وتعمل قوات المعارضة في حلب وريفها على التحضير لـ "معركة حلب الكبرى"، والتي تستهدف طرد قوات النظام من كامل المدينة على غرار ما حصل في إدلب. وشكّلت لهذا الغرض "جيش الفتح" الخاص بحلب، والذي يضمّ 21 فصيلاً مسلّحاً تضمّ 22 ألف مقاتل، تدعمهم نحو 300 آلية ثقيلة. إلا أن الاستعدادات لهذه المعركة باتت تتأثر كما يبدو، بالمواجهات الجانبية التي فرضت نفسها على قوات المعارضة في حلب، مع "داعش" ومع القوى الكردية.
وبدأ "داعش" منذ صباح يوم الخميس، قصف قرى وبلدات ريف حلب الشمالي بالدبابات وقذائف الهاون، محاولاً التقدم نحو مناطق سيطرة المعارضة، وأعقب القصف معارك بين الجانبين، نتج عنها سيطرة التنظيم على بلدة التوقلي الاستراتيجية. وتواصلت الاشتباكات يوم الجمعة، خلال محاولة التنظيم السيطرة على بلدة صوران، بريف حلب الشمالي. وأسفرت عن سقوط 21 قتيلاً من الجانبين، ما دفع كتائب المعارضة إلى إرسال تعزيزات كبيرة إلى مناطق الاشتباكات. ويشير بعض قادة المعارضة المسلّحة إلى أن "طيران النظام دخل كطرف في معارك الريف الشمالي، مستهدفاً مناطقنا بالبراميل المتفجرة، ومُسقطاً قتلى وجرحى في صفوف المدنيين".
وكان "داعش" قد انسحب من ريف حلب الشمالي، منذ شهر مارس/آذار عام 2014، بعد معارك مع المعارضين في حلب، والذين تمكنوا من قتل عدد كبير من قواته وقادته، من بينهم حجي بكر الذي يُعتبر من مؤسسي تنظيم الدولة، مع أسر زوجته. وحاول التنظيم بعد ذلك اقتحام الريف مرات عدة من دون نجاح.
وبينما أعلنت "الجبهة الشامية"، العاملة في حلب وريفها، عن تحقيق تقدمٍ على محاور عدة، كثف "داعش" قصفه بالأسلحة الثقيلة على صوران، ما أجبر معظم سكانها على النزوح باتجاه البلدات المجاورة، الواقعة غربي صوران.
اقرأ أيضاً سهل الغاب: المعركة "الصعبة" لم تبدأ بعد
لكن كتائب المعارضة أعلنت، يوم السبت، عن استعادة نقاط عدة في صوران، كان التنظيم قد سيطر عليها يوم الجمعة، بعد حضور تعزيزات من الفصائل المختلفة، إذ شنّت قوات المعارضة المسلّحة هجوماً معاكساً، وتمكنت من استرجاع قرى الحصية وغرناطة، فضلاً عن مصنع قرة خوجة، وأجزاء من منطقة التوقلي. كذلك أُعيد فتح الطريق بين مدرسة المشاة وبلدة أم القرى، فيما لا يزال سدّ الشهباء وأجزاء من منطقة التوقلي، تحت سيطرة التنظيم. كذلك تتواصل الاشتباكات بين الجانبين في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، في وقتٍ تعرّضت فيه مدينة مارع إلى قصف مدفعي من جانب التنظيم.
ويسيطر مسلّحو المعارضة على كامل قرى وبلدات الريف الغربي، وقرى واسعة في ريف حلب الشمالي، في حين يسيطر "داعش" على كل الريف الشرقي وقرى أخرى في الريف الشمالي، بينما يتقاسم جيش النظام السيطرة على قرى وبلدات في الريف الجنوبي مع المعارضة و"داعش". الأمر الذي يصعب مهمة المعارضة في حلب، في ظلّ المعارك الجانبية التي يضطرون إلى خوضها بين الحين والآخر.
ومع امتداد التوتر بين المكوّن العربي والمليشيات الكردية من مدينة الحسكة إلى حلب وريفها، وقعت مواجهات متقطعة يوم الجمعة بين غرفة عمليات "لبيك يا أختاه"، والتي تضمّ كتائب عدة من قوات المعارضة في حي الشيخ مقصود، في مدينة حلب مع "وحدات الحماية الكردية".
وتدخّلت بعض القوى للتوسط وإعادة تذكير الطرفين باتفاق سابق يُلزم الفصيل الكردي بإطلاق سراح السجناء العرب، والسماح لعناصر جميع الكتائب بدخول حي الشيخ مقصود، باعتباره جزءاً من المناطق المحررة في حلب، ولا يخضع للإدارة الذاتية الكردية المطبقة في التجمعات الكردية الأخرى.
