويلة للخضوع للعلاج. ويضطر البعض أمام هذا العائق إلى التنقل إلى مدن بعيدة لإجراء الغسيل في المراكز الصحية الخاصة، وتصل كلفة الجلسة الواحدة منها إلى 700 درهم (نحو 70 دولارا) أو انتظار الموت".

واجهنا المجهول بعدما توقفت الجمعية عن تأمين تكاليف العلاج

 

ويقول إنّ مسعى المرضى للحصول على علاج يصطدم بوجود لوائح انتظار طويلة بحكم قلّة التجهيزات والأسرّة والمعدات المخصصة لغسل الكلى، مضيفاً أنّ المريض الذي يصل إلى المراكز الصحية يصطدم بلائحة انتظار طويلة يصفها بـ "لائحة الموت، وهي وصمة عار في جبين القائمين على القطاع الصحي والمنظومة الصحية المغربية التي تهمّش مرضى الفشل الكلوي على الرغم من خطورة المرض وارتفاع عدد المصابين به". وما يُثير أكثر من علامة استفهام، بحسب رئيس جمعية الرحمة ياسر العلمي، هو تركيز السلطات الصحية على عمليات غسل الكلى على الرغم من كلفتها العالية على ميزانية الدولة، وعدم تشجيعها عملية زراعة الكلى الأقل كلفة والأكثر نفعاً للمصابين، داعياً المغاربة إلى تشجيع ثقافة التبرع بالكلى لأن هناك "رجالاً ونساء وأطفالاً يعانون أو يموتون كل يوم لعدم استفادتهم من عملية الزرع في الوقت المناسب".
إلى ذلك، كشفت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة في 12 مارس/ آذار الماضي، عن أرقام صادمة تتعلّق بأوضاع مرضى الفشل الكلوي. وأعلنت أن المرض يصيب أكثر من مليون مغربي، وأن أكثر من 80 في المائة منهم لا يستطيعون توفير النفقات. وبحسب المعطيات التي قدمتها الشبكة، يصاب أكثر من 4 آلاف حالة سنوياً، ويخضع أكثر من 6 آلاف مريض حالياً لعملية تصفية الدم، بينما يحمل أكثر من 200 مريضاً كلية مزروعة. 

 

وما يزيد من معاناة مرضى الفشل الكلوي هو أن المرض يحتاج إلى تكاليف باهظة سواء من أجل القيام بغسل الكلى أو إجراء عملية زراعة الكلى، إلا أن هذه التكاليف ليست في متناول غالبية مرضى الفشل الكلوي، "وهو ما يضطر البعض منهم إلى بيع ممتلكاتهم من أجل توفير مصاريف العلاج"، بحسب الشبكة.
وتنتقد الشبكة ضعف الإمكانيات التي توفرها الحكومة من أجل تقديم العلاج لمرضى الفشل الكلوي. فبحسب المعطيات الرسمية، فإن 17 ألف شخص يخضعون لغسل الكلى في 200 مركز تابع للدولة والمراكز الخاصة سنوياً، وتضاف كل سنة 1300 عملية جديدة لغسل الكلى. إلا أن هذه المراكز غير كافية، فكل آلة لغسل الكلى تُخصّص لـ 13 مريضاً يعانون من الفشل الكلوي، في حين أن الرقم ثلاثة مرضى في السعودية، وأربعة مرضى في فرنسا وهو المعدل العالمي، أي أن المغرب يفوق المعدل العالمي بثلاثة أضعاف.
ويبدو لافتاً، من خلال معطيات الشبكة، أن ساعات الغسل الكلوي تراجعت من 4 ساعات في المعدل إلى ساعتين أو أقل، بسبب ارتفاع عدد المصابين ومحدودية التجهيزات، مؤكدة أن عدد الحصص الأسبوعية تراجع من ثلاث حصص للعلاج في الأسبوع إلى حصتين أو حصة في الأسبوع، "ما يعرّض المرضى لمضاعفات ويرفع من نسبة الوفيات".

المساهمون