معارك طرابلس بعد شهرين: تبدّل المعطيات بلا حسم

06 يونيو 2019
لا تختلف خريطة السيطرة عن شكلها السابق(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

تجاوز الهجوم العسكري الذي تشنّه مليشيات اللواء خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس الشهرين، منذ انطلاقه في 4 إبريل/نيسان الماضي، من دون أن يحقق تقدّماً عسكرياً كبيراً. كما لم تنجح قوات حكومة الوفاق في طرد المليشيات من المواقع التي سيطرت عليها في القطاع الجنوبي للعاصمة.

وعلى الرغم من تأكيدات الطرفين وإصرارهما على أن كلاً منهما أحرز تقدّماً باتجاه مناطق سيطرة الآخر، إلا أن مراقبين ليبيين يعتبرون أن الوضع الميداني في حالة مراوحة عسكرية. وبالتوازي مع استمرار القتال، تعيش المنطقة وضعاً إنسانياً صعباً. وتُمثّل حالة النزوح المستمرة أبرز مظاهره. ووفق آخر إحصاءات الحكومة في طرابلس فإن ما يزيد عن 85 ألف شخص نزحوا من منازلهم من أحياء جنوب العاصمة جراء القتال المستمر.

وأكد المتحدث باسم عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، محمد قنونو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المرحلة الثانية من المعركة تسير وفق الخطط الموضوعة، لافتاً إلى أن قوات الحكومة في حالة هجوم على مواقع مليشيات حفتر. وقال قنونو إن المرحلة الثانية من عملية "بركان الغضب" الهجومية، انطلقت منذ نهاية الأسبوع الماضي وحققت أهدافاً متقدمة بالسيطرة على مواقع في طريق المطار ووادي الربيع وقصر بن غشير. وعلى الرغم من اشتداد المعركة بين الطرفين، مساء أول من أمس الأربعاء وهدوءها خلال ساعات صباح أمس الخميس، فإن قنونو قال "إننا لم نحقق تقدّماً (خلال اليومين الماضيين)، لأننا كنا نصد هجوماً للمليشيات التي كانت تريد استغلال أيام عيد الفطر لاستعادة مواقع فقدتها في الأيام الماضية".

في المقابل، ومع غياب تصريحات المتحدث الرسمي باسم مليشيات حفتر، أحمد المسماري، خلال الأيام الثلاثة الماضية، إلا أن نشرات شعبة الإعلام الحربي التابعة لمليشيات حفتر أشارت إلى تقدّم في محور قصر بن غشير، وإلى تنفيذ طيرانها عدداً من الغارات الجوية على مواقع جنوب طرابلس، لا سيما في وادي الربيع. وقال المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، مصطفى المجعي، إن طيران حفتر شن غارات جوية على عدة مواقع بطرابلس وغربها. وأوضح المجعي، في حديثه، لـ"العربي الجديد"، أن طيران حفتر شن غارة صباح أمس الخميس على مستشفى ميداني بمنطقة السواني جنوب طرابلس، وغارة أخرى على مقر الفروسية قرب مدينة الزاوية غرب العاصمة. وأضاف أن "قوات حفتر تريد أن تبعث برسالة تشير إلى أنها في موقف قوة ويمكنها الوصول إلى أي موقع في طرابلس" مشيراً إلى أن الغارات لم تؤد إلى وقوع إصابات. وعن استهداف مطار معيتيقة المدني قال المجعي إن "القصف تزامن مع بدء الحكومة بمدّ جسر جوي لإيصال المعونات الإنسانية إلى مدينة غات التي تشهد حالة إنسانية صعبة".


ولا تختلف خارطة السيطرة للطرفين عن شكلها السابق، وتحديداً منذ منتصف الشهر الأول لبدء المواجهات. فالقوات التابعة للحكومة لا تزال تسيطر على مناطق السواني والعزيزية والساعدية، وصولاً إلى الهيرة المحاذية لمدينة غريان (95 كيلومتراً غرب طرابلس)، لكنها تقتسم السيطرة مع مليشيات حفتر في مناطق قصر بن غشير ووادي الربيع وطريق المطار وعين زارة. وفي هذه الأحياء، تتركز سيطرة مليشيات حفتر في المواقع العسكرية، إذ تعتبر منطقة القطاع الجنوبي الأكثر انتشاراً للمواقع العسكرية في العاصمة، بالإضافة لتركيز قواتها النارية الأكبر في محور طريق المطار، رغبة في السيطرة على المطار وطريقه الاستراتيجية المؤدية إلى قلب العاصمة، لكن مقاومة قوات الحكومة تشتد فيها.

وأكد الخبير الأمني الليبي، محيي الدين زكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الميداني في المنطقة يعيش حالة مراوحة، والمعارك فيها تتخذ شكل الكر والفر بين الطرفين. وقال زكري إن قوات الحكومة تمكّنت بالفعل من الانتقال من الدفاع إلى الهجوم بعد التعزيزات العسكرية التي لم يتوقف قدومها إلى جنوب طرابلس، والعتاد العسكري الذي يبدو أن الحكومة حصلت عليه أخيراً، لكن ذلك الهجوم لم يسفر إلا عن تقدّم نسبي في محور طريق المطار وقصر بن غشير، بالسيطرة على معسكر الصواريخ واليرموك وهما موقعان هامان، مضيفاً أن قوات الحكومة أمامها الكثير من المعارك حتى تتمكن من إخراج مليشيات حفتر من تلك المناطق. ولفت إلى مصاعب تواجه قوات الحكومة، ومنها "الكثافة السكانية والأحياء المكتظة التي لا يمكن خوض معارك مفتوحة فيها، وهو ما تدركه الحكومة، وبالتالي يتوجب الهجوم بشكل بطيء"، مشيراً إلى أن مليشيات حفتر منعت العائلات في منطقة قصر بن غشير من مغادرة المنطقة بهدف اتخاذها دروعاً بشرية. وأضاف "مليشيات حفتر تعمد للتحصن بين المنازل وعلى أسطح المباني، ما يجعلها هدفاً صعباً لسلاح الجو أو للمقاتلين المشاة، واستهداف هذه العناصر يعني تدمير ممتلكات المدنيين". ورجح زكري أن تستمر مرحلة الهجوم التي تخوضها قوات الحكومة حالياً لأكثر من شهرين بحسب المعطيات على الأرض، مشيراً إلى أن المعركة لا تعتمد على القتال والهجوم فقط، بل على ضعف المليشيات المهاجمة تدريجياً. وتابع "خطوط إمداد مليشيات حفتر تكاد تكون مقطوعة نهائياً، ما يعني ضعف وتهاوي تلك المليشيات تدريجياً، وهو عامل تعمل عليه قوات الحكومة، إضافة للهجوم عليها".

المساهمون