وعلى الرغم من ذلك، أعلنت "جبهة النصرة" عقب ذلك، استعدادها للمشاركة مع الفصائل العسكرية في حلب وريفها لـ "كفّ أيدي مليشيا وحدات حماية الشعب الكردي في حي الشيخ مقصود". واعتبرت الجبهة في بيانٍ لها أن "الوحدات الكردية تقف إلى جانب نظام الأسد، وتمنع النساء من الحجاب وتمنع من رفع الأذان في الحي".
في المقابل، تعهّدت الوحدات الكردية تنفيذ جميع بنود الاتفاق مع غرفة عمليات "لبيك يا أختاه"، بالإضافة لتعهّد تجمّع "فاستقم كما أمرت" و"الفرقة 16 مشاة"، ضمان تنفيذ وحدات "حماية الشعب" في حي الشيخ مقصود، بنود الاتفاق مع غرفة العمليات.
وفي إطار هذه التوترات العربية ـ الكردية، قال ناشطون إن "وحدات الحماية الكردية، فجّرت يوم الأربعاء عشرات المنازل، في قرية تل أحمر العربية، بالريف الجنوبي لعين العرب بريف حلب، بحجّة أنها منطقة عسكرية".
كذلك أحرقت الفصائل المنضوية في غرفة عمليات "بركان الفرات"، مئات الأشجار والهكتارات من المحاصيل الزراعية في القرى العربية بريف عين العرب، بعد سيطرتها عليها، بحجّة "التخلّص من الألغام التي خلّفها تنظيم الدولة".
وبينما يواصل "جيش الإسلام" مواجهاته مع "داعش" في مناطق مختلفة من ريف دمشق، وآخرها إعلانه عن قتل ثمانية من عناصر التنظيم خلال الاشتباكات الدائرة في القلمون الشرقي، تتواصل التوترات في درعا جنوباً بين بعض كتائب المعارضة وفصيل "شهداء اليرموك" المُتهم بمبايعة "داعش" سراً.
كذلك أعلنت حركة "أحرار الشام" أنها "طهّرت مواقع عدة في بلدة سحم الجولان في ريف درعا الغربي، كان يتحصّن فيها مقاتلو لواء شهداء اليرموك"، وذلك بعد هجوم عنيف شنّه مقاتلوها بقذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة والمتوسطة، لتندلع بعدها اشتباكات بين الطرفين استمرت لساعات، سقط خلالها 10 قتلى على الأقل، بالإضافة إلى تدمير مدفع 23 بصاروخ حراري. وفي وقت سابق حاول عنصران من اللواء المذكور، تفجير سيارة في حاجز لحركة "أحرار الشام" في بلدة حيط، تبعها استهداف البلدة من قبل اللواء بقذائف الدبابات، مما أدى إلى سقوط قتيلين من المدنيين.
وكانت الحركة قد ذكرت في وقت سابق أنها طردت عناصر اللواء من قريتي حوش حماد والشومرة أيضاً، في منطقة اللجاة بريف درعا. وجرت مواجهات سابقة مع مبايعين لـ "داعش" في محافظة القنيطرة المجاورة، انتهت بالقضاء عليهم نهائياً هناك، وهو ما اعتُبر آنذاك بأنه "تعطيل لاستكمال معركة تحرير القنيطرة".
وتشهد محافظة درعا هذه الفترة هدوءاً لافتاً على الرغم من توقعات سابقة، أفادت عن بدء هجوم شامل لاستعادة كامل المدينة من النظام. وشارك السبت عشرات النشطاء والمدنيين في تظاهرة جابت أحياء درعا البلد، المحررة، احتجاجاً على ما سموه "تخاذل بعض قيادات الفصائل المقاتلة وتعطيلها معركة تحرير درعا".
وكان ناشطون إعلاميون ومدنيون في مدينة درعا، قد دعوا للتظاهر خلال اليومين المقبلين في أحياء درعا البلد، وطريق السدّ، ومخيم درعا، احتجاجاً على قادة الفصائل المقاتلة، خصوصاً بعد تعطيل بعضهم لعمل عسكري واسع النطاق، كان يهدف إلى تحرير مدينة درعا بشكل كلي.
ونقلت مؤسسة "نبأ" عن مصدر عسكري في غرفة "عمليات مدينة درعا" قوله إن "عدداً من قيادات الفصائل وراء تعطيل المعركة، بحجة قلة الذخيرة وعدم إرسال غرفة عمليات الأردن السلاح الثقيل لهم". وأشار إلى أن "هناك فصائل تغيّبت عن الاجتماع الأخير لغرفة العمليات، والذي كان من المقرر خلاله وضع اللمسات الأخيرة، لتحديد موعد انطلاق العملية العسكرية الشاملة في درعا".
اقرأ أيضاً: مجزرة النظام السوي في الباب... الأسوأ لهذا العام